الجيش الجزائري يشدد على «التحلي بالمسؤولية» للتوصل إلى حل للأزمة

استمرار الحراك الشعبي... والنقابات ترفض المشاركة في الحكومة... ولعمامرة إلى جولة خارجية لشرح الوضع

موظفون في وزارة التكوين والتعليم المهنيين يتظاهرون ضد استمرار بوتفليقة في الحكم بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
موظفون في وزارة التكوين والتعليم المهنيين يتظاهرون ضد استمرار بوتفليقة في الحكم بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
TT

الجيش الجزائري يشدد على «التحلي بالمسؤولية» للتوصل إلى حل للأزمة

موظفون في وزارة التكوين والتعليم المهنيين يتظاهرون ضد استمرار بوتفليقة في الحكم بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)
موظفون في وزارة التكوين والتعليم المهنيين يتظاهرون ضد استمرار بوتفليقة في الحكم بالعاصمة الجزائرية أمس (إ.ب.أ)

شدد قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، أمس، على أهمية «التحلي بالمسؤولية» للتوصل إلى حل للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد إثر خروج مظاهرات حاشدة منذ نحو شهر رفضاً لبقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الحكم. وجاء هذا تزامناً مع مظاهرات جديدة لموظفي قطاع التكوين المهني تطالب برحيل النظام، ومع تقارير تتحدث عن اعتزام رمطان لعمامرة الذي عينه الرئيس حديثاً نائباً لرئيس الوزراء، عددا من الدول بينها روسيا والصين وبعض دول الاتحاد الأوروبي لتوضيح الأزمة في الجزائر.
وقال قايد صالح خلال زيارة له إلى «الناحية العسكرية الثالثة» (جنوب غرب) أمس، إن الجيش «سيكون دوما، وفقا لمهامه، الحصن الحصين للشعب والوطن في جميع الظروف والأحوال. فكل ذي عقل وحكمة، يدرك بحسه الوطني وببصيرته البعيدة النظر، أن لكل مشكلة حلا بل حلولا، فالمشكلات مهما تعقدت لن تبقى من دون حلول مناسبة، بل وملائمة، هذه الحلول التي نؤمن أشد الإيمان بأنها تتطلب التحلي بروح المسؤولية من أجل إيجاد الحلول في أقرب وقت». وكان يشير ضمنا إلى أزمة رفض الشارع استمرار بوتفليقة في الحكم.
ويعد صالح من أشد الموالين للرئيس، ويقول مقربون منه إن بوتفليقة ما كان ليقدم على الترشح لولاية خامسة لولا دعم من الضابط العسكري الكبير. وهاجم صالح الحراك في بدايته، فوصف المتظاهرين بـ«المغرر بهم». ودعت وزارة الدفاع وسائل الإعلام إلى عدم التعاطي مع ذلك التصريح، مباشرة بعد صدوره. وكان هذا التصرف دليلا على تغير في موازين القوى داخل النظام. وفي خطابه أمس، لم يذكر قايد صالح رئيس الجمهورية، ولا مرة واحدة وهو ما لم يتعود عليه. ومما جاء فيه: «إن الأمل في أن تبقى الجزائر دائما وأبدا فوق كل التحديات، هو أمل قائم ودائم، أمل يتجدد في النفوس والوجدان وينبعث في القلوب والأذهان، أمل يحمل في طياته البشرى بغد أفضل وبالقدرة على ربح الرهانات كل الرهانات، هذا الاستبشار بالمستقبل الأفضل الذي يفتخر الجيش الوطني الشعبي، بأنه من صنّاعه، وبأنه يستلهم هذه القدرة من قربه من شعبه ومن خزان التقارب الذي يختزنه هذا الشعب العظيم حيال قواته المسلحة».
في غضون ذلك، نزل أمس إلى شوارع العاصمة الجزائرية والكثير من الولايات، مئات المتربصين بمعاهد التكوين المهني، في مظاهرات تعبيرا عن انخراطهم في الحراك الرافض استمرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وكل القرارات التي أصدرها وبخاصة تعيين رئيس وزراء جديد، ونائب له وتكليف الموظف الأممي سابقا الأخضر الإبراهيمي، بتهدئة الشارع الغاضب الذي يحضر لمليونيات جديدة الجمعة المقبل.
