شعراء يطرحون بالشعر أفكاراً عن الشعر

من المتنبي إلى أدونيس

أدونيس  -  محمود درويش  -  أبو الطيب المتنبي
أدونيس - محمود درويش - أبو الطيب المتنبي
TT

شعراء يطرحون بالشعر أفكاراً عن الشعر

أدونيس  -  محمود درويش  -  أبو الطيب المتنبي
أدونيس - محمود درويش - أبو الطيب المتنبي

دائماً أرددُ أبيات الشاعرة «لميعة عباس عمارة» عن الشعر، حيث تقول:
لعنة اللاعن يا شعر عليك
ما الذي أوقعني بين يديك
كل أسرار الورى مستورة
وخفي الهمس مفضوح لديك
أنت لو كنت ملاكاً صالحاً
ما توسلـــنا بشيطانٍ إليـك
وهنا تلخص لميعة عباس عمارة تجربتها وعلاقتها الشائكة مع الشعر، وهي علاقة ملتبسة تخشى من خلالها ما يمكن أنْ يقترب من الفضيحة لأي حركة، أو كلمة يقولها الشاعر، فالشعر يمنح المرء ضوءاً مختلفاً عن الجميع، لذلك يُقرن دائماً بالوحي، وإنَّ الشعراء بإمكانهم أنْ يستفزّوا كل شيء حولهم، وأنْ يحركوا الراكد من مياه التاريخ، لذلك فالشعراء الحقيقيون هم دائماً مواطن خصبة للأسئلة المقلقة، وزيتٌ لا ينتهي لفانوس القلق والشك، فما الشعر؟ وما أسراره؟ هل هو اللغة؟ أم الإيقاع؟ أم الصورة؟ أم هو غير كل هذا؟ هل هو الروح أم الجسد؟ هل هو القميص أم فصاله؟ أم قماشته؟ هل هو النوم أم الصحو الدائم؟ هل هو بكتيريا لا تعيش إلا في الماضي؟ أم هو مرضٌ معدٍ يتفشَّى بسرعة عجيبة لينهش المستقبل؟ هل هو الأفكار أم طريقة عرضها؟ هل هو صنعة الماهرين أم عطشٌ دائمٌ في الروح؟
ما الذي يمكن أنْ يكتبه امرؤ القيس وطرفة والحارث بن حلزة اليشكري والأعشى والعشاق المنسيون والصعاليك العتاة من الشعراء لو سألناهم عن يوم الشعر العالمي، ما الذي سيقوله أبو نواس، وأبو تمام، والبحتري، والمتنبي، وأبو العلاء المعري، والشريف الرضي، وآخرون غيرهم لو استيقظوا من رقدتهم الطويلة، وما الذي سيكتبونه؟ وهل سيقتنعون أنَّ للشعر في هذا العالم يوماً واحداً فقط، في حين أبو نواس يعيش حياته شعراً، طولاً بعرض، ولو عملنا لهؤلاء الشعراء الكبار استطلاعاً لإحدى الصحف، أو المجلات عن يوم الشعر العالمي، فهل سينظر المتنبي إلى الشعر من خلال سيف الدولة الحمداني؟ أم من خلال وجه كافور الإخشيدي؟ وهل ينظر إلى الشعر على أنَّه عبءٌ ثقيلٌ لم يحصل منه على شيء (أنا الغني وأموالي المواعيد)، أم سوف ينتصر للشعر مردداً ما قاله قبل أكثر من ألف عام:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلتُ شعراً أصبح الدهر منشدا
لم يُفلت شاعرٌ لا قديمٌ ولا حديثٌ إلَّا وله شعرٌ عن الشعر، وهذا ما يسمّونه في النقد الحديث «ميتا شعر»، حيث يطرح الشعراء أفكاراً عن الشعر بالشعر نفسه، ومن هذه الزاوية نستطيع أنْ نلمح ونلحظ وجهات نظرهم حول الشعر، فلميعة عباس عمارة تنظر له على أنه شيطانٌ وليس ملاكاً صالحاً، فيما ينظر له «نزار قباني» نظرة أخرى، حيث يقول:
فالشعر رغم سياطهم وسجونهم
ملكٌ وهم في بابه حجّابُ
ولكنه في القصيدة نفسها يناقض نفسه، حيث يقول:
شعراء هذا اليوم جنسٌ ثالثٌ
فالقول فوضى والكلام ضبابُ
فالشاعر نفسه قد يناقض نفسه وهو ينظر إلى الشعر، فهناك من يراه عاملاً رئيسياً للثورة والمقاومة، وضمن هذه الرؤية ظهر المئات من الشعراء، وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية، وأغلبهم من الشعراء الذين اقترنوا بحركات التحرر، أو بالأحزاب والتيارات اليسارية، وبهذا نظروا إلى الشعر على أنَّه عاملٌ مساعدٌ يوظَّف للقضايا الكبرى فكانت بدايات عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف وعشرات غيرهم تتجه هذا الاتجاه، وهو التوجه نفسه الذي استثمره أهل الدين، وأهل العقائد في جعل الشعر خادماً لكل قضاياهم وتوجهاتهم، ونزار نفسه يقول:
الشعر ليس حماماتٍ نطيِّرها
فوق السماء ولا ناياً وريح صبا
