طالب عضو بارز في الكونغرس الأميركي الحكومة السودانية بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإتاحة الحريات السياسية وحرية التعبير، ودفع «تعويضات» لضحايا الإرهاب، قضت بها محاكم أميركية ضدها، وأثناء ذلك تواصلت الاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، استجابة لدعوة «تجمع المهنيين السودانيين» وقوى الحرية والتغيير المتحالفة معه.
ونقل شهود أن الآلاف سيّروا مظاهرات في أنحاء الخرطوم وأم درمان،ً في اطار حراك أطلق عليه «موكب الخريجين والعاطلين عن العمل». وردد المتظاهرون، الذين قدرت أعدادهم بالآلاف، الهتافات المنادية بتنحي الرئيس عمر البشير ونظامه.
وبحسب بيان صادر عن «تجمع المهنيين»، فإنه تزامنت احتجاجات أمس مع زيارة عضو الكونغرس الأميركي ورئيس لجنة الحريات الدينية في الحزب الجمهوري غوس بيليراكيس للبلاد، ما جعل النظام يخفف من قمعه المعهود للاحتجاجات.
ودعا التجمع إلى توسيع المشاركة في الاحتجاجات، واستنفار الأحياء، والقرى، والمدن، والحارات، للخروج إلى الشوارع الرئيسية، وفي ذات الوقت «التمسك بالسلمية في طريقنا للحرية والتغيير، ولنتدافع جميعاً للشوارع، ونتذكر كل شهداء ثورة 19 ديسمبر (كانون الأول) المجيدة».
وبحسب متابعات الصحيفة، فإنه من غير المعتاد أن تسمح السلطات الأمنية للمواطنين بالتجمع، وهي تحاول بقدر ما تستطيع تفريقهم قبل بدء المظاهرة، بيد أن مظاهرات أمس واجهت عنفاً أقل، ما أسهم في انتشار مساحة المظاهرات، والتقاء مواكب الأحياء، وتسيير موكب واحد في كثير من المناطق.
وفي سياق متصل، نظّم العشرات من ذوي المعتقلين السياسيين وقفة احتجاجية، أمام مباني جهاز الأمن والمخابرات أمس، ورفعوا لافتات تطالب بإطلاق سراحهم على الفور، وتندد بـ«الاعتقال التعسفي». وأثناء ذلك نظّم صحافيّو جريدة «التيار» المستقلة وصحافيون متضامنون، وقفة احتجاجية لدى «مجلس الصحافة»، وسلموه مذكرة تطالب بإطلاق سراح رئيس تحرير الصحيفة عثمان ميرغني المحتجز منذ أكثر من 3 أسابيع.
وقال الأمين العام للمجلس عبد العظيم عوض، وهو الجهة الحكومية المعنية بتنظيم عمل الصحافة، لدى تسلمه للمذكرة، إن سيعرضها على المجلس لدراستها، استناداً إلى دوره القانوني في تقديم النصح للجهاز التنفيذي بشأن الحريات الصحافية وحرية التعبير.
كما دعا تجمع طلابي، يحمل اسم «تجمع الطلاب السودانيين»، إلى تنظيم مواكب تشارك فيها 25 جامعة وكلية خاصة، اليوم (الإثنين)، للرد على ما أسماه «انتهاكات الأجهزة الأمنية».
وقال التجمع الطلابي، في بيان: «النظام الغاشم كان يحاول التفرقة بين جموع الطلاب من جامعات خاصة وحكومية»، بيد أنه «هو نفسه الذي يرتعد خوفاً الآن بسبب الحراك الطلابي»، ودعا «جموع الطلاب» لما أطلق عليه «زلزلة عرش الطاغية» بمواكب تندد بانتهاكات «الحرم الجامعي المقدس»، واقتحام عسكره له، وضرب وقتل من داخله.
من جهته، دعا رئيس لجنة الحريات الدينية بالكونغرس الأميركي غوس بيليراكيس، الذي يزور السودان، الحكومة السودانية للدخول فيما أسماه «مفاوضات بحسن نية»، تتعلق بتعويضات عن الادعاءات والأحكام الأميركية المتعلقة بالإرهاب ضد السودان، التي رفعها ضحايا الإرهاب.
والتعويضات التي قضت بها محكمة أميركية تتعلق بتفجير سفارتي أميركا في دار السلام في تنزانيا ونيروبي، في كينيا، عام 1998، وبالهجوم على المدمرة الأميركية «إس إس كول» عام 2000.
وقال بيليراكيس، بحسب بيان صحافي وزّعه عقب لقاء أجراه مع رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر، أمس: «هذه مسألة مهمة بالنسبة لدوائرنا الانتخابية، ويجب حلها، لذا سأستمر في البحث عن تعويض عادل للضحايا».
ودعا المسؤول الأميركي إلى «عملية انتقال» يتم التفاوض عليها بين شعب السودان وأحزاب المعارضة والحكومة، وقال: «يجب أن يلتزم أي سلام يتم التفاوض عليه برغبات شعب السودان، ويحمي حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليه عالمياً».
وطالب بيليراكيس بإطلاق سراح أحد مواطنيه من أصول سودانية، قبض عليه أثناء الاحتجاجات، وبإطلاق المعتقلين والسجناء السياسيين كافة، معتبراً احتجازهم تقييداً لحرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير، وتابع: «في كل اجتماعاتي أثرت قلقي فيما يتعلق بسجن مواطن أميركي، وأوضحت قلق الولايات المتحدة بشأنه، وطالبت بإطلاق سراحه، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين». وبحسب البيان، فإن بيليراكيس التقى صحافيين وقادة مجتمع مدني ورجال أعمال وقوى المعارضة ومعتقلين سابقين ومسؤولين حكوميين، بينهم مدير جهاز الأمن ورئيس البرلمان، وينتظر أن يلتقي غداً رئيس الوزراء.
من جهته، قال رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر، في تصريحات صحافية مشتركة مع بيليراكيس، إنه بحث مع عضو الكونغرس قضية وجود اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودور الكونغرس الذي يمكن أن يلعبه.
واعترف عمر، في حديثه للنائب الأميركي، بأن مظاهرات السودان بدأت سلمية، بيد أن جهات لم يسمها غيّرت مسارها، وقال إنه «أخطر العضو بوجود حريات سياسية ودينية بالبلاد»، وقال: «السودان مستقر، وعلى استعداد لاستضافة مزيد من أعضاء الكونغرس لمعرفة الأوضاع فيه عن قرب».
وكان بيليراكيس قد أشار عقب لقائه بالجالية «اليونانية» وزيارة لكنيستها، إلى ما أسماه «تقدماً كبيراً في مجال إتاحة الحريات الدينية» أحرزه السودان، وإلى التعاون بين الخرطوم وواشنطن في مكافحة الإرهاب، بيد أنه عاد ليقول: «ما زال أمامنا الكثير لإنجازه».
ويشهد السودان منذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي احتجاجات متواصلة، بدأت تنديداً بالغلاء وندرة السلع الرئيسية والنقود والوقود والدواء، قبل أن تتحول إلى المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته على الفور.
واستخدمت سلطات الأمن السودانية عنفاً مفرطاً ضد المحتجين السلميين، أدى إلى مقتل 32 شخصاً، حسب حصيلة رسمية، و52 شخصاً بحسب تقارير منظمة العفو الدولية.