الأدباء... وأمهاتهم

لهن عبر الثقافات والأزمنة تأثير فاصل على حياتهم سلباً أو إيجاباً

شكسبير  -  جبران خليل جبران  -  فيليب لاركن  -  بودلير  -  صموئيل بيكيت
شكسبير - جبران خليل جبران - فيليب لاركن - بودلير - صموئيل بيكيت
TT

الأدباء... وأمهاتهم

شكسبير  -  جبران خليل جبران  -  فيليب لاركن  -  بودلير  -  صموئيل بيكيت
شكسبير - جبران خليل جبران - فيليب لاركن - بودلير - صموئيل بيكيت

سواء أكان حضورهن طاغياً، إيجاباً أم سلباً، أم غياباً أكثر طغياناً من الحضور، فلا شك أن لأمهات الأدباء دورا شاهقا في صياغة ذلك المسّ الجنّي، الذي يذهب بالبعض إلى أقاصي حدود الخلق الفاتن والإبداع، بينما يبقى آخرون مرتاحين لحياتهم الباردة قانعين بترك أنفسهم إلى تيار الحياة يأخذهم حيث أراد. وقد أصبح التشوق لفكّ شيفرة هذا التحليق موضع تنقيب كثير، وللحق فالمسألة ما زالت غامضة، إذ كما يبدو لا توجد وصفة مشتركة تفسّر جلّ الحالات «السحريّة» تلك.
عاش جون راسكين، الأديب المعروف، معظم حياته في علاقة خانقة مع أمّه مارغريت راسكين، التي كانت سيّدة شديدة التديّن قويّة الشكيمة وحاولت غاية جهدها فرض عقيدتها على ابنها مذ كان صبيّاً متأملة أن يسلك يوماً طريق الكهنوت ويكرّس حياته من أجل الكنيسة. نعرف الآن مقاومته لذلك، وأن أمّه أفسدت حياته كلها حتى كتب عمّا يتذكره من طفولته أنّه «لم يكن لديه شيء يحبّه»، وعندما قبل الدراسة بجامعة أكسفورد عام 1837 انتقلت للسّكن معه هناك متسببة في فشل كل علاقاته بنساء أخريات لينتهي مثلياً، إلا أن الدراسة المكثّفة للكتاب المقدّس التي أخضعته لها صغيراً تركت أثراً لا يمحى في ذهنه، فطبعت ما أبدعه لاحقاً طوال حياته بميسم توراتي خاص، وجعلت نصوصه وكأنها إملاءات نبي من أنبياء العهد القديم.
هذه العلاقة الملتبسة بين أم وولدها، وبغضّ النظر عن تفاصيلها التاريخيّة وأبعادها السيكولوجيّة، ربما تكون ممراً ينبغي لنا عبوره في كلّ مرّة قصدنا فيها أن نفهم سرّ العمليّة الإبداعيّة عند راسكين، الذي يبدو كأن حياته كلّها لم تكن سوى استجابة جدليّة الطابع لتلك العلاقة.
راسكين وأمه ليسا حالة فريدة بالطبع، فكثير من الأدباء والشعراء المعروفين الذين تحدّثوا عن تاريخ علاقاتهم بأمهاتهم المحوا إلى تأثيرات طاغية لتلك السيّدات – سلباً أو إيجاباً، تعلقاً أو كراهيّة – في تشكيل وعيهم وذائقتهم الأدبيّة، وربما كنّ - بشكل أو بآخر - سر قدرتهم على اجتراح معجزة نظم الكلم شعراً أو نثراً.
