مصادر لـ {الشرق الأوسط} : البنوك السعودية تفرض قيودا على السعوديين المولودين في أميركا

كشف خبراء مصرفيون عرب عن أن المصارف العربية سواء تلك العاملة في العالم العرب أو التي لديها فروع في أميركا، ستكون عرضة لعقوبات خطيرة تتمثل في تجميد حساباتهم البنكية أو حرمانهم من المقاصة بالدولار الأميركي في الأسواق العالمية، ما يعني تعريضهم لخسائر فادحة، وذلك في حال قيامهم بالتحايل على نظام الامتثال الضريبي الأميركي الجديد «فاتكا».
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مطلعة، يوم أمس الخميس، أن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي في البلاد)، ألزمت البنوك المحلية بعدم فتح حسابات بنكية للعملاء الذين يتبيّن أن الولايات المتحدة الأميركية مسقطٌ لرؤوسهم، إلا في حال الوصول إلى ما يثبت عدم حملهم الجنسية الأميركية، أو إفصاحهم لمصلحة الضرائب الأميركية عن مستويات دخلهم إن كانوا يحملون الجنسية الأميركية.
من جهة أخرى كشفت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» في السياق ذاته، عن أن مؤسسة النقد العربي السعودي وجّهت البنوك المحلية بضرورة التأكد من حجم أصحاب الحسابات البنكية الذين يحملون الجنسية الأميركية من عملائها، وإلزام هؤلاء العملاء بتقديم شهادات مالية حول مستويات دخلهم إلى مصلحة الضرائب الأميركية.
وهنا أكد لـ«الشرق الأوسط» جورج كنعان، رئيس جمعية المصرفيين العرب في لندن، أن المصارف العربية، كغيرها من المصارف العالمية، ملزمة باحترام قوانين فاتكا بشكل كامل وصارم، مشيرا إلى أن الخطر في حالة عدم التزام المصارف العربية بهذا القانون هو فقدانها لحقوق إجراء المقاصة بالدولار الأميركي، وهذا تحد حقيقي لا يمكن للمصارف العربية المجازفة به، نظرا لمكانة العملة الأميركية الجوهرية في العالم العربي.
وبين كنعان أن هناك تداعيات كبيرة ستطال النظام المصرفي العربي بسبب قانون «فاتكا» والمستثمرين العرب، مشيرا إلى أنها تنقسم إلى شقين أساسيين، الأول يتمثل في عزوف رجال ونساء الأعمال العرب عن الاستثمار في الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع وتشديد العوائق الضريبية والقانونية.
وأضاف «هذا سيؤدي إلى انتقال السيولة الاستثمارية من أميركا إلى دول أخرى توفر شروطا أنسب كالصين وأوروبا مثلا».
أما الجانب الثاني من التداعيات المحتملة لقانون الامتثال الضريبي هو تجنب المصارف العربية التعامل مع الأميركيين، كفتح حسابات لهم مثلا، لثقل المتطلبات القانونية الملزمة على هذه المصارف من طرف الجهات الحكومية الأميركية.
وفيما يتعلق بمسألة التخلي عن الجنسية الأميركية بين رئيس جمعية المصرفيين العرب في بريطانيا أن هذا يعد قرارا شخصيا بحتا، حيث يختلف من شخص لآخر، لكن المؤكد أن كل من حصل على الجنسية الأميركية أو مستثمر أجنبي حامل للبطاقة الخضراء أو له علاقة وطيدة بساحة الأعمال الأميركية سيعيد النظر في مخططاته الاستثمارية.
وفي الإمارات كشفت مصادر مصرفية أن البنوك تسلمت تعليمات من المصرف المركزي حول اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتوافق مع القانون الأميركي الجديد الخاص بالالتزام الضريبي للحسابات الأجنبية «فاتكا»، وذلك للإفصاح عن حسابات المواطنين الأميركيين، الذي بدأ تطبيقه بداية شهر يوليو (تموز) الماضي، بعد تأجيل استمر لنحو السنة ونصف بسبب بعض التعقيدات المتعلقة بـ«السرية المصرفية» والتي تحول دون تبليغ المعلومات المصرفية للعميل.
وبحسب معلومات المصادر المصرفية فإن البنوك ستطلب من العملاء الجدد التوقيع على وثيقة تؤكد أن العميل ليس مواطنا أميركيا أو حاملا للإقامة الدائمة أو ما يعرف بالبطاقة الخضراء.
