الموسيقى تأخذ حيزها الأكبر في «موسم الشرقية» بالسعودية

مهرجان سينمائي يواصل عرض أفلامه... وطلعة ربيعية تفتح منصات التنافس

تنوع ثقافي في صورة موسم الشرقية
تنوع ثقافي في صورة موسم الشرقية
TT

الموسيقى تأخذ حيزها الأكبر في «موسم الشرقية» بالسعودية

تنوع ثقافي في صورة موسم الشرقية
تنوع ثقافي في صورة موسم الشرقية

خصّص موسم الشرقية وهو الفعالية الأضخم للترفيه في المنطقة الشرقية حيزاً لفنون الموسيقى العربية من غناء شعبي ومواويل وغناء كلاسيكي، فيما تتعدد منصات الموسم السياحي عبر موسيقى الجاز الغربية، كذلك الاستعراض الجوي لفريق (ريد بُل)، كذلك «طلعة ربيعية».
وضمن ذلك أحيا الفنانان نبیل شعیل وحاتم العراقي، حفلة فنية ساهرة في مدینة سیهات ضمن فعاليات موسم الشرقية وذلك على مسرح صالة الأمیر فیصل بن فهد للمناسبات، وسط حضور جماهيري حاشد.
واستمتع الجمهور بوصلات غنائية قدمها الفنانان، حيث قدم نبيل شعيل مزيجا من أعماله الفنية الشهيرة سواء القديمة أو الجديدة على مدار ساعة ونصف، بعدها قدم حاتم العراقي عددا من أغنياته الشّهيرة مصحوبة بالمواويل التي اشتهر بها ومن أبرزها «أفرش لك عيوني».
على وقع موسيقى الجاز، جاءت انطلاقة «طلعة ربيعية» في مدينة الدمام بمحاذاة ساحل الخليج، في حدث يخطط له القائمون أن يكون مفعما بالبهجة والمرح، وذلك ضمن فعاليات (موسم الشرقية) الذي يعدّ أضخم كرنفال ترفيهي شرق البلاد، ويستمر حتى نهاية شهر مارس (آذار) الجاري، في طقوس حالمة جذبت الكثير من الزوار.
وتعيد «طلعة ربيعية» زوارها إلى حقبة زمنية موسيقية ما زالت خالدة في التاريخ، تمتد من الأربعينات إلى التسعينات، عبر أنغام فرقة فرانك سيناترا، التي تقيم عروضها للزوار بشكل يومي في بلازا الشاطئ الشمالي من كورنيش الدمام.
إلى جانب فرقة «سكاي لاين أوركسترا»، حيث تحاكي هذه الفرقة أيضا أداء الفنان الأميركي فرانك سيناترا الذي يعدّ أحد أشهر مطربي القرن العشرين وتوفي عام 1998. وهو من جذور إيطالية، بدأت شهرته في أواخر ثلاثينات القرن الماضي، وظلّ حاضرا في موقع الحدث ليطرب زوار الطلعة الربيعية.
ولم تنس «الطلعة الربيعية» الأطفال الذين ظلوا مسرورين أثناء تجولها في المكان المنعش، وذلك عبر ممر للأطفال يحتوي على أركان للرسم الحر، التي تعتبر أداة تواصل مهمة للحوار مع الطفل.
بالإضافة إلى تخصيص ممر خاص بالدّراجات الهوائية مطل على شاطئ الكورنيش، وممر الحلزونات الذي يحتوي على أشكال ذات ألوان جاذبة، وتشارك عدّة فرق فنية بالاستعراض أمام الحضور والسير بالآلات الموسيقية.
وتضمنت «الطلعة الربيعية» منصات للتّحدي، إذ يخوض مرتادوها تجربة التحدي في فعالية «زبلاين» وهي لعبة مشوقة تعتمد على الانزلاق بين برجين على مسافة 100 متر من علوٍ شاهق، وتضم اللعبة جانبا آخر للقفز عبر الحبل للهبوط نحو الأرض، وكذلك تجربة السير على الشبك التي أثارت إعجاب الأطفال والكبار.
وبدا لافتا لزوار الطلعة الربيعية جمال الممرات الفنية التي زُينت بالزهور الوردية المتراقصة على وقع الموسيقى، وكان للزوار فرصة التجول في الممرات الحالمة التي اتخذت من البحر خلفية لها، في جهود واضحة لإبراز المنطقة الشرقية كوجهة سياحية مثالية ومفضلة لدى الكثير من العوائل والأفراد، في ظل ما تتميز به من شواطئ خلابة ووجهات بحرية مميزة.