يقول المؤرخون الأدبيّون مثلاً بأن وجود السيّدة ماري أردين شكسبير بقلبِ حياة ابنها وليم ملموس وظاهر بما ترك من أعمال لم ولن تموت في المسرح العالميّ، وأنّ العمق المذهل الذي وصف به العلاقات الإنسانيّة وتقلبات القلوب كان مديناً به لعلاقته بأمه تحديداً قبل أي شخص آخر. كما أنّ سيرة حياة الروائي المعروف إيان مكواين وما تغلب عليها ثورته الدّائمة على اللهجة الشعبيّة والتي أخذها عن أمّه الفقيرة والمتواضعة اجتماعياً لدرجة أنّه كان يطلب من أصدقائه إيقافه كلما انزلق لسانه تجاه تلك اللهجة، ومع ذلك استعار كثيراً من طريقة أمّه لمنح بعض شخصيات رواياته الأشهر ألسنة بوصفهم من عامة الناس، ناهيك عن إظهار غالبيّة شخصياته النسائيّة في وجه الخير المطلق مقابل الشخصيات الذكوريّة التي تقصر دائماً عن ذلك. كذلك كانت علاقة الروائي إي.إم فورستر مع أمه (ليلي فورستر) عاصفة صداميّة وكتب «أنها خنقت موهبته ودمرت مهنته ومنعته من بناء علاقات صحيّة مع الآخرين»، وهو حرق كل رسائلها له ومذكراتها كي يخرجها من تاريخه بالكامل، ومع ذلك لم ينكر بعد موتها أنها وفرت له كل متطلبات الرّاحة للتركيز على إنتاجاته. وفي الحد الأقصى من التناقض تبدو سيرة الكاتب مارتن إيمس الذي دخل في علاقة ملتبسة مع زوجة أبيه الثانية الروائيّة إليزابيث جين - هاورد التي شغفت به حبّاً، وكان لها الفضل وحيدة بانتشاله من حياة التبطّل والتيه والتسكع في نوادي المراهنات مع زمر الفاشلين، وأعادته إلى دراسته، وكانت مصدر إلهامه وإبداعه وأستاذته الأدبيّة الأولى، ومن دونها لكان حتماً انتهى سكيراً أو مجرماً صغيراً كما غالبية رفاقه. وهناك عشرات الرسائل المنشورة لأدباء مشهورين كشارل بودلير، وغوستاف فلوبير وأندريه جيد، ومارسيل بروست، وويليام فولكنر، وإرنست همنغواي وجان كوكتو وكلّها تشير إلى ثقل تلك العلاقة بين الأم والابن المتراوحة بين الحبّ والتنازع وظلالها الطويلة على حياة ونتاج الابن الأدبيّ.
لا يمكن بالطبع وضع كل علاقات الأدباء بأمهاتهم في نسق أُحادي دوماً. فهناك من مصادر السّير الأدبيّة ما يشير إلى علاقات دعم إيجابي متبادل لا شكّ ساهمت في منح الأبناء منصات للانطلاق والتحليق. فالشاعر البريطاني فيليب لاركن، أحد أهم الشعراء البريطانيين في القرن العشرين، سُئل يوماً عمّا إذا كانت علاقته الوثيقة المديدة بأمه (إيفا لاركن) سبباً في إطلاق ذائقته الشعريّة، أجاب بقوله: «ربّما كنت لا أمانع فيما لو كان في تلك العلاقة شيء من الصّخب»، وذلك يشير بوضوح إلى نجاح أمه ببناء علاقة متوازنة وديّة مع ابنها طوال عقود كثيرة، ويؤكّد على تأثيرها المعروف عليه ببناء أسلوبه الشعري المميز. وقد نشرت مؤخراً مراسلاتهما الكثيفة في مجلّد ضخم، إذ كان لاركن الابن يكتب لأمه يومياً تقريباً ويقضي معها عدة ساعات بعد ظهيرة كل جمعة، وهو استمر في ذلك حتى بعدما لم يعد بمقدورها كتابة الرّدود إليه، ثم عندما عجزت عن القراءة بالكليّة بقي يرسل إليها صوراً من الطبيعة أو حتى للملكة إليزابيث والأميرات إلى أن وافاها الأجل. ومثل لاركن أيضاً، كانت علاقة الأديب أندرو موشن بأمّه المعطاءة والمتقدة التي اعتنت به عندما أقعده المرض صغيراً في البيت فصارا كما صديقين، وتحوّلت حادثة سقوطها عن الفرس وإصابتها بتلف دماغي وغيبوبة لعدة سنوات إلى ما يشبه مصهراً طبع أعماله اللّاحقة بغضب ظاهر على الحظّ السيئ وعشوائيّة الأقدار.
