ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة

تنفيذ «إصلاحات» المؤتمر الاقتصادي يحسم بين الإنقاذ والانهيار

ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة
TT

ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة

ثمار «سيدر» الموعودة... فرصة لبنان الأخيرة

تحلو للبعض تسمية الحكومة اللبنانية الجديدة - التي أراد لها رئيسها سعد الحريري تسمية «حكومة إلى العمل» - بـ«حكومة سيدر». في إشارة إلى المؤتمر الذي عُقد في العاصمة الفرنسية باريس، في أبريل (نيسان) الماضي، وحصّل خلاله لبنان منحاً وقروضاً ميسرة بقيمة 11.5 مليار دولار أميركي، لإعادة تأهيل بنيته التحتية. ذلك أن القوى السياسية، رغم بعض السجالات الجانبية، ملتزمة على ما يبدو (أقله في المدى المنظور) بالانصراف إلى تعبيد الطريق أمام عشرات المشروعات التي يفترض أن تبصر النور خلال السنوات القليلة المقبلة لانتشال الاقتصاد اللبناني من الأزمة الكبيرة التي يرزح تحتها، ما أدى إلى شح في السيولة، وخاصة بالعملات الأجنبية. ويتعاطى الحريري مع «سيدر» على أنه بداية لعملية تحديث الاقتصاد اللبناني، وإعادة تأهيل البنية التحتية، إضافة إلى إطلاق إمكانات القطاع الخاص، وصولاً إلى تحقيق النمو المستدام.

تكفّل البنك الدولي بتأمين ثلث المبلغ، الذي وعد به المانحون خلال مؤتمر «سيدر»، الذي استضافته العاصمة الفرنسية باريس أخيراً لدعم لبنان، ووعد بمنح وقروض قيمتها 11.5 مليار دولار، بينما تكفلت دول الاتحاد الأوروبي بثلث آخر. أما الثلث الباقي فتعهدت بتأمينه الدول العربية وصناديقها التنموية. ولا تخرج نتائج «سيدر» بأي هبات، بل هي قروض ميسرة بفائدة لا تتعدى الواحد والنصف في المائة، مع فترات سماح تتراوح بين 7 و10 سنوات، وآجال تتعدى 25 سنة.
ولقد بدأت عملياً الاستعدادات للاستفادة من مبالغ «سيدر» ومشاريعه، مع زيارة المبعوث الفرنسي بيار دوكين، المكلف مواكبة تنفيذ مقررات المؤتمر إلى بيروت، أخيراً، حاملاً «رزمة» نصائح للمسؤولين اللبنانيين، مرتبطة بشكل أساسي بوجوب إقرار خطة للإصلاحات في القطاعات المتفق عليها كي تكون الصورة واضحة عند المستثمرين لكسب ثقتهم. وقال دوكين، في اختتام زيارته، إنه استخلص أن لبنان مستعد للبدء بالإصلاحات والاستثمارات.