وعلى مقربة من الطّلعة الربيعية، انطلق أواخر الأسبوع الماضي استعراض فريق طائرات (ريد بُل) لمهارات التحليق والمناورة السريعة بطريقة رائعة، حيث حلقت طائراتها في سماء كورنيش الدمام، بأبهى صورها لتضيف جمالاً في المكان والزمان لفعاليات «موسم الشرقية» الذي يقدم أكثر من 100 فعالية متميزة ومتنوعة بأسلوب شيق وممتع يجذب الزوار.
واختتم فريق (رد بُل) عروض الطيران الاحترافية والشيقة التي استمرت ثلاثة أيام على شاطئ كورنيش في مدينة الدمام، بمعدل أربعة استعراضات يومية استعرض فيها الطيارون مهاراتهم في التحليق والمناورة السريعة. حيث انطلقت الطائرات الاستعراضية من محافظة رأس تنورة، وصولاً إلى كورنيش الدّمام، بارتفاع منخفض بين الأقماع المخصصة للمناورات، وعروض الجي فلايت.
واستمع الحضور بشرح مفصّل عن طائرات الرد بُل، وكيفية عمل أقماع البايلون وطريقة إنزالها للشاطئ. ولم تدهش هذه الاستعراضات والفعاليات الزوار السعوديين فقط، بل جذبت الكثير من الزوار القادمين من الدول الخليجية المجاورة، خاصة أن فعاليات موسم الشرقية جاءت خليطا من الإثارة والتشويق والتنوع، إلى جانب قربها من بعضها البعض، فضلاً عن توفر خدمات النقل لتسهيل عملية الوصول والتنقل بين الفعاليات.
جدير بالذكر أنّ «موسم الشرقية» الذي يقام تحت شعار (الشرقية ثقافة وطاقة)، يقدم أكثر من 100 فعالية نوعية ومتميزة جرى اختيارها بدقة وعناية فائقة لتناسب جميع شرائح المجتمع وتتضمن فعاليات ثقافية وترفيهية ورياضية ومهرجانات تسوق وغيرها، في كل من: الدمام، والظهران، والخبر، والأحساء، والجبيل الصناعية، والقطيف، والنعيرية، والخفجي، وحفر الباطن.
في حين يواصل مهرجان أفلام السعودية في موسمه الخامس حملة التعريف بنجوم المستقبل من صناع المحتوى السينمائي حيث يعرض كل يوم عددا من الأفلام التي تكشف عن تجارب جديدة في مجال الإنتاج والإخراج السينمائي.
ويوفّر المهرجان لرواده الاطّلاع على تجارب الشّباب السّعودي في مجال السينما حيث يقدم 57 عرضا من العروض الأساسية والعروض الموازية وعروض السينما المنتخبة من مشاركات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
ويقدم المهرجان أربعة عروض يومية يقدم فيها العديد من التجارب الشابة في مجال صناعة السينما حيث يقدم المهرجان 22 فيلما تعرض للمرة الأولى، في حين بلغ مجموع مدة الأفلام المشاركة في المهرجان 21 ساعة، عمل عليها 12 مخرجة و42 مخرجا، وصُنّفت الأعمال السينمائية المشاركة إلى 31 فيلما روائياً، و9 أفلام وثائقية، و14 في قسم أفلام الطلبة.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
رياضة سعودية السباق سيقام في الفترة المسائية على مسافة اثنين من الكيلومترات (واس)

«مهرجان الإبل»: تأهب لانطلاق ماراثون هجن السيدات

تشهد سباقات الهجن على «ميدان الملك عبد العزيز» بالصياهد في الرياض، الجمعة المقبل، ماراثوناً نسائياً يُقام في الفترة المسائية على مسافة اثنين من الكيلومترات.

«الشرق الأوسط» (الصياهد (الرياض))
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
رياضة سعودية إقامة شوط للسيدات يأتي في إطار توسيع المشاركة بهذا الموروث العريق (واس)

مهرجان الصقور: «لورد» غادة الحرقان يكسب شوط الصقارات

شهد مهرجان الملك عبد العزيز للصقور 2024؛ الذي ينظمه نادي الصقور السعودي، الجمعة، بمقر النادي بمَلهم (شمال مدينة الرياض)، جوائز تتجاوز قيمتها 36 مليون ريال.

«الشرق الأوسط» (ملهم (الرياض))
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)