فشل مشروع «سَرية غرباء فلسطين» المتشددة

اثنان من مطلوبيها الفارين يعودان إلى مخيم عين الحلوة

مظاهرة في مخيم عين الحلوة 8 ديسمبر 2017 احتجاجاً على القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (غيتي)
مظاهرة في مخيم عين الحلوة 8 ديسمبر 2017 احتجاجاً على القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (غيتي)
TT

فشل مشروع «سَرية غرباء فلسطين» المتشددة

مظاهرة في مخيم عين الحلوة 8 ديسمبر 2017 احتجاجاً على القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (غيتي)
مظاهرة في مخيم عين الحلوة 8 ديسمبر 2017 احتجاجاً على القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل (غيتي)

فشل المطلوبون الفلسطينيون واللبنانيون الذين غادروا مخيم عين الحلوة في جنوب لبنان إلى إدلب في شمال سوريا، في تأسيس كيان عسكري خاص بهم وسط التوترات الأمنية والتشظي في الولاءات الذي تعانيه الفصائل في شمال سوريا؛ وهو ما أفقد وجودهم التأثير والحيثية، فاختار بعضهم العودة، ونجح اثنان منهم في الدخول إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان مرة أخرى، وتواريا داخله.
ينظر إلى هذه العودة على أنها آخر فصول ملف معقد، بدأت إرهاصاته منذ 12 عاماً، وتأمل كثيرون أن يكون خروج المتطرفين من المخيم بموجب صفقة غير معلنة، أو غض نظر أمني على الأقل سمح بخروجهم إلى سوريا في العام الماضي، نهاية لحكاية طويلة تتجدد فصولها عند كل حادث أمني في الداخل اللبناني. لكن بدا أن العودة السرية، أعادت عقارب الأزمة إلى الوراء، رغم الهدوء الذي يعمّ المخيم منذ عام على الأقل، والاستقرار فيه واستتباب الأمن، الناتج بأكمله من التعاون الوثيق بين الأجهزة الأمنية اللبنانية والقوى الفلسطينية لإبعاد المخيمات عن الأزمات، وتثبيت الاستقرار فيها. وبدأت التحضيرات لإنهاء الظاهرة الأمنية في المخيم، في عام 2017 مع نهاية وجود المتطرفين على الحدود الشرقية الحدودية مع سوريا، إثر معركتين خاض «حزب الله» اللبناني أولها ضد «جبهة النصرة» في جرود عرسال، والأخرى خاضها الجيش اللبناني ضد «داعش» في جرود راس بعلبك والقاع، أنهتا وجود المتشددين على الحدود. منذ ذلك الوقت، بدأ الحديث عن تسوية يمكن أن تجنب المخيم أزمة قتال، أسوة بمقاتلي «داعش» و«النصرة» الذين خرجوا باتجاه العمق السوري في الشمال أو الشرق. لكن السلطات اللبنانية، أعلنت رفضها أي تسوية مشابهة، بينما أعلن في وقت لاحق عن تسرب المطلوبين، وبث بعضهم مقاطع فيديو لوجوده داخل سوريا؛ ما رسم علامات استفهام حول طريقة خروجهم بالتواري؛ وهو ما فتح شهية الأسئلة حول ما إذا كان هناك غض نظر أمني لإنهاء حالة التوتر في المخيم.
وفي ربيع عام 2017، أعلن الفلسطيني بلال بدر الذي يصنّف كأحد أخطر المتشددين في مخيم عين الحلوة مغادرته إلى سوريا، حيث استقر في محافظة إدلب شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، وذلك بعد ضغوط من الفصائل الفلسطينية تطالب المطلوبين أمنياً بمغادرة المخيم الذي شهد جولات قتال بين تلك الفصائل والمتشددين الذين تنامى عددهم في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، حتى أنهم باتوا يشكلون تهديداً للمخيم.
واختبر المخيم منذ 2017، معركتين قاسيتين ضد المطلوبين والمحسوبين على فصائل متطرفة، كان آخرها، وأقساها في 2018، وكانت نهاية لهذا الوجود المتطرف، سواء للبنانيين المطلوبين في داخله أم للفلسطينيين. وعلى أثر الأنباء عن خروج المطلوبين البارزين من المخيم إلى إدلب في شمال سوريا، تحدثت معلومات عن تجمع هؤلاء تحت لواء فصيل عسكري واحد يجمعهم حمل عنوان «سَرية غرباء فلسطين». هذه السرية، تشكلت إثر لقاء الفلسطينيين الفارين من مخيم عين الحلوة. وضمَّت السرية بلال بدر ونحو 10 فلسطينيين من عين الحلوة، إضافة إلى فلسطينيين من الأردن وسوريا.
لكن مصادر مواكبة لحركة هؤلاء في إدلب، أبلغت «الشرق الأوسط»، أن الفصيل الذي تم تشكيله «لم يكتب له النجاح»، مرجعاً السبب إلى «قلة عدد الخارجين إلى إدلب، والمنضوين في السرية». وقالت: «قتل أبرزهم الشيخ إبراهيم خزعل المعروف بأبي محمد الفلسطيني في معارك في شمال سوريا» وهو من أسس السرية بعد أن التقى أمير «جبهة النصرة» أبو مالك التلّي، وعدداً من قيادات الصف الأول في «هيئة تحرير الشام» في إدلب. وأشارت المصادر إلى أنه «لم يبقَ من المغادرين إلى إدلب سوى اللبناني شادي المولوي». أما الفلسطينيون الآخرون: «فقد عاد منهم بلال بدر، وهيثم الشعبي المعروف باسم أبو مصعب المقدسي»، مشيرة إلى أن هذين الشخصين «عادا بالسر، وتواريا عن الأنظار، رغم أن عودتهما أثارت بلبلة رغم أنه لا نشاط لهما، ولا يتمتعان الآن بأي حيثية»، مشددة على أن «لا أحد استطاع أن يحدد موقع بلال بدر». وبحسب المصادر، فإن بلال بدر «استفاد من إنجاز أمني له يتمثل في أنه لا صورة له، وهو غير معروف؛ لذلك لا يمكن التعرف عليه، ولم يشاهده أي أحد في السابق، وهي ميزة تخوله الدخول والخروج وفق آلية تخفٍ أمني، لا يستطيع أحد اكتشافها»، مشددة على أنه «لا تواصل له مع أحد، ولا نشاط له أصلاً، وبالتالي، هو موجود ومختبئ بلا أي حيثية».
ولم ينفِ نائب قائد الأمن الوطني الفلسطيني، اللواء منير المقدح، عودة بعض المطلوبين إلى المخيم، بعد خروجهم منه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا نعرف كيف يخرجون ولا كيف يدخلون»، لكنه شدد على أن هؤلاء «لا خطر يترتب على وجودهم»، مضيفاً: «تبددت المخاوف» منهم، حتى عندما كانوا موجودين وقبل رحيلهم، فهؤلاء لا يشكلون أي خطر استراتيجي على المخيم ولا على الجوار بعد إضرابات نفذوها وكان آخرها قبل عام.