- انطلاق ورشة الإصلاحات
أطلقت الدولة اللبنانية خلال الأشهر الماضية ورشة لتنفيذ إصلاحات إدارية ومالية، كان مؤتمر «سيدر» قد اشترط تنفيذها، وبدأت بقرارين وجّههما الرئيس الحريري إلى الوزارات والإدارات، دعاها فيهما إلى ترشيد الإنفاق وضبط الهدر، وصولاً إلى إجراءات تأديبية باشرت المؤسّسات القضائية والرقابية اتخاذها. وترافق ذلك مع وضع لجنة المال والموازنة النيابية ملف التوظيفات العشوائية التي حصلت خلال العام الماضي على الطاولة لمحاسبة المرتكبين، بالتزامن مع عمل رئيس المجلس النيابي نبيه برّي على تسريع عملية تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ولعل أبرز الاجتماعات التي عقدها الحريري قبل اجتماعه بدوكين، للبحث في الخطوات اللازمة للإسراع في تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، كان اجتماعه بمدير مكتب البنك الدولي لدول المشرق ساروج كومار جا، وممثلين عن المؤسسات المالية العربية والأوروبية والدولية المانحة. ونوقشت أولوية المشاريع التي يتضمّنها «سيدر»، والتأكيد لأول مرة بعد تشكيل الحكومة بعد 9 أشهر من التعطيل، على دعم كل المؤسسات من جديد للبنان، لتطبيق هذا البرنامج. وجزم البنك الدولي بأن التعهدات المالية التي التزم بها في باريس العام الماضي لا تزال قائمة، معرباً عن تطلعه إلى العمل مع حكومة لبنان، للمساعدة في تطبيق المشاريع ذات الأولوية في مختلف القطاعات.
ويبدو أن التوجّه هو لتشكيل لجنة تقنية، مقرها بيروت، تعقد اجتماعات دائمة كل شهر أو خلال شهرين، وترفع تقاريرها إلى هيئة دولية عليا، مقرها باريس، تتولّى تقويم ما نُفّذ، وأحياناً تتولى إدخال تعديلات على الاستراتيجية الموضوعة لضمان حسن تنفيذ المشروعات التي اتفق عليها في «سيدر». وتحدثت مصادر «الشرق الأوسط» في وقت سابق عن اتفاق بين دوكين والحريري على أن تجتمع الهيئة العليا في باريس على مستوى وزراء، أو على مستوى رئيس الوزراء، بحضور ممثلين عن الدول والمؤسسات المالية المانحة، على أن تكون اجتماعاتها سنوية، مع إمكانية أن تلتئم بصورة استثنائية إذا دعت الحاجة.
ووفق الدكتور نديم المنلا، مستشار رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، فإن التركيز الأساسي في المرحلة الراهنة هو على المواءمة بين المشاريع والتمويل، أي التأكد من أنه لن تحظى بعض القطاعات بتمويل كبير، في حين تبقى قطاعات أخرى من دون تمويل، إضافة إلى ضمان عملية الإسراع في إقرار وتنفيذ المشاريع، بحيث لا تتجاوز الفترة ما بين تحديد المشروع والبدء بالصرف عليه ما بين 12 إلى 15 شهراً.
ومن جهته، يعتبر الخبير المالي والاقتصادي الدكتور غازي وزنة أن المهلة التي حدّدها المنلا «منطقية جداً، فكل مشروع قبل انطلاق تنفيذه يحتاج إلى دراسة لتحديد الجدوى الاقتصادية والمالية منه، على أن ننتقل بعدها لعملية الموافقة عليه من قبل الحكومة، قبل إحالته إلى المجلس النيابي، وصولاً لعرضه على المجتمع الدولي للسير به واختيار الشركات المناسبة لتنفيذه، وهذا مسار طويل يحتاج للوقت». ويشير وزنة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن قدرة الاقتصاد اللبناني أصلاً لا تتخطى المليار أو المليار ونصف المليار من المشاريع الاستثمارية سنوياً، علماً بأن كل مشروع يحتاج 3 أو 4 سنوات للتنفيذ.

- ثلاث مراحل
قُسمت الحصيلة المرتقبة لمؤتمر «سيدر» على 3 مراحل؛ الأولى من 5 سنوات، ورصد نحو 11 مليار دولار لها لتنفيذ 106 مشاريع، علماً بأن 30 في المائة من المبلغ هو من القروض و7 في المائة فقط من الهبات. والثانية رصد لها نحو 6.5 مليار دولار. والثالثة رصدت لها الحكومة اللبنانية نحو 5.8 مليار دولار، ليكون مجموع المبلغ الذي طلبته الحكومة نحو 23 مليار دولار، على أن يتراوح موعد التنفيذ بين 12 و15 سنة.
هذا، وقدّم لبنان خلال مؤتمر «سيدر» رؤية شاملة من أجل الاستقرار والنمو وفرص العمل. وتقوم هذه الرؤية على 4 ركائز متكاملة...
أولاً - برنامج إنفاق استثماري بالبنى التحتية، يتضمّن 250 مشروعاً، بكلفة 23 مليار دولار، مقسّم على 12 عاماً، وينفّذ على 3 مراحل.
ثانياً - إصلاح مالي، بمعدل واحد في المائة سنوياً.
ثالثاً - إصلاحات هيكلية لتحديث الإدارة ومكافحة الفساد وتحديث التشريعات لعمل القطاع الخاص، وإصلاحات قطاعية لتحقيق الفائدة القصوى من الاستثمارات بالقطاعات.
ورابعاً - استراتيجية لتطوير القطاعات الإنتاجية وزيادة حجم الصادرات.
وبحسب الرئيس الحريري، فإن الـ11.5 مليار دولار، التي تم الالتزام بها في مؤتمر باريس، تغطي الحاجات التمويلية للمرحلة الأولى من برنامج الإنفاق الاستثماري، وأكثر قليلاً. ولفت إلى أن المجال ما زال مفتوحاً لمساهمة دول جديدة كالصين واليابان وكوريا الجنوبية، موضحاً أنه يتابع اتصالاته في هذا المجال.