وانضم إلى مظاهرة قطاع التكوين المهني، المئات من عمال البريد وشركة «اتصالات الجزائر» المملوكة للدولة، رافعين شعارات تطالب الرئيس بوتفليقة و«جماعته» بالرحيل عن السلطة. ورفض المتظاهرون «حزمة» من التدابير والإجراءات اتخذها الرئيس، في سياق تهدئة الشارع الثائر ضده، منها تعيين وزير الداخلية نور الدين بدوي رئيسا للوزراء، واختيار وزير الخارجية سابقا رمضان لعمامرة نائبا له. زيادة على الاستنجاد بالإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا سابقا، لفتح حوار مع رموز الحراك وقد فشل في ذلك.
وتم التعبير أيضا عن رفض مسعى السلطة تنظيم «ندوة وطنية»، قبل نهاية العام تنبثق عنها مسودة دستور جديد، وتحديد تاريخ رئاسية جديدة. واشترط المتظاهرون رحيل النظام بكل رموزه، على أن يتولى الشارع اختيار مندوبين له، وهم من سيطلقون ترتيبات المرحلة المقبلة. وبهذا الخصوص يجري تداول أسماء بارزة، ظلت منذ سنين طويلة تعارض النظام وتناضل من أجل التغيير، أمثال المحامي الكبير مصطفى بوشاشي، والقاضية سابقا زبيدة عسول والقيادي الحزبي كريم طابو ورئيس الوزراء سابقا أحمد بن بيتور، والكاتب الصحافي فضيل بومالة، وجيلالي سفيان رئيس حزب لبرالي.
كذلك، أعلنت نقابة الأطباء عن تنظيم مظاهرة كبيرة، اليوم، تبدأ بـ«مستشفى مصطفى باشا الجامعي»، بالعاصمة، للانطلاق نحو «البريد المركزي»، الذي أصبح قبلة للناقمين على نظام الرئيس بوتفليقة. وبين هذه النقابة والسلطات صراع طويل، أخذ منحى عنيفا في كثير من الأحيان، إذ تعرض الأطباء إلى الضرب على أيدي رجال الأمن لمحاولاتهم، التظاهر في العاصمة للمطالبة بحقوق مهنية. وقبل هذا الحراك، كان التظاهر في العاصمة ممنوع منعا باتا.
من جهتها، ذكرت نقابة أساتذة التعليم العالي، في بيان، أنها رفضت لقاء كان مبرمجا أمس مع بدوي، في إطار مشاوراته لتشكيل الحكومة. وقالت: «لأننا وقفنا مند البداية إلى جانب الشعب الجزائري، في الحراك الوطني مند 22 فيفري 2019، فمكاننا الطبيعي بين صفوف الشعب للدفاع عن مطالبه وتحقيق طموحاته المشروعة، لهذا فقررنا رفض دعوة رئيس الحكومة، لأن شروط وظروف الحوار غير متوفرة حاليا. رغم ذلك فإننا نؤكد أن النقابة تعبر عن استعدادها التام للمشاركة بقوة في أي مبادرة وطنية تحترم أحكام الدستور».
ورأى مراقبون أن رهان السلطة على آليات وأشخاص لتهدئة الشارع، أثبت قصوره لحد الساعة. فالإبراهيمي، الذي عولت على رصيده كدبلوماسي دولي كبير، تأكد بنفسه أن شباب الحراك لا يولي أهمية لتاريخه، بدليل أنه وجد صعوبة كبيرة في إيجاد محاورين من داخل الحراك، يقنعهم بالتجاوب مع «تنازلات السلطة»، وبخاصة سحب الرئيس ترشحه لولاية خامسة. واضطر الإبراهيمي إلى وقف لقاءاته التي جرت بفندق شهير بأعالي العاصمة. ولما سئل أمس بالإذاعة الحكومية عن مدى استعداد رجال السلطة الرحيل كلهم من دون استثناء، قال: «في العراق الذي أعرفه جيدا، رحل جميع المسؤولين والنتيجة كانت ما تعرفون».
