خلال اليوم المائة منذ بدء «اتفاق استوكهولم»، أفصحت مصادر يمنية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الحكومة «الشرعية» ستتخذ قراراً حول دعوة وجهت إلى موفديها بلجنة إعادة الانتشار في الحديدة، إذ يعكف رئيس اللجنة الجنرال مايكل لوليسغارد يوم الاثنين المقبل على عرض الخطة الجديدة التي استحدثها مارتن غريفيث المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، الذي تشير التحليلات إلى أنه يرغب في كسب أي نقطة ولو كانت صغيرة في «استوكهولم» لكي يدعو إلى جولة مشاورات مقبلة.
وسبق لخالد اليماني وزير الخارجية اليمني أن ذكر بأن الخطة التي سيتم عرضها هي خطة سبق أن رفضها الحوثيون، وعادوا ليقولون للأمم المتحدة إنهم قبلوا بها.
وكان المبعوث الأممي أعلن في بيان أنه «عقب نقاشات بناءة مع الطرفين، هناك تقدم ملموس نحو الاتفاق على تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار طبقاً لاتفاق الحُديدة. وسيتم عرض التفاصيل الفنية على الطرفين في لجنة تنسيق إعادة الانتشار للتصديق عليها»، مضيفاً: «وإذ يرحب المبعوث الخاص بهذا التقدم الذي أحرزه الطرفان، يتطلع إلى سرعة التصديق على تلك الخطة من قبل لجنة تنسيق إعادة الانتشار. وتأمل الأمم المتحدة أن يُمهد هذا التقدم الطريق نحو التوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن».
وريثما تخرج الخطة الجديدة للمرحلة الأولى من إعادة الانتشار في الحديدة، التي تشمل الموانئ الثلاثة؛ الصليف ورأس عيسى والحديدة، استمزجت «الشرق الأوسط» قراءات مسؤولين ومحللين يمنيين وخليجيين وأجانب، حول الاتفاق وما قبله وما بعده، وتداعيات الالتزام الحوثي، والخطوات التي يتخذها المبعوث الذي أكمل حولاً كاملاً منذ توليه مهمته.
- ما قبل السويد
في البداية كان اتفاق استوكهولم نجاحاً باهراً، تمثل في جمع طرفين يتحاربان ولم يتحدثا منذ ما يربو على العامين ونصف العام، وزرع المبعوث التفاؤل بين الجميع.
سرحان المنيخر القائم بأعمال رئيس بعثة مجلس التعاون الخليجي لدى اليمن يذهب في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى ما قبل السويد، ويؤكد أن الاجتماع «لم يكن ليحصل، لولا جهود كبيرة بذلها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وهو ما ذكره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وأعلنه أمام اجتماع سفراء المجتمع الدولي 19+ خلال المشاورات... وقال إن جهود الأمير محمد كان لها الأثر الأكبر في حضور الأطراف وإنجاح المشاورات، وهذا اعتراف دولي رفيع المستوى بدور السعودية الحريص على الحفاظ على أمن واستقرار اليمن ووحدة وسلامة أراضيه».
«دول مجلس التعاون دعمت اتفاق استوكهولم، حيث ترى أن إنهاء الأزمة اليمنية من خلال الحل السياسي المستند إلى المرجعيات الثلاث المتفق عليها دولياً، إذ يمثل مطلب اليمنيين أنفسهم الذين اجتمعوا في الحوار الوطني واتفقوا على مخرجاته وشكل الدولة الجديد، وجاء الحوثيون وانقلبوا على الحوار وعلى الدولة»، يضيف المنيخر: «حضرت دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية في استوكهولم لدعم كل فرص الحل السياسي المبني على المرجعيات الثلاث، وباركت دول المجلس كعضو أساسي لمجموعة سفراء الدول 19 + الراعية للعملية السياسية في اليمن، حيث أعلنت الأمم المتحدة من خلال أمينها العام أنها من يضمن تنفيذ هذا الاتفاق».
- عدوى التفاؤل
هل يا ترى شفي المراقبون من عدوى التفاؤل التي أصاب بها المبعوث من حوله ومن يتابعه خلال مشاورات السويد؟ أم أن الجماعة الحوثية أثبتت مجدداً التزامها «بعدم الالتزام»، وتماهت مع داعمتها إيران التي تواجه بدورها «تسونامي» عقوبات لم يكتفِ بتقليم أظافرها وحسب، بل يبدو أنه سيقطع بعضها أيضاً.