- الفرصة الأخيرة
وفي حين يعتبر خبراء اقتصاديون أن مؤتمر «سيدر» يشكل «خشبة الخلاص» للبنان، يفضّل الدكتور سامي نادر مدير «معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» القول إن ما أقرّه المؤتمر «يشكل الفرصة شبه الأخيرة للبلد لانعدام البدائل، خاصة أنه ضخ سيولة في الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من ضغط في السيولة، إن لم نقل من شح، وخاصة في العملات الأجنبية». ويوضح نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه منذ العام 2011، تاريخ اندلاع الأزمة في سوريا، يمكن الحديث عن «توأمة في العجزين»، أي عجز ميزان المدفوعات وعجز الخزينة، الذي يفاقم العجز الأول، شارحاً أنه في السنوات الـ4 الماضية تفاقم العجز بـ20 مليار دولار، في وقت لم يكبر اقتصادنا إلا بنحو 4 مليارات دولار. ويستخلص: «نحن بحاجة إلى نفقات استثمارية لتكبير الاقتصاد».
من ناحية ثانية، عقدت الجهات اللبنانية المعنية منذ أبريل الماضي اجتماعات ثنائية عدة مع البنك الدولي والبنك الأوروبي ومع كل المؤسسات، جرى خلالها الاتفاق على عدد من المشاريع، على أن تأخذ طريقها إلى مجلسي الوزراء والنواب. ويؤكد المنلا، مستشار الحريري، أنه «لا شروط فرضتها الدول والمؤسسات المقرضة»، رغم الحديث عن ربط تنفيذ المشاريع بإقرار الإصلاحات اللازمة، وعن أن المؤتمر ألزم النازحين (أي اللاجئين) السوريين العمل في المشاريع التي يموّلها. وبينما أشار المنلا إلى أن القانون اللبناني يسمح بعمالة سورية في قطاعات ثلاثة، منها البنى التحتية والبيئة والزراعة، اعتبر أن هذه العمالة «ستكون طبيعية، خاصة أن أكثر من نصف مليون سوري يعملون في البنى التحتية، وهذا أمر ليس غريباً على لبنان، ولا مستحدثاً بسبب النزوح، وذلك نتيجة النقص في العمالة بالبنى التحتية».
الأمر نفسه أشار إليه غازي وزنة، مذكّراً بأن اليد العاملة اللبنانية «غير متوافرة في كثير من المشروعات، كالعمل في الطرقات والسدود والصرف الصحي والبناء». وأوضح أنه لا أرقام دقيقة بخصوص اليد العاملة التي ستستلزمها مشروعات «سيدر»، متحدثاً عما بين 70 و80 فرصة عمل.
أما فيما يخصّها، فقد التزمت الحكومة في بيانها الوزاري، بالتنفيذ السريع والفعال لبرنامج اقتصادي، إصلاحي، استثماري، خدماتي واجتماعي وإنمائي متوازن، يستند إلى الركائز الواردة في رؤية الحكومة اللبنانية السابقة المقدمة إلى مؤتمر «سيدر»، وتوصيات المجلس الاقتصادي الاجتماعي. ووفق البيان، فإن هذا البرنامج هو سلة متكاملة من التشريعات المالية والاستثمارية والقطاعية ومن الإجراءات الإصلاحية التي يرتبط نجاحها بعدم تجزئتها أو تنفيذها انتقائياً، وأن يستكمل بما يقرّ من توصيات دراسة «ماكينزي» الاقتصادية.
أيضاً تم الالتزام بالتسريع في تنفيذ المشاريع التي تيسّر تأمين التمويل لها قبل انعقاد «سيدر»، والتي تقدر قيمتها بــ3.3 مليار دولار أميركي، والشروع في تنفيذ برنامج الإنفاق الاستثماري، كما جاء في مؤتمر «سيدر»، وتقدر قيمته بـ17 مليار دولار أميركي. وسيستثمر هذا المبلغ الأخير على مدى 8 سنوات بعد إقرار المشاريع والأولويات في مجلس الوزراء، ويُلحظ فيه مبلغ 5 مليارات دولار أميركي، من أصل قيمته الإجمالية، ويأتي من القطاع الخاص المحلي والخارجي، ضمن آلية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، على أن تجري مراجعة دورية للبرنامج الاستثماري، بهدف تحديثه وتطويره وفقاً لحاجات الدولة، وأولوياتها، وتأمين التمويل اللازم للاستملاكات.

