متسولون في صنعاء: كلنا متسولون

«الشرق الأوسط» ترصد تفاقم الظاهرة في العاصمة المخطوفة

TT

متسولون في صنعاء: كلنا متسولون

«لماذا تسألني عن سبب وقوفي على الرصيف لأشحت (أتسول)؟ ألسنا جميعاً متسولين؟ أنت أيضاً متسول، وجميعنا كذلك. أنا أتسول في جولات المرور، وأنت تتسول من المنظمات الإغاثية التي تنتظرها شهرياً لتعطيك إما مبلغاً مالياً أو دقيقاً وزيتاً، بينما أنا لا ألقى شيئاً من ذلك، فنصيبي يسرقه عاقل الحي الذي أسكن فيه، بعدما سجل اسمي في كشوفات المحتاجين... كلنا متسولون إذا كان الحوثي هو الحاكم». وعقال الحارات، أو عقال الأحياء، موجودون في اليمن قبل أن يداهمه الحوثيون، ويخطفون السلطة بالقوة، إلا أن الميليشيات المدعومة من إيران أجرت تغييرات واسعة في عقال الحارات حتى يكونوا مساهمين ومساعدين لمشرفي الجماعة في مختلف المدن والأحياء والمديريات، وحتى القرى الصغيرة.
بهذه الحدة يتحدث متسول يمني في أحد شوارع صنعاء، كان في أحد الأيام موظفاً حكومياً، لكن بسبب انقطاع الراتب أصبح لا يستطيع إطعام أطفاله، أو تسديد إيجار منزله.
تفاقمت ظاهرة التسول في العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين. والمتسول الذي اكتفى بترميز اسمه خشية على حياته من الخطر (أ. و) يقول إن قاطني المناطق التي خطفها كابوس الانقلاب لا يجدون أبسط مقومات الحياة، وما يكفيهم من طعام ليوم واحد، بعدما كانت حياتهم في أسوأ أوقاتها أفضل بكثير.
منذ منتصف عام 2016، يعيش أكثر من مليون موظف في القطاع الحكومي من دون رواتب، منذ رفض ميليشيات الانقلاب صرف الرواتب، بحجة نقل الحكومة الشرعية، برئاسة الرئيس المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي، مقر البنك المركزي إلى مدينة عدن، العاصمة المؤقتة.
إضافة إلى ما يحمله المتسولون من قصص مأساوية، فإن «الشرق الأوسط» رصدت من خلال أحاديث مع أكثر من متسول أنهم ينقسمون إلى قسمين: الأول خرج للتسول لأنه يرى أنه عمل يومي تجب عليه ممارسته، والثاني يرى أنه أمر مُعيب اجتماعياً، لكن ليست هناك طرق أخرى لكسب المال والطعام، في ظل انعدام فرص العمل، وتعنت السلطات الحوثية التي اعتبروها تستخدم حاجتهم، وتلعب بها سياسياً.
يقول أحد المتسولين الذين تحدثت معهم «الشرق الأوسط» إنه «ليست هناك مشكلة أو عيب في التسول، كونه يعتبر عملاً، ولا يختلف عن العمل الآخر، بل يحتاج فقط إلى القليل من التنازل عن الكرامة، والجراءة»، بينما يتحدث آخر قائلاً: «نعم، إنه أمر معيب اجتماعياً، لكن بسبب عدم توفر فرص العمل، فليست هناك طريقة أخرى لكسب المال غير التسول للحصول على طعام، أو حتى للحصول على المال لشراء الطعام أو الدواء».
الباحث الاجتماعي اليمني شاهر سعد يرجع ظاهرة التسول، خصوصاً في صنعاء، إلى «عدة أسباب، أهمها سياسة الإفقار التي مارستها الحكومات المتتالية على اليمن، إلى حد أن البنك الدولي سماها (حكومة تسرق شعبها)، فاليمن الدولة الوحيدة الذي تسرق ثروات الشعب، وتنهب الشعب بالإتاوات، وتسرق المساعدات، وتسببت بهجرة المواطنين والمزارعين من الريف إلى المدينة بسبب الإهمال».
وقال الباحث لـ«الشرق الأوسط» إن «انحصار الخدمات في العاصمة صنعاء، التي هي بشكل أساسي مركز اقتصادي وسياسي، هو ما أفقد المواطن مصدر رزقه، وهو الأرض، وأدى لاندثار وإهمال الحرف القروية، وغياب المقايضة، وأصبح المال هو الكل في الكل، الأمر الذي تسبب في تكدس المواطنين بالعاصمة، هروباً من الجوع والأوبئة؛ ويا هارب من الموت يا ملاقيه».
وأضاف أن «من أسباب التسول، أيضاً، أن المواطن يصطدم عند الذهاب إلى صنعاء بالبطالة، والبطالة المقنعة، فدخل المواطن اليمني أقل دخل في العالم، وأكثر من 19 مليون تحت خط الفقر، إضافة إلى ظهور مافيات جدد دخلوا العاصمة باسم القضاء على الفساد، فزادوا الفساد فساداً، حتى سمي (الفساد البنيوي)، حيث أصبح هو الأصل، وما دونه استثناء، كانعدام الرواتب، وعدم تلبيتها لشراء الحاجيات».
ولفت سعد إلى أن «الراتب لا يكفي نفقات أكثر من 3 أيام، فكيف بغيابه سنوات؟»، وزاد: «هناك أيضاً مضايقة التجار وأصحاب الحرف، وتحويل الوطن والعاصمة إلى سجن، وفقد الأسر عائلها، إما بالقتل أو بالسجن أو بالتشرد والنزوح؛ اليمن منكوب وهو على مشارف الانهيار التام، حيث دخل المرحلة الرابعة من مرتبة الأمن الغذائي، بعد أن باع الناس منازلهم ومقتنياتهم، وصاروا متسولين».
مصدر في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اليمنية، رفض الكشف عن هويته، أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس هناك أية إحصائية بعدد المتسولين في صنعاء، أو في اليمن بشكل عام، وأن المتسولين أصبحوا أضعاف ما كانوا عليه في العام السابق. ومع انقلاب الحوثيين، تفاقمت الأزمة»، ولم يتجاهل المصدر ما سماه «المسببات الرئيسية»، وهي «الفقر بسبب قطع الرواتب ومصادرتها من قبل الحوثيين، وكذا توزيع المساعدات الإغاثية لمن صادر رواتب الموظفين».
وذكر أن «هناك أيضاً بعض المتسولين ممن يتم الدفع بهم للخروج إلى الشارع لمراقبة المواطنين لصالح السلطة الحاكمة بصنعاء (الحوثيين)».