كان من اللافت قبيل انقضاء المائة يوم، حديث وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في مقابلة مع «العربية» بأن الحوثيين لا يتحركون إلا بإيعاز المرشد علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، وتأكيده أن الجماعة لن تنتصر عسكرياً في اليمن.
قبل مائة يوم من اليوم، مد خالد اليماني وزير الخارجية اليمني رئيس وفد الحكومة اليمنية (الشرعية) إلى مشاورات السويد، يده، إلى محمد عبد السلام رئيس الوفد الحوثي إلى المشاورات، وتفاءل الجميع بأن بداية النهاية اقتربت، وأن هذا الاتفاق سيمهد لاتفاق آخر خلال شهر على الأكثر.
وبعد مائة يوم. كأن شيئاً لم يحدث، باستثناء اجتماعات تلو الأخرى، وجنرال يذهب وآخر يعود، وتجمد ملف الأسرى والمعتقلين الذي كان على شفا النجاح، ولم تشهد تفاهمات تعز أي تحرك باستثناء لقاءات ثنائية بحكم القرب في عدن.
ولعل المسرحية الحوثية التي تمت في الميناء كانت دليلاً استخدمته غالبية مؤيدي الشرعية ومسؤوليها في الاستشهاد باستخفاف الجماعة بالمجتمع الدولي والاتفاقيات والحل السلمي بأكمله.
يقول حمزة الكمالي وهو وكيل وزارة الشباب اليمني لـ«الشرق الأوسط»: «الميليشيات الحوثية حتى هذه اللحظة غير مؤمنة بعملية السلام، لأنها تعتبر أن ما أخذته بالقوة وكسبته بالمعركة العسكرية لن تسلمه باللين والتسويات. هذه مشكلة حقيقية تكمن في عقلية الجماعة، ولكن إذا نظرنا إلى اتفاقية استوكهولم على وجه الخصوص، أتصور أن الحوثي تهرب فيها من الضغوطات الدولية للذهاب نحو التزامات غير مثبتة وغير قابلة للتنفيذ من قبل جماعته في الداخل».
هذه الالتزامات التي كتبها الحوثي واتفق عليها على الورق وبالقرارات لن ينفذها على الأرض، لسببين؛ الأول: لا يريد خسارة إيراداته المالية وهي الرافد الرئيسي للحرب لبقائه في المعركة. والسبب الثاني وهو الأهم، أن القرار لم يعد بيد الجناح الذي يناور سياسياً كمحمد عبد السلام وغيره، هناك من يملك القرار الحقيقي مثل محمد علي الحوثي وآخرين.
«إذا تحدثنا عن مائة يوم، أتصور لو أعطينا ألف يوم فإن الحوثي لن ينفذ شيئاً، فهو ما زال في المربع الأول يراوغ ويتلاعب ويذهب إلى أشياء غير منطقية للتعذر والالتفاف على الاتفاق، وأتصور أنه حتى تغيير لوليسغارد رسالة سلبية جداً، تتيح للجماعة أنهم من الممكن أن يمارسوا ضغوطات على المبعوث، بحيث يغير المبعوث من لا يتكيف مع مزاجهم الشخصي الذي لا يريد تنفيذ الاتفاق»، طبقاً للكمالي.
في 23 فبراير (شباط) الماضي، شدد المبعوث الأممي في مقابلة مع «العربية» على أنه على ثقة «في أن الطرفين يبديان الإرادة السياسية اللازمة لترجمة الاتفاقات إلى خطوات ملموسة على الأرض»، مشيراً إلى أن «هناك شواهد على زيادة النشاط المدني في الحديدة، مقارنة بالوضع قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار هناك».
لكن ذلك لم يترجم حتى على صعيد خطوة من أصل خطوتين للمرحلة الأولى المتعلقة بالموانئ.
