مهرجان كان يدرس اختياراته للدورة المقبلة

لا يبدو أن زيارة المدير التنفيذي لمهرجان «كان»، تييري فريمو، لعاصمة السينما هوليوود، التي تمّت قبل أسبوعين، نتج عنها اتفاق ما بينه وبين مؤسسة نتفلكس. هو لا يستطيع عرض أفلام من إنتاجاتها لأنه سيتجاوز المتاح له من قواعد عمل وشروط تنص عليها جمعية الموزعين الفرنسية التي ترفض دخول نتفلكس أو أمازون على خط العروض الرسمية طالما أن أفلامها لا توزع تجارياً في فرنسا. ونتفلكس (أساساً) لا يمكن لها أن تخترق خياراتها كشركة تبث الأفلام مباشرة إلى المنازل وتقدم تنازلات في هذا الشأن.
يساعد في تمسكها بموقفها أن مهرجانات دولية أخرى، مثل تورونتو وفينيسيا وبرلين، لم تضع أي شروط ضد عرض أفلام هذه الشركة في مسابقاتها أو في عروضها الأساسية. وهذا، في عرف كثيرين، ما ترك الخيط غير مربوط حيال هذا الموضوع. لا فريمو تراجع ولا نتفلكس أيضاً.

فرنسيون وإسبان

إلى ذلك، وجد فريمو الوقت الكافي لمعاينة أفلام يجري إعدادها للاشتراك في الدورة المقبلة (تحمل الرقم 72). ليست أفلاما أميركية فقط بل أفلام آتية من فنانين ومنتجين عالميين أيضاً. فمهرجان «كان» يستمر بأفلام نتفلكس وبدونها وهذا يعني أن على المدير التنفيذي العمل بكد وجهد لتأمين أفضل ما هو متاح حالياً خصوصا أن مهرجان فينيسيا يرصد حركاته وبات أكثر قدرة على الفوز بأفلام كم يتمنى «كان» الفوز بها.
في الأساس هناك المخرجون مداومو الحضور للمهرجان الفرنسي. الزبائن الدائمون كما بات يُطلق عليهم. وفي المقدّمة هذا العام هناك الأخوان جان - بيير ولوك داردين اللذان انتهيا من فيلم جديد بعنوان «أحمد». من عنوانه يبدو أنه يدور حول مهاجر عربي (أو مسلم) ومتاعبه في بلد المهجر (بلجيكا في هذه الحالة تبعاً لهوية المخرجين).
المخرجان يتمتعان بعلاقة وطيدة مع المهرجان الفرنسي، فمنذ سنة 1999 وهما يشتركان في المهرجان وأحياناً يفوزان بذهبيته (كما حدث عندما خرجا بالسعفة عن فيلمهما «روزيتا»). لذلك لا يهم إذا ما كانا يعودان إلى الشاشة الفرنسية ذاتها بقدر ما يهم أنهما يتمتعان بالقدرة على إثراء التجربة «الكانية» إلى حد بعيد.
الأمر ذاته مع المخرج الإسباني بدرو المادوڤار. هو أيضاً زبون دائم وأفلامه تلقى إقبالاً واهتماماً كبيراً من النقاد والإعلام الفرنسي ولو أنه غير محظوظ بالنسبة للجوائز (لم يفز بالسعفة حتى الآن). هذا العام لديه فيلم جديد بعنوان «ألم ومجد». إنه دراما نفسية تجمعه مع الممثلة بينيلوبي كروز (لسادس مرة) ومع أنطونيو بانديراس (لثامن مرة). والموضوع يحتوي على نقد ذاتي إذ يدور حول مخرج سينمائي يراجع حياته وأعماله وما لم يستطع تحقيقه من نجاح شخصي أو مهني.
من إسبانيا أيضاً لدينا فيلم من المخرج أليخاندرو أمنبار. عنوانه «حتى نهاية الحرب» ويتعامل مع وقائع الحرب الأهلية الإسبانية من خلال متابعة شخصية جنرال بدأ مؤيداً مع فرانكو ثم انحاز إلى الصف المناوئ.
يتردد أيضاً أن المخرج السويدي روي أندرسون سيعود إلى «كان» بعدما ابتعد عنه قبل أربعة أعوام عندما حقق «حمامة جلست على غصن تتأمل في الوجود». ذلك الفيلم خطفه مهرجان فينيسيا سنة 2014 ومنحه جائزته الأولى. فيلمه الجديد يحتوي على اللغة البصرية ذاتها التي جعلت من ذلك الفيلم مدعاة إعجاب هواة السينما الفنية. عنوانه «حول اللانهاية» وموضوعه يمر عبر مراحل تاريخية تبدأ، كما يفصح موقع السينما السويدية، من الحقبة الهتلرية.