مقالات ذات صلة

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

خاص رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك خلال لقاء سابق مع السفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

قال رئيس الوزراء اليمني إن الالتزامات الدولية تجاه اليمن لن تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل ستشمل أيضاً المجالات الأمنية والدفاعية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج نزع فريق «مسام» في محافظة عدن 154 ذخيرة غير منفجرة (واس)

مشروع «مسام» ينتزع 732 لغماً في اليمن خلال أسبوع

تمكّن مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، خلال الأسبوع الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، من انتزاع 732 لغماً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي لقاء سابق بين رئيس الوزراء اليمني والسفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

«اجتماع نيويورك»... نحو شراكة استراتيجية بين اليمن والمجتمع الدولي

تأمل الحكومة اليمنية تأسيس شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي، وحشد الدعم السياسي والاقتصادي لخططها الإصلاحية، وجوانب الدعم الدولية المطلوبة لإسناد الحكومة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي عضو في فريق يمني لمكافحة الألغام خلال حملة توعوية بمحافظة الحديدة (أ.ف.ب)

93 يمنياً في الحديدة ضحايا ألغام الحوثيين خلال عام

كشفت بعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة ومنظمتان حقوقيتان في مأرب عن سقوط أكثر من 150 ضحية للألغام خلال العامين الماضيين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
TT

مصر لتعزيز الشراكة مع أوروبا في مجال المياه

وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)
وزير الري المصري خلال استقباله سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة (الري المصرية)

تسعى الحكومة المصرية، لتعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في مجال إدارة الموارد المائية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها تتعلق بـ«محدودية مواردها». وخلال لقائه سفيرة الاتحاد الأوروبي في القاهرة أنجلينا إيخورست، الاثنين، ناقش وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم، التعاون بين الجانبين، في «إعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجتها».