في مكان ما بين حدّي الملائكيّة والشيطنة، تأتي علاقة الكاتب الآيرلندي صمويل بيكيت بأمه (ماي بيكيت) الأشبه بصراع تحكم دائم بين شخصيتين قويتين لا سيّما بعد وفاة والده وتوليها هي المقتّرة والمتقشفة إدارة شؤون العائلة ماديا متسببة في محاولته الهروب إلى لندن بحجة رغبته بدراسة التحليل النفسي الذي كان غير معترف به في مسقط رأسه. لكن كاتبي سيرة بيكيت الابن يقولون إن تلك العلاقة العاصفة بين الأم وابنها تخللها مقطع غريب استمر طوال ثلاثة أسابيع عام 1935 عندما ذهبا معاً في رحلة بسيارة صغيرة مستأجرة متجولين بكل إنجلترا ومعالمها الساحرة وعاشا خلالها وفق رسالة كتبها بيكيت الابن لأحد أصدقائه «حالة انسجام تام». لكن تأثير تلك الرحلة الاستثنائية ما لبث وتلاشى سريعاً، ليعودا مجدداً لأجواء الصراع الدائم مما دفعه لمغادرة آيرلندا نهائياً عام 1937. وقد كتب لاحقاً كيف أنه أحسّ وهو يجمع كتبه ومتعلقاته الشخصيّة هاربا لآخر مرة من البيت ومن تسلطها بأنه «لم يكن سوى نتاج حبّ أمه الوحشي». ومع ذلك فهو وجد كثيرا من السلوى عندما اعتنت به بعد ثلاثة أشهر فقط من هجرته بينما كان وحيداً بمستشفى باريسي مصاباً بطعنة سكين.
عربياً يحجم الأدباء عامة عن ذكر تفاصيل علاقتهم بأمهاتهم ربما لأسباب الثقافة المجتمعيّة الشرقيّة المحافظة، كما أن الرسائل الشخصيّة المنشورة في ذلك السياق تكاد تكون معدومة، لكن شذرات من نصوص الشعراء العرب القدامى وحتى أسمائهم (ابن الزاهدة، ابن الزبيبة، ابن الزبعرى،...) تشي بحضور شاهق لبعض أمهات أولئك المبدعين على حياتهم وإبداعهم. وحديثاً نعلم مثلاً أن والدة جبران خليل جبران التي تولت إدارة شؤون العائلة بعد وفاة زوجها بينما كان جبران صغيراً، واتخذت قراراً بالهجرة بأولادها من الفقر والتعسف العثماني بلبنان إلى الولايات المتحدة، صنعت على مستوى ما كلّ تجربة جبران الإنسانيّة والإبداعيّة، كما أن كاتبة مهاجرة عربيّة (آسيا جبار) وضعت رواية تحكي معاناتها من الضغوط الشديدة التي فرضتها عليها أمها الشرقيّة الهوى للخضوع إلى الثقافة البطريركيّة التقليديّة.
ملائكة كنّ أو شيطانات، فإنه من الجلي أن للأمهات عبر الثقافات والأزمنة تأثيراً فاصلاً في تحويل بعض الأبناء إلى أدباء ومبدعين دون غيرهم، سواء أكان ذلك بفضل تشجيعهنّ ودعمهن أو حتى ربّما بسبب تسلطهن وتملكهن. ولعلنا إن علمنا بذلك، استدعينا الأم مع ابنها كلّما قرأنا واحداً من أسفار الأدب أو الشعر.



«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».