الوضع مستقر

وأشار المقدح إلى معلومات تحدثت عن أن أحد المطلوبين من آل المصري يخرج من المخيم ويعود إليه، بينما «هيثم الشعبي موجود في الطوارئ، ولم تثبت المعلومات عن خروجه إلى إدلب في السابق»، أما بلال بدر «فثمة معلومات عن أنه عاد، لكنه يتوارى عن الأنظار، ولم ترصد أي حركة له أو وجود، ولا تأثير له».
وقال المقدح: «الوضع في المخيم مستقر. لا توتر، ولا اقتتال منذ أكثر من عام. ارتاح المخيم لأن المشروع الكبير للمتشددين على حدود لبنان الشرقية تم ضربه، وساهمت الضربات الاستباقية للأجهزة الأمنية اللبنانية والإجراءات الفلسطينية بالتنسيق مع الدولة اللبنانية في إنهاء تحركاتهم، وتحجمت حالاتهم».
ويقول سكان المخيم: إن المطلوبين للدولة اللبنانية، كانوا يقدرون قبل عام 2016 بنحو 150 شخصاً، غادر بعضهم المخيم، في حين أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية البعض الآخر من المطلوبين الخطرين في عمليات أمنية في داخل المخيم بتنسيق مع القوى الأمنية الفلسطينية، في حين سلمت القوى الفلسطينية بعضهم إلى الدولة اللبنانية. أما الباقون في المخيم، فلا يتخطى عددهم أصابع اليد، وغير مؤثرين.
وأشار المقدح إلى أنه بعد تسلم القوى الأمنية زمام الأمن في المخيم إثر موجتي الاقتتال العنيفتين الأخيرتين، سلم 60 مطلوباً أنفسهم للدولة اللبنانية، وهم من الفلسطينيين، في حين سلم بعضهم الآخر نفسه للقوة الفلسطينية التي سلمتهم للسلطات اللبنانية، لافتاً إلى حالات تم تفكيكها بالترهيب والترغيب. وقال: «من بقي من المطلوبين، فهم حتالات لا يشكلون أي كيان، لا تحرك لهم ولا تأثير، ونستطيع التأكيد أن الأمن تحت السيطرة، والوضع الأمني هادئ منذ أكثر من سنة».

فرار المطلوبين

وبينما تم احتواء الفلسطينيين، توالت عمليات فرار المطلوبين من داخل مخيم عين الحلوة في عام 2018، بينهم أربعة من أخطر المطلوبين الذين ينتمون إلى جماعة أحمد الأسير، وهم شقيقه أمجد الأسير، ومرافقه فادي البيروتي، ومدير مكتب الأسير أحمد الحريري، وفراس الدنب، وجميعهم لبنانيون، وتأكد وصولهم إلى مدينة إدلب السورية. وسبق عملية الفرار تلك، حالات مشابهة لعدد من المطلوبين، أبرزهم شادي المولوي، مسؤول «جبهة النصرة»، الذي يُعدّ من أخطر المطلوبين للقضاء اللبناني. ويعد الوحيد الذي بقي في إدلب، في حين يقول أبناء المخيم: إن بعض المطلوبين الذين غادروا باتجاه سوريا، تسرب بعضهم إلى تركيا أو مناطق داخل سوريا.
ويعتبر الشيخ إبراهيم خزعل، المعروف بأبي محمد الفلسطيني، أحد أبرز الفلسطينيين الذين قتلوا في شمال سوريا. وتحدثت تقارير إعلامية عن أنه قُتِل في الساحل السوري، وتحديداً في تلة الكبانة بريف اللاذقية خلال قتاله مع المجموعات المسلحة التابعة لـ«جبهة فتح الشام» في عام 2017. وكان خزعل متهماً بمساعدة كتائب عبد الله عزام في تفجير السفارة الإيرانية في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2013.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».