البشير يعين مطلوباً لـ {الجنائية الدولية} مساعداً له

تجدد الاحتجاجات في السودان وتشديد عقوبات «الطوارئ» على المتظاهرين

أحمد هارون (رويترز)
أحمد هارون (رويترز)
TT

البشير يعين مطلوباً لـ {الجنائية الدولية} مساعداً له

أحمد هارون (رويترز)
أحمد هارون (رويترز)

أصدر الرئيس السوداني عمر البشير مرسوماً جمهورياً عيّن بموجبه المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية رئيس الحزب الحاكم المكلف أحمد هارون، مساعداً له، ليصبح اثنان من أعضاء هيئة الرئاسة السودانية من المطلوبين لمحكمة لاهاي، على رأسهما الرئيس البشير. كما تفرض واشنطن عقوبات على النائب الأول للرئيس، وزير الدفاع عوض بن عوف، تتضمن تجميد أصوله، وتحظر التعامل معه.
من جهتها، أعادت مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان، تدوين اسمها مجدداً، ضمن المدن المتظاهرة ضد حكومة الرئيس البشير، بعد توقف لأسابيع عن الاحتجاجات الكبيرة، وأخرجت، أمس، أعداداً حاشدة من سكّانها، في مظاهرة نوعية جابت شوارع المدينة، بينما خرج الآلاف في مظاهرات بعدد من أحياء العاصمة الخرطوم ومدن ود مدني وسنار، استجابة لدعوة تجمع المهنيين السودانيين للمظاهرة الأسبوعية.
وبحسب شهود، فإن المئات من سكان المدينة الواقعة غرب وسط البلاد، خرجوا في مظاهرة جابت وسطها، وعدداً من شوارعها، قبل أن تستخدم قوات الشرطة الغاز المسيِّل للدموع لتفريق المحتجين، واعتقال أعداد منهم.
وكان حزب الأمة القومي المعارض، قد ذكر، في وقت باكر من صباح أمس، أن قوات الأمن ألقت القبض على عدد من قياداته، استباقاً للاحتجاجات التي دعا لها التحالف المعارض في المدينة. وقال في بيان إن سلطات الأمن اعتقلت رئيس الحزب بالولاية (منصور ميرغني زاكي الدين)، وعدداً آخر من قيادات مكتبه السياسي.
وفي الخرطوم، شهدت عدد من المناطق مظاهرات حاشدة حملت اسم «مواكب العدالة»، في أكثر من 17 منطقة وحيّاً، ومن بينها أبو روف، وبيت المال، والملازمين، وود نوباوي بأم درمان، ومناطق العشرة، وجبرة، والكلاكلة، والسلمة، والصحافات، وشارع الستين، والبراري بالخرطوم، ومناطق حلفاية الملوك، وشمبات، والحاج يوسف، والدروشاب بمدينة الخرطوم بحري.
وقدّر شهود مجموع المتظاهرين في الخرطوم بالآلاف، رددوا هتافات المظاهرات السودانية المستمرة منذ أربعة أشهر: «رص العساكر رص الليلة تسقط بس»، و«حرية سلام وعدالة» و«الثورة خيار الشعب»، و«سلمية سلمية ضد الحرامية» وغيرها.
وأوضح الشهود أن مواكب أحياء أبو روف، وبيت المال، والملازمين، وود نوباوي بأم درمان التحمت في موكب واحد استمرّ لفترة طويلة، قبل أن تفرقه الشرطة بالغاز المسيل للدموع، وتتحول تلك الأحياء لساحة كرّ وفرّ يُتوقع أن تتجدد فيها المظاهرات ليلاً.
وفي تنويع جديد لأشكال المقاومة، أطلق سكان ضاحية بري، شرق الخرطوم، بالونات ملوَّنة، تحمل صورَ وأسماء شهداء ومعتقلي الاحتجاجات السودانية، على الرغم من أن أجهزة الأمن كانت قد سيطرت على الميادين والشوارع في الحي، الذي يُعدّ إحدى علامات المظاهرات، قبل بدء تجمع المحتجين.
لكن شهوداً ذكروا أن سكان بري كوَّنوا خبرات متراكمة في التعامل مع الأجهزة الأمنية، إذ سرعان ما نظموا «مظاهرتهم المعهودة»، وأعادوا سد الطرقات بالمتاريس بعد أن أزالتها أجهزة الأمن، محافظين على منطقتهم «قلعة حصينة للمتظاهرين».
