السودان: الإعلان عن تشكيلة حكومية جديدة خالية من المفاجآت

«عصيان مدني» جزئي في الخرطوم ومحكمة الاستئناف تبرئ مريم المهدي

البشير خلال لقاء جماهيري جرى أخيراً في الخرطوم (أ.ب)
البشير خلال لقاء جماهيري جرى أخيراً في الخرطوم (أ.ب)
TT

السودان: الإعلان عن تشكيلة حكومية جديدة خالية من المفاجآت

البشير خلال لقاء جماهيري جرى أخيراً في الخرطوم (أ.ب)
البشير خلال لقاء جماهيري جرى أخيراً في الخرطوم (أ.ب)

أعلن رئيس الوزراء السوداني محمد طاهر أيلا، تشكيل حكومته الجديدة، وتتكون من 21 وزيراً اتحادياً، و18 وزير دولة، وذلك بعد أقل من 3 أسابيع من حل الرئيس عمر البشير حكومة الوفاق الوطني، عقب إعلانه حالة الطوارئ في البلاد، في حين شهدت العاصمة الخرطوم «عصياناً مدنياً» جزئياً، برأت خلاله محكمة الاستئناف مريم المهدي، المحكومة بالسجن جراء مشاركتها في موكب احتجاجي، الخميس.
وتلا أيلا، المعين حديثاً، على الصحافيين في مؤتمر صحافي دعي له بشكل عاجل، أسماء الوزراء الجدد، ومعظمهم كانوا وزراء في الحكومة السابقة؛ مما أثار سخرية ورفضاً في أوساط المعارضة، والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي.
وخلت القائمة من أي مفاجئات حسبما كان متوقعاً؛ إذ ضمت كلاً من وزير الخارجية في الحكومة السابقة الدرديري محمد أحمد، الذي احتفظ بمنصبه، في حين احتفظ وزير العدل محمد أحمد سالم بمنصبه، في حين نقل وزير الإعلام السابق بشارة جمعة أورور، ليصبح وزيراً للداخلية، وبقي فضل عبد الله فضل في منصبه وزيراً لشؤون الرئاسة، وتم تعيين وزير الدولة الأسبق للمالية مجدي حسن ياسين وزيراً للمالية والتخطيط الاقتصادي.
كما أبقت التشكيلة الحكومية الجديدة، على عوض بن عوف في منصبه وزيراً للدفاع، إلى جانب منصبه نائباً أول لرئيس الجمهورية، في حين يعد وزير الداخلية الأسبق، أحمد بلال عثمان، أبرز المغادرين، بعد تنقله في وزارات عدة خلال فترة حكم الرئيس البشير.
وأعلن الرئيس البشير الذي ظل يحكم البلاد لقرابة ثلاثين عاماً، في 22 فبراير (شباط) الماضي فرض حالة الطوارئ في البلاد، وحل حكومة «الوفاق الوطني»، ووعد بتكوين ما أسماه «حكومة كفاءات»، من دون محاصصة حزبية.
وقال محللون وقتها: إن قرارات البشير التي تضمنت إلى جانب فرض الطوارئ وحل الحكومة، وإعلان ابتعاده من رئاسة الحزب الحاكم، وتحويل صلاحياته الرئاسية لحاكم شمال كردفان السابق أحمد هارون، الذي تم تعيينه رئيساً للحزب بالإنابة، تحت مبرر التعامل مع الجميع من موقع واحد، جاءت استجابة لمطالب الاحتجاجات والمظاهرات المستمرة في البلاد طوال الثلاثة أشهر الماضية.
ومنذ 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تشهد مدن السودان، بما فيها العاصمة الخرطوم، احتجاجات ومظاهرات شبه يومية، تطالب بتنحي الرئيس عمر البشير وحكومته، واجهتها الحكومة بعنف مفرط أدى إلى مقتل 32 شخصاً بحسب الرواية الرسمية، في حين تقول منظمة مراقبة حقوق الإنسان وأحزاب معارضة: إن عدد القتلى تجاوز الخمسين قتيلاً، إلى جانب مئات الجرحى والمصابين، وآلاف المعتقلين السياسيين.
من جهة أخرى، ألغت محكمة استئناف الطوارئ بأم درمان حكماً بالسجن والغرامة، أصدرته محكمة الطوارئ ضد كريمة المعارض البارز الصادق المهدي، ونائبته في رئاسة حزب الأمة القومي «مريم»، وأمرت بالإفراج عنها على الفور. وقالت المحامية إنعام عتيق لـ«الشرق الأوسط»: إن المحكمة خفضت الغرامة بحق محتجين اثنين آخرين من ألفي جنيه إلى خمسمائة جنيه، وأمرت بالإفراج عنهما مكتفية بمدة الحبس التي قضياها.
وحكمت محكمة الطوارئ بأم درمان، الأحد الماضي، على نائبة رئيس الحزب بالسجن أسبوع، والغرامة ألفي جنيه وفي حالة عدم الدفع السجن لأسبوعين إضافيين، على مشاركتها في احتجاجات دعا لها «تجمع المهنيين السودانيين» وتحالف «قوى الحرية والتغيير» المعارضين.
بيد أن المهدي رفضت دفع الغرامة، وقررت البقاء في السجن إلى حين انتهاء المحكومية الناتجة من عدم دفع الغرامة، وقالت وقتها إنها لن تدفع «أموالاً» قد تستخدمها الحكومة في قمع المحتجين.
وقالت عتيق: إن محكمة استئناف الخرطوم، أصدرت حكماً بالبراءة ضد متظاهرَين، حكم عليهما لمشاركتهما في احتجاجات الخميس الماضي، وأمرت بإطلاق سراحهما.
وفي سياق متصل، أوصدت مؤسسات وشركات خاصة، ومحال تجارية وجامعات أبوابها، مستجيبة لدعوة تجمع المهنيين لـ«عصيان مدني» جاءت الاستجابة له «جزئية»، وذلك ضمن تنويعاته للأشكال الاحتجاجية التي دأب على الدفع بها طوال الثلاثة أشهر الماضية.
وقال التجمع - نقابي معارض - في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أمس: إن الكثير من المواطنين استجابوا لدعوته للعصيان المدني، بما في ذلك شركات ومؤسسات خاصة، ومحال تجارية في أنحاء العاصمة الخرطوم.
وأضاف بيان التجمع: إن المشاركة في العصيان، بدت لافتة في وسط الخرطوم، ومناطق بمدينة بحري، وأحياء الرياض، وعدد من الشوارع، وبينها شارعا «عبيد ختم، والستين» الشهيران.
وبحسب متابعات «الشرق الأوسط»، فإن محال تجارية في شارع الجمهورية، أحد أشهر شوارع الخرطوم، أغلقت أبوابها، إضافة إلى عدد من الصيدليات وعيادات الأطباء في الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري.
ولم تتأثر دواوين الحكومة بالدعوة للعصيان المدني، في حين شهدت منطقة وسط الخرطوم «يوماً عادياً»، على الرغم من انخفاض حركة السير، وخلو نسبي للشوارع من المركبات الخاصة والعامة، وقلة عدد الركاب في بعض محطات النقل العام.
ودعا تجمع المهنيين، وحلفاؤه في «قوى الحرية والتغيير»، إلى «عصيان مدني» باعتباره «تمريناً وخطوة جديدة في الطريق التي نسير فيها»، وقال: «جربنا الإضراب، ووصلنا ليوم عصيان، لتقييم نقاط قوتنا وضعفنا»؛ وذلك استعداداً لما أطلق عليه «الحفلة الكبرى»، بيد أن المشاركة في العصيان أمس كانت جزئية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».