تشديد الخناق على «جيب داعش» الأخير... وأميركا تتوقع «نهاية وشيكة» للمعركة

واشنطن لا تلتزم بإطار زمني للانسحاب... ورفض غربي لـ«الحل العسكري المدعوم من روسيا وإيران»

TT

تشديد الخناق على «جيب داعش» الأخير... وأميركا تتوقع «نهاية وشيكة» للمعركة

عززت «قوات سوريا الديمقراطية»، العربية - الكردية، مواقعها حول الجيب الأخير لتنظيم «داعش» في شرق سوريا، بانتظار خروج مزيد من المحاصرين داخله، فيما قال المبعوث الأميركي جيمس جيفري إنه لم يبق لـ«داعش» سوى بضع مئات من المقاتلين وأقل من كيلومتر مربع من الأراضي تحت سيطرته في آخر معقل له في سوريا، رغم أنه ربما له ما بين 15 و20 ألفاً من الأنصار المسلحين في سوريا والعراق.
وجاء تشديد الخناق على المقاتلين الأخيرين لـ«داعش» في الباغوز في وقت جددت الولايات المتحدة رفضها لما سمته «الحل العسكري» الذي تدعمه روسيا وإيران في سوريا، بحسب ما جاء في بيان مشترك صدر أمس مع كل من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. وجاء في البيان: «الحل العسكري الذي يأمل النظام السوري في تحقيقه، بدعم من روسيا وإيران، لن يحقق السلام. السبيل الوحيد لإنهاء العنف والصعوبات الاقتصادية وكذلك لضمان تسوية دائمة للصراع هو الحل السياسي المتفاوض عليه. والحل السياسي وحده هو الذي يمكن أن يوفر الضمانات الضرورية لجميع مكونات المجتمع السوري وكذلك لجيران سوريا».
وأضاف البيان الذي صدر بمناسبة مرور ثمانية أعوام على الصراع السوري: «تكرر حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة دعمها للعملية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254 لإقامة سوريا سلمية ومستقرة ولتعزيز المكاسب التي تحققت من خلال تحرير الأراضي من داعش. سوف نستمر في متابعة المساءلة عن الجرائم المرتكبة في النزاع السوري من أجل تحقيق العدالة والمصالحة للشعب السوري. من الواضح أننا لن نفكر في تقديم أو دعم أي مساعدة لإعادة الإعمار حتى يتم إجراء عملية سياسية موثوقة وحقيقية بشكل لا رجعة فيه. يجب على روسيا وسوريا احترام حق اللاجئين السوريين في العودة إلى ديارهم طواعية وأمان، ووضع حد للادعاءات بأن الظروف مناسبة لإعادة الإعمار والتطبيع، وندعوهم إلى المشاركة بجدية في المفاوضات التي وحدها يمكن أن تجلب السلام لسوريا».
وفي إطار الجهود الدولية لدعم اللاجئين والنازحين السوريين، تعهدت الجهات الدولية المانحة خلال مؤتمر عُقد الخميس في بروكسل برئاسة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بتقديم سبعة مليارات دولار لمساعدة ملايين اللاجئين والنازحين السوريين. لكن مصدراً رسمياً في وزارة الخارجية السورية انتقد الجمعة ما وصفه بـ«تباكي» و«نفاق» بعض الدول المشاركة في مؤتمر بروكسل، معتبراً أن «العقوبات الأحادية الجانب اللامشروعة» المفروضة على بلاده تُفقد «الاتحاد الأوروبي أي صدقية عند الحديث عن مساعدة السوريين والتخفيف من معاناتهم»، بحسب ما أورد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ بدء النزاع السوري في العام 2011 عقوبات اقتصادية صارمة على سوريا شملت أفراداً وكيانات، ما يعني تجميد أصولهم وعزلهم مالياً. كما يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أخرى بينها حظر على الأسلحة والنفط وقيود على الاستثمارات.
وفي جنيف، نقلت وكالة «رويترز» عن السفير جيمس جيفري، ممثل أميركا الخاص لسوريا والمبعوث الخاص للتحالف الدولي الذي يحارب «داعش»: «نحن على وشك إنهاء الحملة على طول نهر الفرات لاسترداد آخر أراضي الخلافة (المزعومة). لم يبق سوى بضع مئات من المقاتلين وأقل من كيلومتر من الأراضي». وأضاف أن الولايات المتحدة تساعد «قوات سوريا الديمقراطية» في حراسة أسرى التنظيم، لكنه أوضح أنها ستقوم أيضاً بحملة لدفع الدول إلى استعادة مواطنيها الذين قاتلوا مع «داعش» وعائلاتهم لمقاضاتهم أو إعادة تأهيلهم.
