جريمة نيوزيلندا... خطر «الأبيض» الخائف من «الآخر»

زهور خارج مسجد النور في كرايستشيرش (أ. ب)
زهور خارج مسجد النور في كرايستشيرش (أ. ب)
TT

جريمة نيوزيلندا... خطر «الأبيض» الخائف من «الآخر»

زهور خارج مسجد النور في كرايستشيرش (أ. ب)
زهور خارج مسجد النور في كرايستشيرش (أ. ب)

يوم الجمعة الماضي في 15 مارس (آذار)، ذُهل العالم من أقصاه إلى أقصاه بجريمة جماعية راح ضحيتها خمسون مصلياً بريئاً في مسجدين في مدينة كرايستشيرش الوادعة، في نيوزيلندا الهادئة إلى درجة أن العالم يكاد ينسى وجودها. وغداً، تقام صلاة على أرواح الضحايا في موازاة دعوة رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن إلى التزام دقيقتي صمت في عموم أنحاء البلاد التي ستُبث فيها الصلاة مباشرةً على شاشات التلفزيون.
ما بين الصلاة المضرّجة بالدماء يوم الجمعة الماضي وصلاة غد الجمعة، تُطرح أسئلة كثيرة عمّا حدث وعن تداعياته، وعن مستقبل العلاقات بين البشر الذين لا مفرّ أمامهم من العيش معاً في عالم فقد الكثير من معايير المنطق وأسس السلام.
في خطوة جديدة لتطويق ذيول المذبحة المروّعة، أعلنت أرديرن أن نيوزيلندا ستحظر اقتناء البنادق نصف الآلية والهجومية مثل التي يستخدمها الجيش وان قانونا سيصدر بهذا الخصوص. وهو بالطبع تدبير وقائي لا يعالج أساس المشكلة. فالسؤال العميق يتناول الدافع الذي حدا بأسترالي "أبيض" إلى امتشاق السلاح وارتكاب جريمة بهذه الفظاعة بدم بارد، مصوراً إطلاق النار على أشخاص لا يعرفهم كأنه يمارس واحدة من ألعاب الفيديو، لمجرّد أنهم ينتمون إلى "الآخر" الذي يعتبره عدواً، وخوفاً منه على أوروبا "البيضاء" من الهجرة التي تشهدها.
والمخيف في الأمر، أنه فور حصول المذبحة راحت السلطات الأميركية تبحث في سجلات الإجرام والمجرمين عن صلات محتملة للقاتل برينتون هاريسون تارانت بمتطرفين في الولايات المتحدة قد يقدمون على ارتكاب جرائم مماثلة. وفي بريطانيا، لم تتأخر الجهات الأمنية عن التحذير من تصاعد خطر اليمين المتطرف، خصوصاً المرتبطين بجماعات "النازيين الجدد".
لا مبالغة في القول إن أصداء هذه العنصرية البيضاء المتعاظمة حيال المسلمين تتردد في دول غربية عدة، وما حدث الصيف الماضي على أثر جريمة كيمنتس في ألمانيا خير دليل على جسامة المشكلة وتنامي الشعور بالكراهية. واليوم نقرأ عن الاعتداء على خمسة مساجد في بريطانيا، وتحديداً في مدينة برمنغهام، ثانية مدن البلاد.
لا شك في أن هناك رابطاً خطيراً بين القاتل الأسترالي وأولئك الذين يعتنقون أيدولوجيات مماثلة، ولا ننسى أنه ترك بياناً من 74 صفحة يثبت أن الأفكار القومية البيضاء أثرت فيه، وهو بدوره يحّرض في ما كتبه آخرين على أن يرتكبوا أفعالاً مماثلة لما فعله. ويسوق لذلك كلاماً مثل "ردّ الغزاة عن أرضنا"، كأنه يعود إلى تاريخ يسبق تَشَكّل الدول التي تطوّرت مع الزمن ليصبح الكثير منها مجتمعات تعدّدية تغتني بتنوّعها بدل أن تتقوقع على ذاتها.
تحذّر المؤرخة الأميركية كاثرين بيلو من جامعة شيكاغو من انتشار أفكار "التفوّق العرقي الأبيض"، سواء في أميركا الشمالية أو أوروبا الغربية أو أوقيانيا. وتقول إن هناك ترويجاً لأفكار عبر أحزاب ومنظمات وأفراد مؤدّاها أنه يجب استنهاض "الإنسان الأبيض" ليحافظ على وجوده، ليس بوجه جهة واحدة فحسب، بل بوجه كل الآخرين الذين يهدّدون السيطرة التي كانت للبيض على العالم بكل ثرواته. وتلفت إلى أن هؤلاء لا يؤمنون بالاندماج العرقي ويرون في الاختلاط سبباً للاحتراب والتقاتل.
ويلفت بعض الخبراء إلى أن القاتل الأسترالي ومن يملكون التفكير نفسه يرون أن اوروبا باتت في حكم "الساقطة"، وأن على الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا أن تبقى حصناً للتفوّق الأبيض، لتقود المعركة...
يبدو جلياً أن برينتون تارانت تأثر بكثر سبقوه إلى ارتكاب جرائم عنصرية بأحجام متفاوتة، والمقلق أنه أثر وسيؤثر حتماً في آخرين قد يسعون إلى تقليده. ولعلّ حجم الخطر يتبدّى عندما نلتفت إلى جريمة أوتريخت في هولندا، وتداعياتها الفورية التي تمثلت في نتائج مفاجئة لمصلحة حزب "منتدى من أجل الديمقراطية" اليميني المتطرّف المعادي للمهاجرين وللاتحاد الأوروبي في انتخابات لمجلس الشيوخ على مستوى المقاطعات. وفي مايو (أيار) المقبل، ستجرى انتخابات البرلمان الأوروبي التي يُتوقع أن تشهد تقدماً لليمين القومي...
العالم أمام خطر الفعل وردّ الفعل، والحل ليس حتماً بمحادثات بين الحكومات. بل يجب البحث في أساس المشكلة لاقتلاع أسبابها من الجذور، والعودة إلى منطق أن العالم يتّسع للجميع، وأن الطريق إلى السلام أسهل بكثير من الطريق إلى التقاتل، وأول خطوة في هذا الاتّجاه تكون بقبول الآخر وفهمه.


