ماي مترددة في طرح اتفاق «بريكست» للتصويت خوفاً من هزيمة برلمانية ثالثة

مظاهرة واسعة في لندن للمطالبة باستفتاء جديد حول الخروج

احتجاجات لندن تطالب بتصويت شعبي حول خطة الخروج (إ.ب.أ)
احتجاجات لندن تطالب بتصويت شعبي حول خطة الخروج (إ.ب.أ)
TT

ماي مترددة في طرح اتفاق «بريكست» للتصويت خوفاً من هزيمة برلمانية ثالثة

احتجاجات لندن تطالب بتصويت شعبي حول خطة الخروج (إ.ب.أ)
احتجاجات لندن تطالب بتصويت شعبي حول خطة الخروج (إ.ب.أ)

اتفاق خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي (بريكست) الذي توصلت إليه رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، مع الاتحاد قد لا يُطرح للتصويت في مجلس العموم للمرة الثالثة كما كانت تنوي فعله الحكومة وعبّرت عنه خلال الأيام الماضية. التمرد الحالي في داخل حزب المحافظين الحاكم الذي تتزعمه ماي، وتهديد العديد من الأعضاء بالتصويت ضد مشروع القرار، ربما أجبرا ماي على العدول عن طرحه أمام البرلمان للتصديق عليه، لاقتناعها، وهذا ما يردده معظم المراقبين، بأنها ستُهزم للمرة الثالثة. وكان قد جرى رفض خطة الخروج، التي توصلت إليها مع بروكسل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مرتين أمام البرلمان البريطاني. الهزيمة البرلمانية لماي اعتُبرت الأسوأ لأي حكومة في تاريخ الديمقراطية البريطانية. وكان من المنتظر طرح مشروع القرار للتصويت للمرة الثالثة خلال الأسبوع الجاري. وأكدت متحدثة باسم الحكومة البريطانية أمس، لوكالة الأنباء الألمانية، أن ماي بعثت برسالة مساء الجمعة إلى النواب في البرلمان تضمنت هذا المحتوى.
وصعّدت ماي ضغوطها على النواب في رسالتها، وقالت إنها ستطرح الاتفاق للتصويت فقط إذا ظهر دعم كاف له، وإلا فإن بريطانيا ستكون مضطرة إلى أن تناشد الاتحاد الأوروبي تمديد تأجيل الخروج، ما يعني مشاركة بريطانيا في انتخابات البرلمان الأوروبي، التي ستجري في 26 مايو (أيار) المقبل. وقالت ماي في رسالة نشرها صحافي من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) على «تويتر»: «إذا اتضح أنه لا يوجد دعم كافٍ لإعادة الاتفاق الأسبوع القادم أو رفضه البرلمان مرة أخرى، فيمكننا أن نطلب تمديداً جديداً قبل 12 أبريل (نيسان)، لكنّ ذلك سيتضمن إجراء انتخابات البرلمان الأوروبي». كان زعماء الاتحاد الأوروبي قد أمهلوا ماي أسبوعين إضافيين ينتهيان في 12 أبريل في محاولة لمنحها وقتاً لإقرار الاتفاق في البرلمان. لكنّ رئيسة الوزراء قالت في الرسالة لأعضاء البرلمان إن مثل هذا التأييد قد لا يكون متاحاً.
وكان الحزب الوحدوي الديمقراطي في آيرلندا الشمالية قد أعلن استمرار عدم دعمه للاتفاق، وتعتمد حكومة الأقلية بزعامة ماي على أصوات الحزب في دعم الحكومة منذ فقدان حزب المحافظين للأغلبية البرلمانية في انتخابات مبكرة جرت في 2017.
وحسب الاتفاق، فإنه في حال مرر البرلمان البريطاني اتفاق الخروج في الأسبوع الجاري، فإنه من المنتظر أن يتم الخروج في الثاني والعشرين من مايو المقبل، أما في حال لم تحدث موافقة البرلمان، فإن الاتحاد الأوروبي سينتظر من لندن تقديم مقترحات جديدة قبل الثاني عشر من أبريل المقبل.
وكان من المخطط له بالأساس أن تخرج بريطانيا من التكتل في التاسع والعشرين من الشهر الجاري، غير أنه لم يعد من الممكن الالتزام بهذا الموعد بسبب الانقسام الشامل للبرلمان البريطاني حول اتفاق الخروج. وأمس نظّم آلاف من المعارضين لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مسيرة في وسط العاصمة لندن للمطالبة بإجراء استفتاء جديد مع احتدام الأزمة بما يهدد بالإطاحة برئيسة الوزراء. وذكرت صحيفتا «التايمز» و«الديلي تلغراف» أن الضغوط تتزايد عليها للاستقالة.
وقال نواب بريطانيون إنهم يتوقعون سلسلة من عمليات التصويت الاسترشادية الأسبوع المقبل، بشأن بدائل لاتفاق الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. وقال غريج هاندس نائب البرلمان المحافظ ووزير سابق بحكومة ماي، لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، إنه «إذا لم يتمتع (الاتفاق) بدعم البرلمان، فحينئذ ستقوم الحكومة بتسهيل قدرة للبرلمان للتعبير عن أغلبية بشأن ما ستتم الموافقة عليه». وذكر جريمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض لهيئة الإذاعة، أن البرلمان يمكن أن يُجري عمليات تصويت استرشادية يوم الأربعاء المقبل «بطريقة واعدة حول المأزق». وبعد ثلاث سنوات من الجدل الشديد لا يزال الغموض يحيط بكيف ومتى سيتم الخروج من التكتل أو إن كان سيتم من الأصل مع محاولة ماي التوصل إلى سبيل للخروج من أصعب أزمة سياسية في البلاد منذ نحو 30 عاماً. وعبّرت حملة «صوت الشعب» التي نظّمت المسيرات، أمس، أن تنجح من خلال الضغط الشعبي بفرض إجراء تصويت ثانٍ بشأن «بريكست»، حسبما قال منظمون لوكالة الأنباء الألمانية.
وأعلنت شخصيات سياسية من توجهات متباينة ومشاهير، على غرار الممثلة كيرا نايتلي، المشاركة في هذه المسيرة. ومنذ صباح السبت، كان المشاركون الآتون من مختلف أنحاء بريطانيا، يوزّعون منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تحضيراتهم، تتضمن أعلاماً للاتحاد الأوروبي ولافتات تطالب بـ«إلغاء المادة 50» من معاهدة لشبونة الناظمة لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقال عمدة لندن صديق خان من حزب العمال المعارض، في تغريدة على «تويتر»: «نحن الآن على بُعد أيام من السقوط من حافة هاوية مع عواقب كارثية... لقد طفح الكيل».
وقال خان: «سوف أقوم بمسيرة، السبت، مع المواطنين من كل ركن من أركان بلادنا، للمطالبة بأن يكون للشعب البريطاني الكلمة النهائية بشأن (بريكست)». وقالت زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي نيكولا ستيرجن، إنها ستكون «فخورة لإلقاء كلمة» في المسيرة.
وترفض ماي مراراً وتكراراً دعوات بتنظيم استفتاء ثانٍ على الرغم من أن البرلمان حتى الآن يعجز عن الموافقة على اتفاق كي تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