- شراكة لبنانية - دولية
الحريري وصف مؤتمر «سيدر» بأنه شراكة بين لبنان والمجتمع الدولي، لتأمين استقرار لبنان وتحقيق نمو مستدام وإيجاد فرص عمل للشباب، وشراكة لمواجهة تداعيات أزمة النازحين (اللاجئين) السوريين، ولحماية النموذج اللبناني للسلم الأهلي والعيش المشترك.
هذا، وتعهد البنك الدولي منح لبنان 4 مليارات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتمويل مشاريع استثمارية، حسب ما أعلنت المديرة التنفيذية للمؤسسة الدولية كريستالينا جورجيفا. ومن جهتها، قررت المملكة العربية السعودية تجديد قرض بقيمة مليار دولار، كانت قدمته للبنان في السابق، من دون استخدامه، بحسب نديم المنلا مستشار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. أما بما يخص الدول الأوروبية، فقد منحت فرنسا لبنان 550 مليون يورو من القروض بفوائد مخفضة وهبات لتمويل مشاريع استثمارية. وأعلن السفير الفرنسي لدى بيروت برونو فوشيه أن الاتحاد الأوروبي سيساهم بحجم 150 مليون يورو، وهولندا بـ300 مليون، والمملكة المتحدة بـ130 مليوناً، أما إيطاليا فستقدم 120 مليوناً.

- الكهرباء أولاً
في هذه الأثناء، يرى خبراء اقتصاديون في بيروت أن أهمية «سيدر» تكمن في تبنّيه مشروعات استثمارية يناهز عددها 250 مشروعاً، وفي المبالغ التي رصدها وكيفية توزيعها على قطاعات حيوية، كرصد 5 مليارات دولار لمشاريع النقل والموصلات، و4 مليارات دولار لمشاريع الكهرباء، و5 مليارات دولار لمياه الشرب والري والصرف الصحي، و1.5 مليار دولار للنفايات الصلبة.
ويعتبر هؤلاء الخبراء أن الخطوة الأولى باتجاه انطلاق العمل بمشاريع «سيدر» هي تحقيق إصلاح جذري بقطاع الكهرباء، وهو ما أشار إليه بوضوح البنك الدولي. وتلحظ أي عملية إصلاح - بحسب الدكتور نادر - «ضبط العجز في هذا القطاع» الذي يشكل 30 في المائة من إجمالي العجز العام، وتأمين قوة دفع للاقتصاد من خلال تفعيل استراتيجيات النمو وتخفيض كلفة الإنتاج. أما الدكتور وزنة فيشير إلى «توافق بين القوى السياسية على إعطاء الأولوية لمعالجة أزمة الكهرباء والصرف الصحي»، وإن كانت التحديات تطال المشاريع الأخرى، في ظل خلاف مرتقب على تحديد هذه المشاريع، بحسب الأولوية وتوزيعها مناطقياً.
للعلم، يبلغ عجز الكهرباء في لبنان نحو مليار و800 مليون دولار. ووفقاً للبنك الدولي، فإن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي في لبنان، بسبب الأزمة السورية كانت 18 مليار دولار حتى عام 2015. وارتفعت نسبة الفقر والبطالة بشكل ملحوظ، وانخفضت الصادرات بمقدار الثلث.
وتعتبر دراسات اقتصادية حديثة أن لبنان بحاجة إلى ترشيد الإنفاق الاستهلاكي، وإلى تحسين الإمكانات التصديرية وضبط نمو الاستيراد الوطني. وفي الوقت ذاته، يحتاج إلى ترشيق حجم القطاع العام، وزيادة الاستثمارات الخاصة والعامة، باعتبار أن الاقتصاد اللبناني اقتصاد استهلاكي، يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الاستهلاكي للقطاع الخاص الذي يشكّل نحو 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن حجم القطاع العام يكبر، إذ إن مساهمته الاقتصادية باتت تقارب 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كل هذا في الوقت الذي يساهم الإنفاق الاستثماري الخاص بنحو 42 في المائة، بينما صافي التصدير أو العجز التجاري يساهم سلباً بنحو 38 في المائة من الناتج ذاته.
وفق «المركز اللبناني للدراسات»، فإن «سيدر» فشل في تقديم رؤية إنمائيّة ترشّد الاستثمار، معتبراً أن الوثائق الداعمة تخلط بين تنمية البنية التحتيّة وتلزيم المشاريع، وهي تحصر البنية التحتيّة بقائمة من الصفقات الكبيرة، وتمزج بين مفهوم «التنمية الوطنيّة» وبناء فرادى الطرق السريعة، والسدود، ومحطّات تكرير مياه الصرف، ومعامل توليد الطاقة، وشبكات الألياف الضوئيّة، والمطارات، والمرافئ.
وتعتبر إحدى دراسات «المركز» أنه لا يمكن لتنمية البنية التحتيّة أن تقتصر ببساطة على قائمة من فرادى المشاريع الشديدة الاعتماد على رأس المال. ويرى أنه تفادياً لإجراء رحلاتٍ مستقبليّة إلى باريس، يتوجب على الحكومة إعادة هيكلة أولويّات الإنفاق، واعتماد نظام ضريبي أكثر إنصافاً.