وقالت المصادر إن عددا من البنوك بدأت في مخاطبة عملائها بضرورة الكشف عن أي معلومات تتوافق مع قانون الالتزام الضريبي للحسابات الأجنبية «فاتكا»، مشيرة إلى أن البنوك قد تضطر إلى إيقاف التعامل مع العميل الذي يمتنع عن تقديم أي معلومات حول هذا القانون.
وكان سلطان بن ناصر السويدي محافظ المصرف المركزي الإماراتي ذكر في مارس (آذار) الماضي جاهزية البنوك والمؤسسات المالية لمتطلبات قانون الامتثال الضريبي الأميركي للحسابات الأجنبية «فاتكا»، وتطرق إلى نتائج مسح، أجرته شركة «باتن بوجز»، بالتعاون مع «ديلويت» لقياس جاهزية البنوك والمؤسسات المالية الأخرى لمتطلبات فاتكا، وذكر أنها كانت مشجعة جدا، وتعكس جهود البنوك والمؤسسات المالية الأخرى في دولة الإمارات.
ونظم مصرف الإمارات المركزي ورشة عمل حول قانون الامتثال الضريبي الأميركي للحسابات الأجنبية، دعيت لحضورها البنوك والمؤسسات المالية الأخرى في دولة الإمارات، بمقره الرئيس في أبوظبي، تحدث فيها السويدي عن متطلبات الالتزام بالقانون الأميركي والتعليمات التي أصدرها المصرف المركزي بهذا الخصوص.
وناقشت الورشة متطلبات فاتكا بشكل مفصل والنظام الإلكتروني المطور من قِبل المصرف المركزي لرفع تقارير فاتكا، وتضمنت جلسة للرد على استفسارات جميع المشاركين.
وبالعودة إلى السعودية فقد أفصحت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط»، أمس، عن أن البنوك السعودية بدأت وفقا لتعليمات مؤسسة النقد في البلاد، التدقيق على العملاء الذين يريدون فتح حسابات بنكية ممن كان مسقط رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، حيث أصبحت البنوك السعودية تشترط على هؤلاء العملاء إحضار ما يثبت أنهم لا يحملون الجنسية الأميركية، أو إلزامهم بتقديم شهادات رسمية حول أوضاعهم المالية لمصلحة الضرائب الأميركية إن كانوا يحملون الجنسية الأميركية.
وقالت المصادر ذاتها: «البنوك السعودية بدأت تسرع من خطواتها في الكشف عن حسابات العملاء الذين يحملون الجنسية الأميركية، وعمليات التدقيق هذه قد تصل إلى إبلاغ مصلحة الضرائب الأميركية حول المعلومات المتوافرة لدى البنوك السعودية، في حال امتناع العميل عن التعاون معها في هذا الملف».
وتعليقا على هذه التطورات، أكد فضل البوعينين، الخبير الاقتصادي والمالي، لـ«الشرق الأوسط»، يوم أمس، أن مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» أصبح على عاتقها اليوم مهام «توعوية» وأخرى «تثقيفية» لعملاء البنوك ممن يحملون الجنسية الأميركية، مضيفا «لا بد من الشفافية في هذا الملف؛ لأن مثل هذه المعلومات يجب أن تكون متوافرة للرأي العام بشكل أكبر».
وبالنسبة لمصر وعلى الرغم من مرور بعد من خمسين يوما على بدء سريان قانون الامتثال الضريبي الأميركي على الحسابات الأجنبية، والمعروف اختصارا باسم «فاتكا» FATCA، أكد عدد من المصرفيين وخبراء الاقتصاد المصريين لـ«الشرق الأوسط» صعوبة التطبيق الكامل للقانون في مصر، معللين ذلك بعدة أسباب أبرزها غياب قواعد البيانات التي تساعد في تطبيق القانون، إضافة إلى عدم وجود أي مصلحة مباشرة لأي طرف داخل مصر لتطبيق «جدي» للقانون الأميركي.
وحول تطبيق القانون في مصر، بحثت «الشرق الأوسط» في قطاع المصارف المصرية عن معلومات حول هذا الموضوع، وبسؤال مصرفيين في عدد كبير من البنوك، تباينت الإجابات بين البدء الفعلي في تطبيق القرار، إلى عدم العلم به من الأساس أو ورود أي تعليمات من البنك المركزي المصري بشأنه.