ومثل هذا الكلام يزيد من استفزاز الشارع ويصعد من نقمة المتظاهرين على النظام، وقد جرب ذلك رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحيى، الذي صرح في بداية المظاهرات بأن «الأحداث في سوريا بدأت بالورود»، وكان يعلق على صور متداولة لفتاة تهدي زهرة لشرطي يراقب مظاهرة. وجلب أويحيى لنفسه سخطا كبيرا بعد هذا التصريح.
وكتب الصحافي المتخصص في الشأن الثقافي، محمد علال، عن لقائه بالإبراهيمي: «لقد جاء للاستماع إلينا، ولم أجد حرجا في تلبية دعوة لقائه ما دمت سأقول الحقيقة وأشدد على المطالب، قبلت باللقاء لأنني أردت منه أن يكون درسا لمن يتشدقون بتاريخهم. تفاديت الإشارة إلى جوانب الفساد والقضايا التي تتعلق بالتسيير، فهي معروفة لدى القاصي والداني، ولكن فرصة لقاء الإبراهيمي التي لن تتكرر، كانت بالنسبة لي مناسبة لوضع قليل من الألم على كف آخر شخص صافح بوتفليقة أمام الكاميرا». وأضاف الصحافي: «الرجل وقد ناهز الـ86، حرص على إحضار ورقة وقلم لتدوين بعض الملاحظات، كنت ألاحظ في عينه خوفا أو ربما خجلا وهو جالس كالتلميذ يكتب ويدون ملاحظات شاب في عمر حفيده، الإبراهيمي كشخصية هو هادئ الطبع، لا يقاطع كلامك، حتى وأنت تتكلم بحدة أو حرارة قد تصل إلى حد التهجم عليه، كما فعلت سيدة من بين الذين حضروا اللقاء، تحدثت قبلي معه ثم غادرت المكان، وكأنها بذلك قامت بخطوة بطولية أو أهانت الإبراهيمي الذي لم يطلب منها البقاء لسماع رده واكتفى بالصمت. لم أود أبدا ارتداء عباءة (دونكيشوت)، كنت فخورا بعباءتي كمواطن بسيط جدا، احترمت سن الرجل وعكازه الذي وضعه أمامه، وشعره الأبيض الذي بلا شك يحكي الكثير، لهذا حرصت على اختيار كلماتي ومخاطبة الرجل دون تجريح ولا قذف، لماذا التشنج أمام رجل يتحرك بصعوبة؟، فالمهم بالنسبة لي قول ما في قلبي وعقلي وخلاصة الكلام: (نريدكم أن ترحلوا فورا)».
أما الرهان الثاني الذي فشلت فيه السلطة، فهو إيفاد لعمامرة إلى دول شريكة للجزائر، كفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، ليشرح خطة الخروج من المأزق. وتلقى الحراك باستياء بالغ أول خطوة قام بها وزير الخارجية سابقا، وهي إجراء مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية للخوض في الخطة، بدل أن يتوجه للجزائريين عن طريق وسائل إعلام محلية. وحاول استدراك هذه «الخطيئة» لاحقا، في مقابلة مع الإذاعة الحكومية، لكن الوقت كان قد فات. كما عجزت الحكومة عن تسويق بدوي، كشخصية تحقق حدا أدنى من الإجماع لدى الحراك، وتجلى ذلك في رفض المعارضة ووجوه من الحراك والنقابات الكبيرة لقاءه في سياق مشاوراته إنشاء طاقم حكومي.
من جهة أخرى، دعا أويحيى مناضلي حزبه «التجمع الوطني الديمقراطي»، في رسالة، إلى «المساهمة في تجاوز الجزائر أزمتها الحالية، من خلال تغليب التعقل خدمة للمصلحة الوطنية، وهي غاية وطنية نبيلة تستوقفنا جميعا للعمل على رص صفوف حزبنا بغية تجنيد كافة طاقاتنا الحية في المجتمع، لبسط السكينة والتعقل، لتجسيد التغيير المنشود بطرق منتظمة تحمي استقرار الدولة وسلامة العباد».
واللافت أن نبرة خطاب أويحيى تغيرت، فقد كان متشددا ضد الحراك لما كان رئيسا للوزراء بعكس ما تضمنته رسالته. غير أن ولاءه للرئيس لم يتغير، إذ يذكر: «أخوكم قضى خمس سنوات متتالية (كمدير لديوان الرئيس ثم كرئيس للوزراء) كعربون جديد، في خدمة الجزائر دون كلل أو ملل، وكذا في دعم رئيس الجمهورية في كل الظروف، وهذا بشهادة الخصم قبل الصديق».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.