ترقب في واشنطن لاستخدام ترمب حق النقض ضد مشروعين

عقب تصويت مجلس الشيوخ ضد قرار إعلان الطوارئ

ترمب لدى مخاطبته أمس «أصدقاء آيرلندا» في واشنطن (رويترز)
ترمب لدى مخاطبته أمس «أصدقاء آيرلندا» في واشنطن (رويترز)
TT

ترقب في واشنطن لاستخدام ترمب حق النقض ضد مشروعين

ترمب لدى مخاطبته أمس «أصدقاء آيرلندا» في واشنطن (رويترز)
ترمب لدى مخاطبته أمس «أصدقاء آيرلندا» في واشنطن (رويترز)

يترقب المشرعون الأميركيون قرار الرئيس دونالد ترمب بشأن استخدام حق النقض (الفيتو) حيال مشروعين أقرهما مجلس الشيوخ الأميركي، أمس وأول من أمس، أحدهما يتعلق بالدعم الأميركي لتحالف دعم الشرعية باليمن والثاني بإعلان حالة الطوارئ في الحدود مع المكسيك.
وصوت مجلس الشيوخ على قرار يرفض إعلان ترمب حالة الطوارئ على الحدود مع المكسيك لبناء جداره. وفي حين فشل كبير الجمهوريين ميتش ماكونيل في إقناع الأعضاء الجمهوريين الذين يجاهرون بقوة وبشكل علني بدعمهم لقرار الرفض، فشل القرار في الحصول على 67 صوتا لمنع الرئيس من استخدام الفيتو لإسقاطه. وكان ترمب قد كرّر في تغريدات على «تويتر» وفي تصريحات مباشرة، تأكيده على استخدام الفيتو الرئاسي، إذا صوت مجلس الشيوخ على رفض حالة الطوارئ. وأعلن أنه مستعد لمناقشة تعديلات على قانون الطوارئ، لكن ليس اليوم وليس على قراره إعلان الطوارئ.
موقفه الأخير كان السبب الرئيسي في انهيار الجهود التي كان يبذلها السيناتور الجمهوري مايك لي عن ولاية يوتاه لإجراء تعديلات على قانون الطوارئ، علّه ينجح في إنهاء الاعتراضات الجمهورية ويسمح بإعادة بعض السلطات إلى الكونغرس.
ووجد ترمب نفسه مضطرا لاستخدام حق النقض على قرارين صدرا تباعا عن مجلس الشيوخ. الأول ضد قرار وقف الدعم الأميركي لتحالف دعم الشرعية في اليمن، والثاني ضد قرار يحرمه من استخدام 3.6 مليار دولار من أموال وزارة الدفاع في بناء الجدار الحدودي مع المكسيك بعد إعلانه حالة الطوارئ.
وكانت الجهود التي بذلها البيت الأبيض وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون للتوصل إلى حلّ وسط بشأن تشريع منفصل يحد من سلطات الرئيس في إعلان حالة الطوارئ قد انهارت، مما أدى إلى تمسك المعارضين بموقفهم، وإلى حشد كثير من المعترضين غير العلنيين على مواجهة جمهور الرئيس ترمب الذي يدعمه بحماس، أو قبولهم بتوسيع سلطات الرئاسة على حساب الكونغرس.
السيناتور مايك لي أعلن أن الرئيس ترمب اتصل به الأربعاء وأبلغه بشكل هادئ عدم موافقته على الحل الوسط الذي يقترحه، والذي يمنح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ لمدة 30 يوما، شرط أن يحصل بعد ذلك على موافقة الكونغرس بمجلسيه من أجل تمديده. وأضاف أنه قرر إثر ذلك التصويت ضد القرار.
يذكر أن أربعة أعضاء جمهوريين آخرين، هم السيناتور سوزان كولينز عن ولاية ماين وليزا موركوفسكي عن ولاية ألاسكا وراند بول عن ولاية كنتاكي وتوم تيليس عن ولاية نورث كارولينا، قد عارضوا بشدة القرار، رغم أن السيناتور تيليس كان قد لمح إلى إمكانية تغيير تصويته إذا تم التوصل إلى حل وسط.
وقال لي إن الكونغرس منح سلطات تشريعية كثيرة للغاية إلى السلطة التنفيذية، لذلك سيصوت على منع قرار حالة الطوارئ لأن مشروعه الخاص لن يشهد تطبيقا فوريا.
أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، فأعلنت عدم موافقتها على التعديلات المقترحة على قانون الطوارئ، قائلة إنها عملية مكشوفة تستهدف توفير الغطاء للرئيس لانتهاك الدستور، وهو ما لن يمر في مجلس النواب.
ويتمتع الرئيس بموجب قانون عمره أربعة عقود بفسحة واسعة لإعلان حالة الطوارئ الوطنية. ويمكن للكونغرس التصويت لمنع الإعلان، لكن أغلبية الثلثين المطلوبة للتغلب على الفيتو الرئاسي تجعل من الصعب على المشرعين الانتصار. كما لم يسبق أن أعلن الرؤساء حالة الطوارئ بعد أن صوت الكونغرس لحرمانهم من المال للغرض نفسه.
ويعتقد على نطاق واسع أن الفرصة الأقوى لوقف قرار إعلان حالة الطوارئ تكمن في عدد الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل المدعين العامين الفيدراليين والجماعات البيئية وغيرها.
من جهة أخرى، صوّت مجلس النواب بأغلبية ساحقة من الحزبين على قرار يطلب من وزارة العدل الإفصاح علنا عن تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي المحتمل في انتخابات عام 2016، بمجرد أن يسلّمه لوزير العدل. وحصل القرار على 420 صوتا ولم يعترض عليه أحد، باستثناء أربعة أصوات قالوا إنهم «حاضرون».
غير أن القرار لا يجبر وزير العدل ويليام بار على نشر التقرير، لذلك اعتبر كثير من المشرعين الجمهوريين أن التصويت كان «مضيعة للوقت». كما لم يعرف ما إذا كان زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل سيطرح القرار على التصويت. ويخشى الديمقراطيون أن يعمد بار إلى التمسك بصلاحياته وبحجة تطبيق القانون وقواعد وزارة العدل التي تنصح بعدم توجيه اتهام لرئيس حاكم، لدفن التحقيق.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