وأوضحت مصادر مصرية مسؤولة أن البنك المركزي المصري يتبع سياسة «المنهج الفردي عند التعاقد مع مصلحة الضرائب الأميركية»، أي إنه قرر ترك حرية القرار لكل بنك على حدة للتعامل مع القانون الأميركي حسب سياسات البنك الداخلية ووفقا لمصالحه. وأشارت المصادر إلى أن «أغلب البنوك التي قامت بالتسجيل مع مصلحة الضرائب الأميركية هي بنوك متعددة الاستثمارات، وبها قطاعات أجنبية، أما البنوك المصرية الحكومية فأغلبها لم يلتفت للقانون».
وبسؤال عدد من خبراء الاقتصاد حول أثر القانون الأميركي ومدى تطبيقه في مصر، أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك معوقات جمة تواجه أي تطبيق جدي للقانون. وأغلب البنوك التي أعلنت الموافقة على تطبيقه في مصر تعلم ذلك، لكنها أخذت الخطوة من باب التماشي الشكلي مع القطاعات المصرفية الدولية، خشية تعرضها مستقبلا لعقوبات.. والقانون في مصر فعليا لا يتجاوز حبرا على ورق».
وأشار الخبراء، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم نظرا لحساسية الموضوع، إلى أن أول تلك المعوقات هو غياب قواعد البيانات في مصر على وجه العموم، وتساءل أحدهم: «هل يعلم أحد في مصر كلها عدد الحائزين على جنسية مزدوجة، غير السفارة الأميركية في القاهرة؟».
وحاولت «الشرق الأوسط» معرفة أرقام مزدوجي الجنسية من مصادر أميركية في القاهرة، لكن تلك المصادر رفضت، بحجة أن تلك البيانات تخص «الأمن القومي الأميركي». وبتوجيه ذات السؤال عن عدد الأميركيين في مصر إلى عدد من الجهات الرسمية المصرية، كانت الإجابات دائما تقديرية.. لكنها تراوحت بين مئات من أميركيي الأصل المقيمين في مصر، وبضعة آلاف من حاملي الجنسية المزدوجة. ولا يمكن فعليا معرفة الرقم الحقيقي لمزدوجي الجنسية، لأن أغلب الحاصلين على جنسية أخرى لا يبلغون السلطات المصرية رسميا بحيازة جنسية أخرى، إلا في بعض الحالات القليلة أو عن طريق الصدفة.
ويعود الخبراء إلى الحديث عن نقطة ثانية تعوق التنفيذ، وقال أحدهم: «حتى لو قامت السلطات الأميركية بإبلاغ البنوك بقوائم أصحاب الجنسية المزدوجة في مصر فإن هناك مشكلة عسيرة خاصة باختلاف الأسماء بين العربية والإنجليزية»، ضاربا مثالا بالقوائم التي تصدرها الخزانة الأميركية أو الدول الغربية بعقوبات مالية فردية على أشخاص، والتي يكتب فيها اسم الشخص ذاته بأكثر من ربما عشر طرق مختلفة للتأكيد على اسمه نظرا لاختلاف طريقة الهجاء وكتابة الأسماء باللغات الأجنبية، وطريقة التعامل مع اسم الشخص والأوسط والعائلة، والتي تختلف كليا عن طريقة الاسم الرباعي المعتمدة في مصر. ويتابع الخبير: «معنى ذلك ببساطة أن الحكومة الأميركية سترسل إلى كل البنوك المصرية قوائم تصل إلى آلاف الصفحات؛ إذا قررت التعاون مع الجهات العربية».
وأضاف الخبراء أن قواعد البيانات في مصر على وجه العموم ليست جيدة بما يتيح تطبيق القانون الأميركي، فلا يمكن معرفة أن عميلا ما يحمل جنسية أخرى ما لم يفصح هو عن ذلك. وقد انتبهت المنظومة المصرفية في مصر إلى ضعف قواعد البيانات منذ فترة، بعيدا عن القانون الأميركي، وهو ما دفع البنوك المصرية لتفعيل نظام «اعرف عميلك»، من أجل تحديث قواعد البيانات والدخول إلى عالم البنوك الرقمية.
لكن خبيرا آخر، ودبلوماسيا مصريا أيضا، اتفقا في الرأي على أن كل تلك الأسباب موجودة فعليا، لكن السبب الأبرز من وجهة نظرهما لصعوبة تطبيق القانون الأميركي في مصر هو أن العلاقات المصرية الأميركية ليست على ما يرام حاليا.. وقال الدبلوماسي لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا تساعد القاهرة في تحقيق مصلحة للأميركيين وزيادة مداخيلهم، وهو ما من شأنه ربما الإضرار بمصريين (من حاملي الجنسية المزدوجة)؟ إذا أرادوا من مصر شيئا فعليهم هم الإفصاح بشفافية عن قواعد بياناتهم».