يقول آدم بارون الباحث الأميركي في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»: «تستمر الاتفاقية في الصمود، بعد أن قيل إن الخطوات الملموسة نحو تحقيق مكوناتها الثلاثة التي لا تزال غير قابلة للجدل. وقد يسمح غموض صياغة الصفقة لكلا الطرفين بالتوصل إلى نوع من الاتفاق، لكنه في الوقت نفسه يسمح لهما أيضاً بتفسيرين مختلفين إلى حد ما لالتزاماتهما بموجب الصفقة».
يعود القائم بأعمال رئيس بعثة مجلس التعاون الخليجي لدى اليمن بالقول: «ما زلنا في انتظار ما يصدر عن الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص حول الاتفاقية، لدينا ثقة في الأمم المتحدة، ونتابع ما أعلن عنه غريفيث حديثاً، من وجود تقدم بين الأطراف حول المرحلة الأولى من اتفاق الحديدة (ميناءي الصليف ورأس عيسى)، ونحن ندعم الاتفاق ونحض الحوثيين على الالتزام والانخراط بحسن نية لتنفيذه»، متابعاً: «ندعم الشرعية اليمنية التي نراها ملتزمة وإيجابية في التعاطي مع الاتفاقية وخطواتها، ومع ذلك تقدم كثيراً من التنازلات لمصلحة الشعب اليمني، بعكس الجماعة الحوثية التي لم تقدم شيئاً، حتى وإن قدموا مستقبلاً، إذ إن التنازل لا يكون إلا من الطرف الشرعي بموجب القانون وهذا ما يفتقدونه».
- جولة ثانية
الدكتور أحمد عوض بن مبارك السفير اليمني لدى الولايات المتحدة رد على سؤال «الشرق الأوسط» حول نية غريفيث عقد جولة ثانية بالقول: «كانت هناك إشارات من المبعوث لما يمكن أن تكون حوله المشاورات المقبلة دون توجيه أي دعوة صريحة بذلت لتلمس ملامح الحل الشامل عبر لقاءات غير رسمية، لكننا لم نستمع صراحة لأي دعوة إلى جلسة مشاورات مقبلة. وفي المقابل فنحن واضحون في أن أي قفز على تنفيذ اتفاق استوكهولم أو هروب إلى نقاش الترتيبات السياسية قبل الاتفاق على الترتيبات الأمنية والعسكرية وقبلها إجراءات بناء الثقة حسب كل الاتفاقات منذ أن بدأت المشاورات في جنيف، سيعد مدخلاً غير سليم ولن يقود للوصول إلى الحل، وفقاً للمرجعيات المتفق عليها». يضيف السفير: «نعتقد أن إعادة التفكير في المدخل والأسلوب الذي اعتاد عليه كل المبعوثين الدوليين لليمن مسألة مهمة، وأننا في مرحلة يجب فيها الحديث صراحة على المعرقلين للاتفاق، فقد تولى 3 مبعوثين الملف لحد الآن، والحكومة دائماً إيجابية في التعاطي مع الحلول، موقفنا كحكومة كان دائماً التجاوب مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة، لكن الطرف الآخر هو الذي لم يلتزم بأي تعهدات، الحوثيون هم المعطل وبسببهم الأزمة التي بدأوها هم أنفسهم مستمرة».
يعود الكمالي هنا ليقول: «إذا قرأنا مارتن، فإنه يريد التهرب من استحقاق استوكهولم ويريد الذهاب إلى جولة مقبلة من دون تنفيذ حقيقي للاتفاقية، إذا استمر موقف الحكومة اليمنية الرافض لذلك، فأرى أن هذا هو الصواب، أما إذا تنازلت الحكومة تحت أي ظرف بالذهاب إلى جولة أخرى فسيكون ذلك خطأ قاتلاً لديمومة شرعية الدولة اليمنية ولبقائها في مواجهة الحوثي بصورة رسمية وكاملة وعدم رضوخها بتلاعب مارتن نحو أهدافه الشخصية بتحقيق نجاح على حساب الملف اليمني».
مقابل ذلك، قال مصدر في الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر ليس تجاوز أو عدم تجاوز استوكهولم. الاتفاق نفسه كان ينص على موعد لعقد جولة المشاورات المقبلة... لكن كل الأطراف متفقون على أن تركيزنا في الوقت الحالي منصب على إحراز تقدم ملموس في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في استوكهولم... خصوصاً إعادة الانتشار في الحديدة».