ترنس مالك الغامض

أحد الزبائن الدائمين أيضاً الفرنسي برتران بونيللو. كان قصد المهرجان بثلاثة أفلام أولها «ترييسا» (2003) وثانيها «منزل التحمّل» (2011) وثالثها «القديس لوران» (2014). حالياً لديه فيلم قام بإرساله إلى لجنة المشاهدة عنوانه «الطفلة الزومبي». يدور حول فتاة صغيرة حولتها عمّـتها إلى زومبي عبر سحر تمارسه. والفتاة تكبر وتصبح امرأة وهي لا تزال زومبي وتعيش حالياً في باريس.
ليس هناك من كلمة تذكر حول ما إذا كان المهرجان الفرنسي مستعدا لفيلم من هذا النوع، لكنه إذا لم يستقبله فإن اختيار بونيللو الثاني سيكون فينيسيا في هذه الحالة.
فرنسي آخر وطأ المهرجان أكثر من مرّة (ست سنوات) هو أرنو دسبليشن الذي انتهى من تصوير فيلم عنوانه «أيتها الرحمة» مع الممثل الجزائري الأصل رشدي زم. كذلك قد يعود المخرج الكندي (من كيوبك) إكزافييه دولان الذي سبق له أن قصد المهرجان ذاته عدة مرات بدءاً بفيلمه الأول «مومي» بفيلمه الجديد «ماتياس وماكسيم». لكن مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» الأميركية تظن أن المخرج قد يفضل أن يأتي العرض العالمي الأول للفيلم في مهرجان تورونتو.
نبقى في كندا حيث ينجز المخرج أتوم إيغويان فيلمه الجديد «ضيف شرف». علاقة إيغويان بمهرجان «كان» شهدت، خلال السنوات الأخيرة، انقطاعاً غير مستحب لكن صحيفة «ذا غلوب أند مايل» الصادرة في تورونتو تقول بأن إيغويان يريد بدء علاقة جديدة مع المهرجان بهذا الفيلم ولا تستبعد أن يكون الفيلم أحد الأعمال التي سيصر المهرجان الفرنسي على استيعابها.
آخر المنضمين إلى هذا الفريق من المخرجين هو البريطاني كن لوتش. هذا أيضاً بعث بغالبية أفلامه في السنوات العشرين الأخيرة إلى المهرجان الفرنسي ولديه هذه السنة دراما اجتماعية جديدة بعنوان «آسف لقد افتقدناك». كان لوتش نال ذهبية كان في العام الماضي عبر «أنا، دانيال بليك» والبعض صفق له كثيراً على هذا الفوز المستحق، ولو أن قسماً كبيراً لم يجد أن الفيلم أكثر أهلية من سواه.
المفاجأة الكبيرة إذا ما حدثت ستكون احتمال أن يعرض ترنس مالك فيلمه الجديد «ردغند» في مهرجان «كان». يُقال بأن مالك انتهى من تحقيق هذا الفيلم في مطلع هذه السنة وأقفل عليه خزنته حتى يقرر بنفسه أي مهرجان سيشترك به. لكن من يعرف المخرج الأميركي الذي يعمل ببطء وأناة يعلم أن مالك قد يوعز بأنه أنهى التصوير قبل أن يعود إلى إضافة مشاهد أو تغيير أخرى. ولا ننسى أن مهرجان «كان» رغب في هذا الفيلم في ربيع العام الماضي عندما اعتقد أن مالك على وشك الانتهاء منه. لكن مالك استكمل التصوير والمونتاج ومونتاج الصوت على راحته وربما - فقط ربما - بات جاهزاً للعودة به إلى «كان».
طبعاً هناك آخرون كثيرون أنهوا تصوير أفلامهم الجديدة ويطرقون باب «كان» لدخول محرابه. لكن هناك القلة التي يكفي اشتراك فيلمها في أي مهرجان لرفع قيمة المهرجان أضعاف ما هو عليه. ترنس مالك هو أحدهم. ومارتن سكورسيزي أيضاً. فيلمه الجديد «الآيرلندي» من النوع الذي تتلألأ فيه النجوم. يكفي أنه يجمع بين روبرت دي نيرو وآل باتشينو. لكن حقيقة أنه ينتمي إلى إنتاجات نتفلكس يضع الفيلم أمام احتمالات أخرى.