شي يبحث الاقتصاد الرقمي في موناكو قبل زيارته الرسمية إلى فرنسا

توقعات بإبرام اتفاقات تجارية مع باريس قبل عقد قمة أوروبية مصغرة

الأمير ألبير الثاني وشي جينبينغ برفقة عقيلتيهما في قصر موناكو أمس (أ.ف.ب)
الأمير ألبير الثاني وشي جينبينغ برفقة عقيلتيهما في قصر موناكو أمس (أ.ف.ب)
TT

شي يبحث الاقتصاد الرقمي في موناكو قبل زيارته الرسمية إلى فرنسا

الأمير ألبير الثاني وشي جينبينغ برفقة عقيلتيهما في قصر موناكو أمس (أ.ف.ب)
الأمير ألبير الثاني وشي جينبينغ برفقة عقيلتيهما في قصر موناكو أمس (أ.ف.ب)

وصل الرئيس الصيني شي جينبينغ، أمس، إلى موناكو في زيارة رسمية غير مسبوقة للإمارة، يليها عشاء مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في محطة تندرج ضمن جولته الأوروبية الهادفة إلى ضم دول من أوروبا إلى مشروع «طرق الحرير الجديدة».
واختتم شي السبت زيارة إلى إيطاليا، التي تمكن من ضمها إلى مشروعه العملاق، وقد وصل أمس إلى مطار نيس؛ حيث استقبله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان. ونسج أمير موناكو ألبير الثاني، الذي زار بكين في سبتمبر (أيلول) 2018، علاقات جيدة مع الرئيس الصيني، وبخاصة في المجال الرياضي، وتحديداً كرة القدم. وأكدت حكومة الإمارة أن اللقاء كان جيداً جداً، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
وباستثناء فرنسا التي لطالما أدارت السياسة الخارجية للإمارة، التي تعتبرها أشبه بمحمية لها، بحسب المؤرخ فريديريك لوران، لم يسبق لموناكو، البالغ عدد سكانها 38 ألفاً، أن استقبلت رئيس دولة عضو في مجلس الأمن الدولي. وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية المتشابكة على صعيد السياحة الفاخرة والكازينوهات، تراهن موناكو على الصين، لتكون أحد عوامل نموها على صعيد الاقتصاد الرقمي.
ووقّعت موناكو اتفاقاً في 2018 مع مجموعة «هواوي» الصينية، لتعميم استخدام تقنية الجيل الخامس في جلّ أرجائها. وعندئذ، عمدت الولايات المتحدة، التي استبعدت شركة «هواوي» من الأراضي الأميركية خشية التجسس، إلى الضغط على الأوروبيين لحظر تقنيات الشركة الصينية. وكان نائب وزير الخارجية الصيني وانغ تشاو، قال قبل وصول الرئيس الصيني إلى موناكو، إن شي والأمير ألبير الثاني سيجريان «محادثات معمّقة حول التعاون بين الصين وموناكو»، اللتين أصبحت علاقاتهما الثنائية «نموذجاً للتعاون الودي بين الدول الصغيرة والكبيرة».
وفي إيطاليا، وعد شي بـ«طرق حرير جديدة» باتّجاهين، سعياً منه لتهدئة المخاوف التي تثيرها مشروعاته الاقتصادية لدى بروكسل وواشنطن. وقد استقبل الشركاء الأوروبيون لروما بفتور إعلان ضم إيطاليا إلى مشروع «طرق الحرير الجديدة»، بموجب مذكرة تفاهم «غير ملزمة»، بحسب رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي.
والجمعة، اعتبر الرئيس الفرنسي الساعي لتوحيد المقاربة الأوروبية تجاه الصين، أنه «ليس من الجيد إجراء نقاش ثنائي لنصوص اتفاق حول (طرق الحرير الجديدة)». وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة «فيلات إم تسونتاغ»، قال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إن «الدول التي تعتقد أنها قادرة على عقد صفقات جيدة مع الصينيين، ستتفاجأ عندما تدرك أنها أصبحت تابعة».
ومساء، من المتوقع أن يلتقي الرئيس الصيني وزوجته الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت، على عشاء خاص في فيلا كيريلوس الأثرية المطلّة على البحر المتوسط في مدينة بوليو سورمير. وفرضت تدابير أمنية مشددة في نيس، غداة مظاهرات «السترات الصفراء» التي شهدت أعمال شغب. ومنعت السلطات أي مظاهرة في قسم كبير من المدينة، وحددت أماكن يُمنع على أي شخص الوصول إليها، باستثناء السكان. وتشمل هذه التدابير الإضافية جزءاً من جوار الفندق الذي سينزل فيه الرئيس الصيني.
وقال مصدر رسمي صيني، قبل الاجتماع الذي يندرج في الذكرى الخامسة والخمسين للعلاقات الثنائية، إن ماكرون وشي «سيتبادلان وجهات نظر معمقة حول العلاقات الصينية - الفرنسية، والعلاقات الصينية - الأوروبية، والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك». لكن الرئيس الصيني لن يبدأ إلا في اليوم التالي الجانب الرسمي من زيارته لفرنسا، التي يفترض أن يتخللها إعلان عقود تجارية.
وبينما تطرح أوروبا تساؤلات حول علاقتها مع هذا المنافس الذي يبدي طموحات دبلوماسية وتجارية كبيرة، ستنضم إلى الرئيسين، غداً (الثلاثاء)، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والمسؤول الأوروبي جان كلود يونكر، ما يشكل واحدة من النقاط الأساسية لهذه الزيارة.
وتأتي زيارة شي لفرنسا بعد 10 أيام من نشر الاتحاد الأوروبي خطة من 10 نقاط، تعتبر الصين «منافساً» وشريكاً تجارياً في آن واحد. وأعلنت منظّمات حقوقية تنظيم مظاهرات ضد زيارة الرئيس الصيني. وقد طالبت «رابطة حقوق الإنسان» و«مراسلون بلا حدود» و«الحملة الدولية من أجل التيبت»، في بيان مشترك، الرئيس الفرنسي ببحث ملف «حقوق الإنسان» مع نظيره الصيني، مطالبة بالإفراج عن المدافعين عنها.
وفي صحيفة «جورنال دو ديمانش»، أكد الكاتب الصيني المعارض لياو ييوو، المقيم في المنفى، في برلين منذ 2011، أن حقوق الإنسان في الصين «في تراجع مستمر» منذ تولي شي جينبينغ الرئاسة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