من جهته، أصدر الرئيس السوداني مرسوماً جمهورياً عيّن بموجبه رئيس الحزب الحاكم بالإنابة، أحمد هارون، مساعداً له في الرئاسة، وذلك «بعد أن تخلى له سلطاته في قيادة حزب المؤتمر الوطني»، الذي يحكم البلاد منذ انقلاب يونيو (حزيران) 1989، إثر اندلاع الاحتجاجات المطالبة بتنحيه، وأعلن وقوفه بمكان واحد من الجميع.
وكانت محكمة الجنايات الدولية قد أصدرت مذكرة قبض بحق هارون وآخرين في عام 2007، اتهمته خلالها بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في إقليم دارفور، وبذلك يكون كل من الرئيس البشير ومساعده في الرئاسة السودانية مطلوبين لتلك المحكمة، وكان البشير أشار، في وقت سابق، إلى أن هارون «زميله في المحكمة الجنائية الدولية» بسبب مواقفه المساندة له، فيما تضع واشنطن نائبه الأول ووزير دفاعه عوض بن عوف ضمن قائمة الأشخاص المجمدة أصولهم في الولايات المتحدة، المحظور على الأميركيين التعامل معهم.
كما أصدرت الرئاسة السودانية أمر طوارئ جديداً، شددت بموجبه العقوبات المفروضة بموجب لوائح الطوارئ؛ فبعد أن كانت تنصّ على السجن لـ«مدة لا تزيد عن عشرة سنوات والغرامة»، نصت التعديلات الجديدة على «السجن مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد عن عشر سنوات والغرامة».
وأصدرت محاكم الطوارئ عدداً من الأحكام التي تُعد مخففة على مئات المتظاهرين تراوحت بين أشهر وأسابيع، معظمها تم نقضها في محاكم الاستئناف، أو اكتفت المحاكم بالمدد التي قضاها المتظاهرون في الحبس.
وفي السياق، أصدر البشير أمر طوارئ حظر بموجبه «تخزين العملة الوطنية» خارج النظام المصرفي والمضاربة فيها، واعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن مدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على عشر سنوات، والغرامة، ومصادرة الأموال ووسيلة التخزين.
وحظر أمر الطوارئ الذي أصدره البشير، أمس، حيازة أي شخص (أو تخزين) عملة وطنية تتجاوز مليون جنيه (21 ألف دولار تقريباً)، ومنع الشخصيات الاعتبارية تخزين أو حيازة أي عملات وطنية لا تتناسب وحجم نشاطها، على ألا تتجاوز 5 ملايين جنيه، أو حيازة أي عملة مملوكة للغير بمقابل أو بغرض التحايل على القيمة المحظور تخزينها أو حيازتها.
كما منع أمر الطوارئ، الذي يحمل الرقم «6»، مقدمي الخدمات من رفض تسلم المقابل عبر وسائل الدفع الآلية والشيكات المصرفية والمعتمدة، وإجراء أية معاملة لتحويل عملات وطنية أو أجنبية خارج القنوات المصدق لها.
وتأتي هذه القرارات على خلفية «أزمة السيولة» الحادة التي تواجهها البلاد، وعجز المصارف عن تلبية طلبات عملائها من العملات، ما أدى لـ«هز الثقة» في الجهاز المصرفي، وميل المواطنين ورجال الأعمال والمستثمرين لتخزين مدخراتهم من العملات الوطنية ورفض توريدها للمصارف.
ويُخشى على نطاق واسع أن تخرج العملات الجديدة من الفئات الكبيرة، من الجهاز المصرفي، وألاّ تعود إليه مجدداً، لا سيما أن البنك المركزي قد طبع عملات جديدة من فئة «مائة»، و«مائتين»، و«خمسمائة» جنيه، بعد أن كانت أكبر فئات العملة السودانية «50» جنيهاً.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.