- «سيدر وهواجس «حزب الله»
> إذا كانت كل القوى السياسية اللبنانية تجمع على أهمية الأموال التي رصدها مؤتمر «سيدر» للنهوض بالاقتصاد اللبناني، فإن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، كان قد استبق المؤتمر بالتحذير من أبعاده السياسية والمالية، ورأى فيه «مجرّد إغراق لبنان في الديون، ورهن قراره للخارج».
وتشير مصادر مطلعة على أجواء الحزب إلى أن موقفه لم يتغير بالمطلق، وتذكر هذه المصادر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الحزب سيتعاطى مع مشاريع «سيدر» على «القطعة» وليس بالجملة، بحيث يلجأ إلى التدقيق بالملفات قبل إقرارها، بحيث يمكن أن توافق قيادة الحزب على صفقة بـ5 مليارات دولار، «إذا رأت أنها مفيدة، وترفض أي مشروع آخر». وتكشف المصادر أن الحزب أنشأ لجاناً متخصصة تضم 85 خبيراً ومراقباً، مقسمة على 3 خلايا، لمتابعة هذه الملفات، والشأن الاقتصادي كله، علماً بأنه يولى هذا الشأن أهمية قصوى. وتنحصر مهام الخلية الأولى بجمع المعلومات، بينما تقوم الخلية الثانية بالدراسات القانونية اللازمة، وتراقب الخلية الثالثة تقدير الجدوى. وبحسب المصادر، «اتفق على ألا يُعمم جدول أعمال أي جلسة حكومية على الوزراء - من الآن فصاعداً - قبل 24 ساعة، إنما قبل أسبوع على الأقل، ليتسنى للحزب إجراء الدراسات اللازمة لكل ما ورد فيه».
وهنا، يشير الدكتور غازي وزنة إلى أن «أكثر ما يقلق الحزب (كما تقول مصادره) سوء استخدام الأموال، فيتم تفعيل منطق المحاصصة»، إضافة إلى خوفه من أن تترافق المشاريع مع فرض إجراءات ضريبية جديدة، ووصولاً إلى مخاوفه مما يعتبره «خصخصة غير مدروسة»، باعتبار أن «سيدر» يلحظ إشراك القطاع الخاص بما نسبته 40 في المائة من المشاريع. أما الدكتور سامي نادر، فيرى أن أبرز نقاط ضعف «سيدر» أنه يرتب على الدولة ديوناً كان يمكن تفاديها، فيما لو شكلت الدول المانحة صندوقاً مخصّصاً للاستثمار في لبنان، «لكن حسابات داخلية وخارجية مختلفة عرقلت مثل هذا الخيار».


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.