وأوضح المصرفي أن هناك تداعيات سلبية لتطبيق القانون الأميركي في مصر.. منها أنه في حال تطبيقه على المستثمرين الأميركيين، فسوف تتراجع جاذبية الاستثمار في السوق المصرية. مشيرا إلى أن «الولايات المتحدة يجب أن تقدم عائدا يسيل له اللعاب وفوائد بديلة إلى الدول التي تتعاون معها من أجل تنفيذ قانون يصب في مصلحتها وحدها».
وتأتي هذه التحركات، في وقت يواجه فيه عالم المال والأعمال حول العالم إرباكا منذ بداية العام لبدء تطبيق القانون الأميركي الخاص بالالتزام الضريبي الخاص للحسابات الأجنبية، أو ما يُعرف بقانون «فاتكا»، الذي أصبح ساريا ابتداء من يوليو (تموز) الماضي، وسيُطبق بشكل كلي بحلول مارس (آذار) 2015.
ويلزم القانون الأميركي المصارف بالتبليغ مباشرة عن المكلفين بالضرائب، كما يفرض لائحة عقوبات على أي مصرف لا يلتزم ببنوده تصل إلى حرمانه من اعتماده جهة مصرفية أو مالية أميركية، لتقوم بدور تمثيله أو المراسلة أو حتى فتح حساب مصرفي له لدى المصارف الأميركية، ومن ثم يصبح غير قادر على إجراء المقاصة بالدولار الأميركي.
وتأتي هذه المستجدات في الوقت الذي وقعت فيه الولايات المتحدة حتى الآن اتفاقيات مع 40 دولة لتسهيل العملية البيروقراطية المعقدة، ووضع مواعيد محددة لبدء التطبيق التدريجي للقرار الذي ينص على متابعة كل شخص يحمل الجنسية الأميركية لدفع الضرائب للولايات المتحدة، كما أن وزارة الخزانة الأميركية توصلت إلى تفاهمات مبدئية مع 61 دولة أخرى للالتزام بالقانون الأميركي الجديد.
يُذكر أن الولايات المتحدة هي واحدة من دولتين فقط تفرضان على المواطنين دفع الضرائب حتى إن كانوا يقيمون في دولة يدفعون لها الضرائب. وإريتريا هي الدولة الثانية. وبينما يعمل 7.3 مليون أميركي خارج الولايات المتحدة، أظهرت البيانات الحكومية الأميركية أن 565 ألفا منهم فقط يدفعون ضرائب للخزانة الأميركية، بينما غالبهم يدفع ضرائب في مكان عمله وإقامته، وهذه الإجراءات الجديدة تؤثر على 77 ألف مصرف حول العالم عليها تقديم بيانات متكاملة حول من يحمل الجنسية الأميركية، أو هناك شكوك بأنه يحمل الجنسية الأميركية.
وتصل الغرامات المتعلقة بعدم دفع الضرائب إلى مئات الآلاف، وحتى إذا لم يكن الأميركي متهربا من الضرائب، فعدم تسليم الوثائق المعينة بحد ذاته قد يعني دفع غرامة عشرة آلاف دولار، وبعد إعلان واشنطن عام 2010 سعيها لملاحقة الأميركيين حول العالم لدفع ضرائبهم للخزانة الأميركية، وبدء تطبيق قانون «فاتكا»؛ بات حاملو الجنسية المزدوجة أكثر المتأثرين بالقرار.
وقانون الامتثال الضريبي للحسابات الأجنبية أصبح ساري المفعول منذ مطلع يوليو الماضي، لكنه سيدخل نطاق التطبيق الكلي في نهاية الربع الأول من العام المقبل 2015.
وتقول وزارة الخزانة الأميركية إنها وقعت اتفاقات وتفاهمات مع نحو 100 دولة حول العالم لتطبيق القانون على أراضيها، وذلك سعيا لإنعاش الموارد الأميركية عبر الحصول على ضريبة من نحو سبعة ملايين شخص يحملون الجنسية الأميركية (سواء كجنسية أم، أو مزدوجة) خارج أراضيها، ما يعني عائدا يناهز عدة مليارات من الدولارات سنويا. وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى أثر عكسي، بتفكير كثير من مزدوجي الجنسية من المقيمين خارج الولايات المتحدة في التخلي عن الجنسية الأميركية، للتخلص من عبء الازدواج الضريبي.