وقال جيفري: «نعتقد أنه يوجد ما بين 15 و20 ألف مناصر مسلح لـداعش لكن معظمهم ضمن خلايا نائمة في سوريا والعراق». وفي تصريحات عبر دائرة تلفزيونية بعد حضور مؤتمر في جنيف بشأن الجهود الإنسانية في سوريا، قال جيفري إن المعركة ستستمر للقضاء على فكر «داعش» ولا يوجد إطار زمني لانسحاب الولايات المتحدة. وستسحب الولايات المتحدة بعض قواتها من سوريا لكنها ستبقي على فرقة في شمال شرقي البلاد وذلك بهدف مواصلة القتال والحيلولة دون حدوث أي فراغ يزعزع الاستقرار. وستُبقي الولايات المتحدة أيضاً على قوة في التنف القريبة من الحدود العراقية والأردنية لتعزيز القوات المحلية في مواجهة «داعش». وقال جيفري، بحسب ما أوردت «رويترز»، إنه في ظل تقليص العدد وتراجع الأعمال القتالية بعد خسارة «داعش» أراضيها في سوريا، فإن النفقات الأميركية ستكون أقل كثيراً. وفي العام الماضي، تكلفت العمليات العسكرية الأميركية في سوريا نحو ملياري دولار من إجمالي الميزانية الدفاعية البالغة قيمتها 700 مليار دولار، وذلك للإنفاق بشكل أساسي على ذخائر دقيقة التوجيه.
ميدانياً، ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن «قوات سوريا الديمقراطية» عملت أمس الجمعة على تعزيز مواقعها حول الجيب الأخير لـ«داعش» في الباغوز، شرق سوريا. وأفاد صحافي في الوكالة بأن خطوط الجبهة في الباغوز شهدت هدوءاً، بينما حلّقت طائرات التحالف الدولي بقيادة أميركية في الأجواء. وأشارت الوكالة إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» أبطأت وتيرة عملياتها منذ ظهر الخميس، ما أتاح خروج نحو 1300 من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم.
وقال قيادي في «قوات سوريا الديمقراطية» لوكالة الصحافة الفرنسية الجمعة إن قواته تعمل منذ الليل على تعزيز مواقعها حول الجيب المحاصر، وهو عبارة عن مخيم عشوائي محاط بأراض زراعية تمتد حتى الحدود العراقية على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، في انتظار خروج المزيد من المحاصرين. وأفاد جياكر أمد، متحدث في الوحدات الكردية التي تشكل المكون الرئيسي في «قوات سوريا الديمقراطية»، الوكالة الفرنسية بـ«احتمال أن تكون العمليات بطيئة الجمعة إفساحاً في المجال أمام خروج المدنيين». وأضاف: «لا نعرف أعداد المتبقين ولا نستطيع أن نقول المئات أو الآلاف»، موضحاً أن «من بقوا في الداخل لديهم عقيدة قوية، فداعش ليس منظمة عادية ويضم انتحاريين كثر سيقاومون حتى النهاية».
وتراجعت وتيرة القتال الخميس بعد ليلة قصف كثيف واشتباكات بدأت الأربعاء إثر شنّ مقاتلي التنظيم الرافضين للاستسلام هجومين معاكسين على مواقع «قوات سوريا الديمقراطية»، مستفيدين من عاصفة رملية تضرب المنطقة ذات الطبيعة الصحراوية. وقالت «قوات سوريا الديمقراطية» إنها تمكنت من صدهما.
وعلى تخوم الباغوز، شاهد صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية بعد ظهر الخميس، مئات من الرجال، بعضهم على عكازات وآخرون مضمدو الأطراف، برفقة نساء منتقبات وأطفال مذعورين وهم يشقون طريقهم صعوداً في مسارات وعرة وضيقة قادتهم من جيب التنظيم في الباغوز إلى قمة جرف صخري تتمركز عليها «قوات سوريا الديمقراطية».
وكانت هذا القوات أعلنت في وقت سابق أن «ثلاثة آلاف إرهابي.. استسلموا» يومي الاثنين والثلاثاء.
وفي باريس، أوردت وكالة «رويترز» أن وزارة الخارجية الفرنسية أعلنت أمس أنها أعادت خمسة أطفال، إما أيتام أو تم فصلهم عن آبائهم في مخيمات بشمال سوريا، لكنها كررت موقفها بأن المواطنين البالغين الذين انضموا لـ«داعش» في الخارج ينبغي أن يظلوا حيث هم لمحاكمتهم هناك.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».