الحلف الأطلسي يدين تعزيز الإجراءات العسكرية الروسية في القرم

دان حلف شمال الأطلسي، أمس، تشديد الإجراءات العسكرية الروسية في القرم وفي منطقة البحر الأسود، ودعا موسكو إلى وقف كل الانتهاكات المرتكبة في هذه المنطقة التي ضمّتها «بطريقة غير قانونية».
وقال مجلس حلف شمال الأطلسي، الهيئة المدنية التي تتولى إدارة الحلف، في بيان: «ندين التشديد المعمم للإجراءات العسكرية الروسية الجارية في القرم، ونحن قلقون حيال نية روسيا تعزيز إجراءاتها العسكرية في منطقة البحر الأسود، وكذلك الجهود التي تبذلها في هذا الصدد»، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وذكر الحلف الأطلسي أن «هذا الانتهاك لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها يشكّل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي وتحدياً كبيراً للأمن الأوروبي - الأطلسي. ندين بقوة هذا التحرك الذي لا نعترف به، ولن نعترف به».
ودان الحلف الأطلسي أيضا بناء روسيا جسرا فوق مضيق كيرتش، واستخدامها غير المبرر للقوة العسكرية ضد سفن أوكرانية وطواقمها على مقربة من بحر أزوف ومضيق كيرتش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. وأضاف: «نحضّ روسيا على الإفراج من دون قيد أو شرط عن البحارة الأوكرانيين الذين تحتجزهم بصورة غير قانونية، وإعادة السفن المعترضة والوفاء بالتزاماتها الدولية من خلال ضمان حرية الوصول إلى الموانئ الأوكرانية في بحر آزوف وحرية الملاحة».
وقال الحلف الأطلسي: «لا يمكن العودة إلى الوضع الطبيعي ما دام لم يحدث تغيير واضح وبناء في تحرك روسيا يدل على احترام القانون الدولي والتزاماتها ومسؤولياتها الدولية»، مذكّرا بالعقوبات الدولية المفروضة على روسيا.
وتوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، إلى القرم للاحتفال بالذكرى الخامسة لضم روسيا شبه الجزيرة الأوكرانية الذي رفضته كييف والغرب فيما رحبت به غالبية الروس. وشارك الرئيس الروسي في احتفالية لإطلاق محطة كهربائية، كما التقى ممثلين عن المجتمع المدني.
واحتفلت روسيا بمناسبة ذكرى ضمّ القرم في مارس (آذار) 2014، عقب تدخل قوات روسية خاصة في شبه الجزيرة وإجراء استفتاء شعبي مثير للجدل. وجاء التدخل الروسي في حينه عقب تسلم السلطة في القرم من قبل سلطات موالية للغرب إثر الانتفاضة الشعبية في كييف.
وتستضيف العاصمة الروسية مهرجانا يتضمن حلقات طهي وموسيقى جاز ومعارض صور. ووفق السلطات في موسكو، فمن المتوقع تنظيم احتفال قد يصل عدد المشاركين فيه إلى 10 آلاف شخص، سيرقصون على أنغام «فالس سيفاستوبول»، في إشارة إلى أغنية شعبية كتبت عام 1955 نسبة إلى هذه المدينة الواقعة في شبه جزيرة القرم وتضمّ مرفأ ربط للبحرية الروسية المنتشرة في البحر الأسود.
وينظر في روسيا إلى انتقال القرم إلى السيطرة الروسية في 18 مارس على أنه «عملية ضم»، فيما ترفض أوكرانيا والغرب الأمر على اعتبار أنه «إلحاق غير شرعي». وكلّفت هذه الخطوة موسكو سلسلة من العقوبات الأوروبية والأميركية الثقيلة، التي أثرت على الاقتصاد الروسي بشكل حاد.
من جهته، وعد الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو أمس بأن «القرم سوف تعود إلى أوكرانيا، وسنعمل ما بوسعنا للتأكد من أن ذلك سيحصل في أسرع وقت مباشرة بعد الانتخابات» الرئاسية المرتقبة في 31 مارس.
من جانبها، قالت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو، إن «الفكرة القائلة بأن القرم جزء من روسيا إلى الأبد، تكبر في العالم»، وذلك في مقالة نشرت في صحيفة «إزفستيا» المقربة من الكرملين.
وكرّست الصحيفة ملفا عن «النمو القياسي» الذي تعرفه شبه الجزيرة منذ ضمّها، خاصة على صعيد السياحة، واستعانت بإحصاءات رسمية تؤكد أن الناتج المحلي للقرم تضاعف بين عامي 2014 و2017.
في المقابل، عرضت الصحافة الروسية الليبرالية نظرة أكثر قتامة. وشبّهت صحيفة «فيدوموستي» ما يحصل بالقول إن روسيا جعلت من شبه الجزيرة «مجرد مقاطعة». وأضافت الصحيفة الاقتصادية أن ذلك يشبه «نموذج الحكم الاستعماري الروسي الجديد». ورأت أن القرم سوف تتحول «سريعا» إلى «معلم متسخ يمجّد أخطاء سياسية ذات بعد تاريخي».
وقد فرضت الولايات المتحدة الجمعة الماضي بالتوافق مع الاتحاد الأوروبي وأستراليا وكندا، عقوبات جديدة ضد مسؤولين روس «بسبب مواصلة العدوان في أوكرانيا». وقال وزير الخارجية الأوكراني بافلو كليمكين، في حديث إلى وكالة الصحافة الفرنسية، إن «السنوات الخمس الأخيرة اتّسمت بجو من الترهيب، الظاهر أو الخفي، ضد من يسكنون في القرم، في انتهاك للقانون الدولي».
ويواجه تتار القرم، الذين يمثلون مجموعة مسلمة ترفض في غالبيتها ضم القرم إلى روسيا، ضغطا شديدا من قبل السلطات الروسية. ولم يكتف القضاء الروسي في السنوات الأخيرة بمنع «المجلس» (نسبة إلى جمعية تتار القرم) من العمل وإدراجه في خانة الإرهاب، وإنما قام أيضا بغلق قناة التلفزة التابعة إلى هذه الأقلية.
واستبعد فلاديمير بوتين الذي شهدت شعبيته في البلاد ارتفاعا ملحوظا عقب ضم القرم قبل أن تتزحزح مؤخرا، في عدة مناسبات عودة شبه الجزيرة إلى أوكرانيا. كما أنه أثنى في مارس 2018 على استعادة «العدالة التاريخية»، وذلك خلال زيارة إلى القرم قبل أيام من إعادة انتخابه رئيسا لولاية رابعة.
وبحسب إحصاء أجراه مركز الرأي العام في بداية مارس، بات الروس أقل تفاؤلا حول هذه القضية: فقط 39 في المائة منهم يعتبرون أن عملية الضم جلبت إلى روسيا «خيرا أكثر من الأذى»، في مقابل 67 في المائة عام 2014.
برغم ذلك، يبقى تقييم نسبة 49 في المائة «إيجابياً بلا شك»، ونسبة 28 في المائة «تقريبا إيجابي»، بينما يندرج تباعا تقييم 3 في المائة و6 في المائة من المستطلعة آراؤهم في خانتي «سلبي بلا شك» و«تقريبا سلبي».