لكنه غضبٌ طالت أظافره
ما أجبن الشعر إنْ لم يركبِ الغضبا
ولكن الملاحظ في هذا الموضوع أنَّ الشعراء تتبلور آراؤهم حسب الظروف والأزمنة التي يمرون بها، فالشعراء العرب مثلاً قبل نكسة يونيو (حزيران) هم غيرهم ما بعد النكسة، وإنْ كانوا الدم واللحم نفسهما، ولكنَّ الغضب والهستيريا التي استولت عليهم بعد النكسة حوَّلت بوصلتهم الشعرية إلى زاوية حادة وجارحة، وإنَّ الشعر يجب أنْ تكون له وظيفة خاصة ومحددة، فالشعر حاله حال السلاح في المعركة - بحسب أصحاب هذا التوجه - وربَّما هذه النظرة دعت «صدام حسين» أنْ يُطلق على الأدباء والفنانين أيام الحرب مع إيران «الفيلق السادس أو السابع»، أي إنَّهم يُكملون الفيالق العسكرية المحتشدة على الحدود، وأزعم أن الشعراء الذين ينظرون دائماً إلى هذه الوظيفية في الشعر، هم في الأغلب من الشعراء الكلاسيكيين، أو التقليديين الذين ينتمون إلى منطقة الشفاهية، والتحشيد، واستغلال كل الأدوات.
أما الشعراء الذين ينتمون إلى الحقل الحداثي والمعاصر، فمعظمهم يرون أنَّ الشعر لا وظيفة له إلَّا الشعر، وحين يكون الشعر تابعاً أو ناطقاً عن قضية من القضايا فإنَّه بذلك يكون قد تنازل عن أهم أسلحته الجمالية والمعرفية، وفي هذه النقطة يتساوى من يكتبون بالطريقة الحديثة مع التقليديين حيث الأفكار الجاهزة، إذ يحلُّ الحزب أو الآيديولوجيا محل القبيلة، وتحلُّ الشعارات المعاصرة محل الشتائم القديمة، ويحل الشعر السياسي ونقده محل الهجاء، وهنا لا يشفع التحول الشكلي للنص بوصفه حداثياً، لأنَّه ما زال عالقاً بحبالٍ متينة مع التقليد، وأظن أنَّ «أدونيس» أحد أهم هؤلاء الشعراء الذين نظَّروا وآمنوا بأنَّ الشعر يجب ألَّا يكون تابعاً لأي قضية، سواء أكانت دينية أو اجتماعية، أو سياسية، أو أي شيءٍ آخر، إنَّما الشعر يجب أنْ تكون له وظيفة واحدة هي الشعر، ومن ثم تلتحق به القضايا الأخر (عش ألقا وابتكرْ قصيدة وامضِ - زدْ سعة الأرض) فلا غرض من وراء الشعر إلَّا الشعر والجمال والتوسع في هذا العالم، أو هو لاعب نردٍ لدى محمود درويش (إنَّ القصيدة رمية نردٍ - على رقعة من ظلامْ - تشعُّ وقد لا تشع - فيهوي الكلام...) أو القصيدة بئرٌ من رماد لدى علي جعفر العلاق (أين المغنّون مضوا؟ - أين مضت أيائل الفراتْ - قصيدتي بئرٌ - من الرماد لا سحابة - تحنُّ مثل امرأة - ولا ندى - يفوحُ من عباءة الرعاة)، ولا تكاد تخلو قصيدة للعلاق إلَّا وللشعر ذكرٌ فيها، من خلال تمظهرات الشعر؛ كذكر القصيدة، أو الغناء، أو كعنوان لمجاميعه الشعرية كما في ديوانه (حتى يفيض الكلام بالحصى) أما الشاعر اللبناني شوقي بزيع فله موقفٌ شعري من الشعر اتخذه عنواناً عريضاً لإحدى أهم مجاميعه الشعرية، وهو (إلى أين تأخذني أيُّها الشعر) والذي يُطيل في هذا النص عتابَه للشعر، وإنَّه جنتُه وجحيمُه في الوقت نفسه، وإنَّ الشعر هو العدو الجميل (إلى أين تأخذني في نهاية هذا المطافْ - ... بشموع انطفائي - وأشرعة لاصطياد الوساوس - لم أتلقف موانئها بالشغافْ - لنجلسْ إذن يا عدوّي الجميلْ - لنجلسْ إذن حيثُ لم يبقْ في جعبة العمر إلَّا القليلْ). ولو غصتُ مع الشعراء ونصوصهم وبحثت عن الشعر وحديثهم معه لوجدت الكثير الكثير، ولما استثنيتُ أحداً منهم، فجلهم له موقف من الشعر، ولكن البيت الشعري في نهاية المطاف يبقى كما يقول عبد الجبار داود البصري في كتابه «فضاء البيت الشعري»: «في البيت الشعري ما في قصور النبلاء وقلاع الإقطاعيين من الأسرار والمغامرات وفيه ما في أروقة الدبلوماسيين من الدهاليز والأنفاق والمخابئ، وبيت الشعر كالحياة يجمع المتناقضات والأضداد ولا يسد بابه بوجه أحد فإلى جانب أبي نواس وخابية الخمر هنالك عمر بن الفارض وقد بُحّ صوتُه وهو ينادي سائق الأظعان المتجه نحو الديار المقدسة».



دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
TT

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)
«أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

أعربت الفنانة اللبنانية دياموند بو عبود عن سعادتها لفوز فيلم «أرزة» بجائزتين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، مؤكدةً أنّ سعادتها تظلّ ناقصة جرّاء ما يشهده لبنان، ولافتةً إلى أنّ الفيلم عبَّر بصدق عن المرأة اللبنانية، وحين قرأته تفاعلت مع شخصية البطلة المتسلّحة بالإصرار في مواجهة الصعوبات والهزائم.

وقالت، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الوضع في لبنان يتفاقم سوءاً، والحياة شبه متوقّفة جراء تواصُل القصف. كما توقّف تصوير بعض الأعمال الفنية»، وذكرت أنها انتقلت للإقامة في مصر بناء على رغبة زوجها الفنان هاني عادل، وقلبها يتمزّق لصعوبة ظروف بلدها.

وفازت بو عبود بجائزة أفضل ممثلة، كما فاز الفيلم بجائزة أفضل سيناريو ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية»، وتشارك في بطولته بيتي توتل، والممثل السوري بلال الحموي، وهو يُعدّ أول الأفلام الطويلة لمخرجته ميرا شعيب، وإنتاج مشترك بين لبنان ومصر والسعودية، وقد اختاره لبنان ليمثّله في منافسات «الأوسكار» لعام 2025.

في الفيلم، تتحوّل البطلة «أرزة» رمزاً للبنان، وتؤدّي بو عبود شخصية امرأة مكافحة تصنع فطائر السبانخ بمهارة ليتولّى نجلها الشاب توصيلها إلى الزبائن. وضمن الأحداث، تشتري دراجة نارية لزيادة دخلها في ظلّ ظروف اقتصادية صعبة، لكنها تُسرق، فتبدأ رحلة البحث عنها، لتكتشف خلالها كثيراً من الصراعات الطائفية والمجتمعية.

دياموند بو عبود والمؤلّف لؤي خريش مع جائزتَي «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم في فخّ «الميلودراما»، وإنما تغلُب عليه روح الفكاهة في مواقف عدة.