مقالات ذات صلة

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

المشرق العربي جانب من لقاء وزير الدفاع التركي الأحد مع ممثلي وسائل الإعلام (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية جانب من الدمار الذي خلفه الهجوم المزدوج في ريحانلي عام 2013 (أرشيفية)

تركيا: القبض على مطلوب متورط في هجوم إرهابي وقع عام 2013

أُلقي القبض على أحد المسؤولين عن التفجير الإرهابي المزدوج، بسيارتين ملغومتين، الذي وقع في بلدة ريحانلي (الريحانية)، التابعة لولاية هطاي جنوب تركيا، عام 2013

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا أسلحة ومعدات كانت بحوزة إرهابيين في بوركينا فاسو (صحافة محلية)

بوركينا فاسو تعلن القضاء على 100 إرهابي وفتح 2500 مدرسة

تصاعدت المواجهات بين جيوش دول الساحل المدعومة من روسيا (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو)، والجماعات المسلحة الموالية لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

عزام أحمد (إسلام آباد - كابل)
أوروبا استنفار أمني ألماني في برلين (أرشيفية - متداولة)

ألمانيا: دراسة تكشف استمرار ارتباط كراهية اليهود باليمين المتطرف بشكل وثيق

انتهت نتائج دراسة في ألمانيا إلى أن كراهية اليهود لا تزال مرتبطة بشكل وثيق باليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (بوتسدام )

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.