مصير الحاجة جمعة يخيف مئات اليمنيين في التحيتا

ناشط يتهم الميليشيات بتهجير 420 أسرة من المديرية

TT

مصير الحاجة جمعة يخيف مئات اليمنيين في التحيتا

لم يشفع مرض السرطان لجمعة التهامي المسنة اليمنية التي كانت تسكن قرية المسلب في مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة وهي تتوسل الحوثيين عدم تهجيرها من «عشتها» الممتلئة أرضها بخصلات شعر بيضاء تساقطت من رأسها المشيب جراء الجرعات الكيماوية الشهرية التي تستخدمها لعلاج السرطان منذ أشهر.
جمعة التهامي، أو الحاجة جمعة كما كان يناديها من حولها في العقد الرابع من العمر مصابة بالسرطان وأم لستة أبناء هجرتها الميليشيات الحوثية من منزلها بقرية المسلب بالتحيتا، وفارقت الحياة نازحة بسب قصف الميليشيات الحوثية قريتها بمختلف الأسلحة.
جمعة ضحية واحدة من آلاف الضحايا المدنيين في الحديدة لإجرام ميليشيات لا تعرف سوى لغة القتل والاختطاف والتدمير، وأمثال جمعة آلاف مهددون بالموت جوعا أو قصفا أو عبر ألغام الحوثيين المزروعة عشوائيا بكل مكان.
خلال أقل من 3 أشهر في التحيتا، تم تسجيل 13 مدنيا سقطوا قتلى بسب الألغام الحوثية بينهم 6 أطفال وامرأتان، إحداهما حامل في الشهر التاسع وأصيب 5 آخرون، بينهم طفلان بحسب تقرير مؤسسة رصد للحقوق والحريات.
تقرير مؤسسة «رصد» الحقوقية المعنون بـ«حقول الموت» الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخه منه يشير إلى أن هناك ما يقارب 38 ألف مدني يقطنون 21 تجمعا سكنيا في التحيتا معرضين للخطر بشكل مباشر جراء ألغام الموت الحوثية.
التقرير ذاته لمؤسسة رصد يفيد بأن عدد 620 أسرة بمناطق الفازة، والمدمن، والسويق يعملون في الزراعة قدرت خسارتهم خلال موسم التمور الأخير بمبلغ نصف مليار ريال يمني (الدولار يقدر بنحو 560 ريالا يمنيا) يعيلون من زراعتهم تلك ما يقارب 3700 نسمة.
فؤاد المقرعي ناشط حقوقي وراصد ميداني لتوثيق الانتهاكات اتهم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» الميليشيات الحوثية بتهجير «ما يقارب 420 أسرة في مديرية التحيتا، وهناك ما يقارب 3 آلاف شخص نزحوا من المدينة جراء قصف الحوثيين لمناطقهم بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة والمتوسطة وهجروا قسريا وتم تحويل منازلهم إلى ثكنات عسكرية بما فيها منزل الحاجة جمعة ذاته».
ولفت المقرعي إلى أنه تم رصد أكثر من 80 طفلا تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 14 عاما قامت الميليشيات بتجنيدهم من «المسلب» و«البلاكمة» التابعتين لمديرية التحيتا، مشيراً إلى خطف الميليشيات الأطفال من مدارسهم بقوة السلاح وتزج بهم في الجبهات دون أي اعتبار لبراءتهم.
وتشير تقارير حقوقية إلى صعوبة وصول المعونات لمركز مدينة التحيتا، إذ تعد سيارات الدفع الرباعي هي الوحيدة القادرة على الوصول، جراء تلغيم الميليشيات الحوثية للطرقات الممتدة من الخوخة حتى التحيتا، التي تبلغ طولها 65 كيلومترا، إضافة إلى الكثبان الرملية ووعورة الطريق، مما يحول دون وصول قاطرات الإغاثة لإنقاذ سكان المدينة من المجاعة وانتشار الأمراض جراء حصار الحوثيين المدنية.
وعن عسكرة الأحياء المدنية يقول الناشط الحقوقي نصر العيسائي، إن الحوثية اتخذت من المدنيين والأحياء المدنية دروعا بشرية في كل مواجهاتها في مدينة الحديدة، وأصبحت كل أحياء المدينة ومبانيها المدنية والاقتصادية ثكنات عسكرية وحتى شوارعها وطرقها أصبحت أنفاقا ومتاريس للمقاتلين الحوثيين.
وتعد مديرية التحيتا المنطقة الأكثر تضررا من الحرب في الحديدة حيث تعيش أكثر من 4500 أسرة محاصرة من مركز المديرية، حيث تبلغ مساحة المديرية 100 كيلومتر، وتحت مسار حصار قصف الميليشيات.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.