تصف بو عبود السيناريو الذي جذبها من اللحظة الأولى بأنه «ذكي وحساس»، مضيفة: «حين عرض عليَّ المنتج المصري علي العربي الفيلم، وقرأت السيناريو، وجدت أنّ كاتبيه لؤي خريش وفيصل شعيب قد قدّماه بشكل مبسَّط. فالفيلم يطرح قضايا عن لبنان، من خلال (أرزة) التي تناضل ضدّ قسوة ظروفها، وتصرّ على الحياة». وتتابع: «شعرت بأنني أعرفها جيداً، فهي تشبه كثيرات من اللبنانيات، وفي الوقت عينه تحاكي أي امرأة في العالم. أحببتها، وأشكر صنّاع الفيلم على ثقتهم بي».

عملت بو عبود طويلاً على شخصية «أرزة» قبل الوقوف أمام الكاميرا، فقد شغلتها تفاصيلها الخاصة: «قرأتُ بين سطور السيناريو لأكتشف من أين خرجت، وما تقوله، وكيف تتحرّك وتفكر. فهي ابنة الواقع اللبناني الذي تعانيه، وقد حوّلت ظروفها نوعاً من المقاومة وحبّ الحياة».

واستطاعت المخرجة الشابة ميرا شعيب قيادة فريق عملها بنجاح في أول أفلامها الطويلة، وهو ما تؤكده بو عبود قائلة: «تقابلنا للمرّة الأولى عبر (زووم)، وتحدّثنا طويلاً عن الفيلم. وُلد بيننا تفاهم وتوافق في الرؤية، فنحن نرى القصص بالطريقة عينها. تناقشتُ معها ومع كاتبَي السيناريو حول الشخصية، وقد اجتمعنا قبل التصوير بأسبوع لنراجع المَشاهد في موقع التصوير المُفترض أن يكون (بيت أرزة). وعلى الرغم من أنه أول أفلام ميرا، فقد تحمّستُ له لإدراكي موهبتها. فهي تعمل بشغف، وتتحمّل المسؤولية، وتتمتع بذكاء يجعلها تدرك جيداً ما تريده».

دياموند بو عبود على السجادة الحمراء في عرض فيلم «أرزة» في القاهرة (إدارة المهرجان)

صُوِّر فيلم «أرزة» قبل عامين عقب الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت و«كوفيد-19»، وشارك في مهرجانات، ولقي ردود فعل واسعة: «عُرض أولاً في مهرجان (بكين السينمائي)، ثم مهرجان (ترايبكا) في نيويورك، ثم سيدني وفرنسا وكاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في إسبانيا. وقد رافقتُه في بعض العروض وشهدتُ تفاعل الجمهور الكبير، ولمحتُ نساء وجدن فيه أنفسهنّ. فـ(أرزة)، وإنْ كانت لبنانية، فهي تعبّر عن نساء في أنحاء العالم يعانين ظروف الحرب والاضطرابات. وقد مسَّ الجميع على اختلاف ثقافتهم، فطلبوا عروضاً إضافية له. وأسعدني استقبال الجمهور المصري له خلال عرضه في (القاهرة السينمائي)».

كما عُرض «أرزة» في صالات السينما لدى لبنان قبل الحرب، وتلقّت بطلته رسائل من نساء لبنانيات يُخبرنها أنهن يشاهدنه ويبكين بعد كل ما يجري في وطنهنّ.

تتابع بتأثر: «الحياة توقّفت، والقصف في كل الأماكن. أن نعيش تحت التهديد والقصف المستمر، في فزع وخوف، فهذا صعب جداً. بقيتُ في لبنان، وارتبطتُ بتدريس المسرح في الجامعة والإشراف على مشروعات التخرّج لطلابه، كما أدرّس مادة إدارة الممثل لطلاب السينما. حين بدأ القصف، أصررتُ على البقاء مع عائلتي، لكن زوجي فضَّل المغادرة إلى مصر مع اشتداده».

وشاركت بو عبود العام الماضي في بطولة فيلم «حسن المصري» مع الفنان أحمد حاتم، وقد صُوّرت معظم المَشاهد في لبنان؛ وهو إنتاج مصري لبناني. كما تكشف عن ترقّبها عرض مسلسل «سراب» مع خالد النبوي ويسرا اللوزي، وبمشاركة زوجها هاني عادل، وإخراج أحمد خالد. وتلفت إلى أنه لم تجمعها مشاهد مشتركة مع زوجها بعد مسلسل «السهام المارقة»، وتتطلّع إلى التمثيل معه في أعمال مقبلة.