وتعاني مصر عجزاً مائياً، حيث يبلغ إجمالي الموارد المائية، نحو 60 مليار متر مكعب سنوياً، في مقابل احتياجات تصل إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً، وبنسبة عجز تقدر 54 مليار متر مكعب، وفق «الري المصرية».

وتعتمد مصر على حصتها من مياه نهر النيل بنسبة 98 في المائة، والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وحسب بيان لـ«الري المصرية»، ناقش سويلم، مع سفيرة الاتحاد الأوروبي، مقترحات تطوير خطة العمل الاستراتيجية (2024-2027)، طبقاً للأولويات المصرية، مشيراً إلى الدعم الأوروبي لبلاده في مجالات «رفع كفاءة الري، وإعادة استخدام المياه، وتقنيات معالجة المياه، والتكيف مع تغير المناخ».

ووقَّعت الحكومة المصرية، والاتحاد الأوروبي، إعلاناً للشراكة المائية، خلال فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، COP28، الذي عُقد في دبي عام 2023، بهدف تحقيق الإدارة المستدامة للموارد المائية، وتعزيز الحوار، وتبادل الخبرات.

وأوضح وزير الري المصري أن «الإجراءات التي تتبعها بلاده لرفع كفاءة استخدام المياه، تندرج تحت مظلة الجيل الثاني لمنظومة الري»، منوهاً بقيام الوزارة حالياً «بتأهيل المنشآت المائية، ودراسة التحكم الآلي في تشغيلها لتحسين إدارة وتوزيع المياه، والتوسع في مشروعات الري الحديث»، إلى جانب «مشروعات معالجة وإعادة استخدام المياه، ودراسة تقنيات تحلية المياه من أجل الإنتاج الكثيف للغذاء».

ومن بين المشروعات المائية التي تنفذها الحكومة المصرية، بالتعاون مع عدد من دول الاتحاد الأوروبي، «البرنامج القومي الثالث للصرف، وتحسين نوعية المياه في مصرف (كيتشنر)، وتحديث تقنيات الري لتحسين سبل عيش صغار المزارعين في صعيد مصر، ومراقبة إنتاجية الأراضي والمياه عن طريق الاستشعار عن بعد».

وتعوِّل الحكومة المصرية على الخبرات الأوروبية في مواجهة ندرة المياه، وفق أستاذ الموارد المائية، في جامعة القاهرة، نادر نور الدين، الذي أشار إلى أن «القاهرة سبق أن استعانت بخبراء أوروبيين لصياغة حلول للتحديات المائية التي تواجهها مصر»، وقال إن «كثيراً من المقترحات التي قدمها الخبراء تنفذها الحكومة المصرية في سياستها المائية، ومن بينها التوسع في مشروعات معالجة المياه، وتحلية مياه البحر، واعتماد نظم الري الحديث».

وللتغلب على العجز المائي شرعت الحكومة المصرية في تطبيق استراتيجية لإدارة وتلبية الطلب على المياه حتى عام 2037 باستثمارات تقارب 50 مليون دولار، تشمل بناء محطات لتحلية مياه البحر، ومحطات لإعادة تدوير مياه الصرف بمعالجة ثلاثية، إضافة إلى تطبيق مشروع تحول للري الزراعي الحديث.

ويعتقد نور الدين، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الخبرة الأوروبية في مجال تطوير إدارة المياه والتغيرات المناخية هي الأفضل في هذا المجال»، مشيراً إلى أن «القاهرة تسعى إلى الاستفادة من المنح الأوروبية المقدَّمة في تلك المجالات، وخصوصاً، التكيف مع التغيرات المناخية»، معتبراً أن «التعامل مع العجز المائي في مصر من أولويات السياسة المائية المصرية».

ويُعد الاتحاد الأوروبي من أهم الشركاء في المجال التنموي بالنسبة لمصر، وفق أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، الذي أشار إلى أن «التعاون المائي بين الجانبين يأتي ضمن الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي جرى توقيعها بين الحكومة المصرية والاتحاد الأوروبي، لتطوير التعاون بمختلف المجالات».

ويرى شراقي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاتحاد الأوروبي يمتلك التكنولوجيا والخبرات الحديثة بشأن تطوير استخدام المياه، خصوصاً في الدول التي تعاني من شح مائي».