«دفتر سنة نوبل»... يوميات من حياة ساراماغو

ترك مخطوطته في عهدة زوجته

«دفتر سنة نوبل»... يوميات من حياة ساراماغو
TT

«دفتر سنة نوبل»... يوميات من حياة ساراماغو

«دفتر سنة نوبل»... يوميات من حياة ساراماغو

عشرون عاماً مرّت على تكريمه بجائزة نوبل، وثلاثٌ على رحيله، وما زال جوزيه ساراماغو يضيء بكثافة على دروب الأدب الملتزم الذي كاد يصبح أثراً بعد عين، في مرحلة هي بأشد الحاجة إلى الأقلام التي لا تساوم ولا تركب الموجات السائدة أو تستسلم لمقتضيات السوق.
«دفتر سنة نوبل» هو عنوان الكتاب الذي صدر أخيراً للروائي البرتغالي الذي كان قد ترك مخطوطته في عهدة زوجته، ومساعِدته في كثير من أعماله، في نهاية «عام غير كل ما كان يحيط بجوزيه ولم يغير فيه قيد أنملة»، كما تقول في «المقدمة التفسيرية» للكتاب الذي يتضمن يوميات تلك السنة مع نصوص المحاضرات الأدبية والسياسية التي ألقاها في أوروبا وأميركا اللاتينية.
يلفت الانتباه أن اليوم الذي تلقى فيه ساراماغو نبأ فوزه بالجائزة عندما اتصل به ناشره وهو على وشك الصعود إلى الطائرة في فرنكفورت، الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، لم يخصّص له في دفتره سوى سطرين، كما لو كان يوماً عادياً جداً مرّ عليه مرور الكرام: «مطار فرنكفورت. جائزة نوبل. المضيفة. تيريزا كروز. مقابلات».
كثيرون طرحوا على ساراماغو أسئلة حول ما شعر به، أو تذكّره، عندما بلغه نبأ حصوله على الجائزة، لكنه كان يتهرّب دائماً من الإجابة التي سكب عناصرها الأساسية بعد أشهر في الخطاب الشهير الذي ألقاه أمام الأكاديمية السويدية عند تسلم الجائزة، والذي قال عنه غارسيا ماركيز يومها إنه «أجمل وأعذب ما قرأتُ منذ سنوات».
يسترجع الكاتب مراراً في «دفتر سنة نوبل» ما تضمنه ذلك الخطاب من مشاهد الطفولة الأولى، برفقة جده «... أكثر الناس حكمة ممن عرفتهم، رغم أنه كان يجهل القراءة والكتابة»، ينام الليالي بجانبه تحت شجرة التين في الكرم المحاذي لمنزل العائلة الفقيرة «... في القرية التي كنت أسير في شوارعها حافياً حتى بلوغي سن الرابعة عشرة». ويتذكر: «ذلك الجَد الذي كان يستلقي تحت شجرة التين، وحفيده جوزيه بجانبه، ويدير الحركة في الكون ببضع كلمات».
وعندما يستحضر صورة جدته التي اكتشف متأخراً أنها هي أيضاً كانت تؤمن بالأحلام، يتعجب كيف أنها عندما قالت له يوماً، وهي تحدق في النجوم المتهادية على صدر الليل: «كم هو جميل هذا العالم، وكم أشعر بالحزن لأنني سأموت»، لم تقل إنها تشعر بالخوف، بل بالحزن، رغم أن «حياتها كانت معجونة بالعذاب والكوابيس».
يتحدث ساراماغو في هذه اليوميات عن جَدّه لأمه، البربري الذي جاء من شمال أفريقيا، وجَدّه لأبيه الذي كان راعياً للأغنام، وجَدته التي كان جمالها موصوفاً، وعن والدين كانا «ينضحان قسوة ورأفة في آنٍ معاً»، وعن زهرة معلقة في لوحة على الجدار، ويتساءل: «أي شجرة أفضل من هذه كي أسند ظهري إليها؟».
وبعد أن يتذكر كيف أن والده، عندما شعر بأن ساعته قد دنت، خرج إلى الكرم وراح يعانق أشجار الزيتون ليودعها قبل الرحيل الأخير، يعود بنا إلى ملعبه المفضل حيث اصطراع الثقافات والطبقات الذي يشكل المحور الأساسي لحياته وكتاباته، ويوجه سهامه هذه المرة إلى أوروبا التي «... يجب أن تَمثُل أمام محكمة الضمير العالمي، لو وُجِدت، ليس لكي تحاسَب على الحروب والاجتياحات وإبادة البشر والتطهير العرقي فحسب، بل أيضاً على هذا التشوه الوراثي البغيض وما يولده من فوقية تتعامل بها الدول الأوروبية الغنية مع جاراتها، وتعتبر نفسها أرقى منها ثقافياً»، ثم يقول: «لا توجد ثقافة عالمية كما يحلو للبعض أن يقول، وأعقد الأمل في ألا توجد أبداً، لأنها ستكون نقيض التعددية البشرية. الأرض فريدة، لكن الإنسان متعدّد، وكل ثقافة هي بذاتها عالم مفتوح على الأخذ والعطاء، وما يفصل بينها هو نفسه ما يجمعها، كالبحر الذي يفصل بين القارات ويجمع بينها في آن معاً».
في السادس عشر من يوليو (تموز) يسجل ساراماغو في يومياته أن «قوات الاحتلال الإسرائيلي أخلّت بالقوة عائلات بدوية من مضاربها بالقرب من بيت لحم»، ويعود في أكثر من مناسبة إلى القضية الفلسطينية التي كان من أشد المدافعين عنها، يضعها في صدارة مواقفه الثقافية والأخلاقية التي جعلت منه حالة استثنائية بين أدباء جيله.
وفي الأيام الأخيرة من ذلك العام يدرك بوضوح «مَن كانوا أساتذتي الحقيقيين في هذه الحياة، الذين منهم تعلمت حرفة العيش القاسية هم تلك الشخصيات الروائية والمسرحية التي أرى أنها تعبر اليوم أمامي، معجونة بالحبر والورق، التي كنت أعتقد أنني أنا الذي يوجه مسارها وفقاً لمقتضيات السرد الروائي وانصياعاً لمشيئتي، وأن فعائلها لا يمكن أن تؤثر في نفسي إلا بمقدار ما أحرّك خيطانها في حبكة الرواية. أدرك اليوم أن كتاباتي المتعاقبة، حرفاً غبّ الحرف، وعبارة تلو الأخرى، وصفحة إثر صفحة، وكتاباً بعد كتاب، كانت تزرع فيّ الإنسان الذي أصبح كل الشخصيات التي خرجت من مخيلتي».
وعندما يتذكر ساراماغو الحياة بجانب جَده، يقول: «وفي ذلك الليل الساكن، كانت تتراءى لي نجمةٌ بين الأغصان العالية، ثم تختبئ خلف ورقة، فأدير نظري نحو جهة أخرى من قبة تلك السماء التي تسرح فيها المجرات أنهاراً من الضوء الذي ينساب بهدوء في ذلك الظلام. ومع هبوط النعاس، كان الليل يعمر بالحكايات والمغامرات التي يقصها علي جَدي: أساطير وأحداث غريبة ووفيات قديمة ومعارك بالعصي والحجارة وكلام عتيق يهدهد ذلك الصبي الذي كان يتصور أن جَده كان سيد العلوم والمعارف في العالم».



الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.