عودة جماعية للأموال السعودية المهاجرة بدعم من انتعاش اقتصاد المملكة

أجبر ضعف النمو وخطط التقشف التي تنتهجها أغلب دول منطقة اليورو، عددا كبيرا من المستثمرين السعوديين على العودة للسوق المحلية، تفاديا لخسائر أكبر، رغم الإجراءات التي اتخذها عدد من الدول الأوروبية للنهوض باقتصادها وتقليص نسب البطالة لديها.
وأكد مسؤولون في الغرف التجارية الخليجية والفرنسية، أن عددا غير معلوم من المستثمرين السعوديين والخليجيين، عادوا للأسواق المحلية، وتحديدا السوق السعودية، التي تشهد جملة من المشاريع الكبرى على مستوى المنطقة، تتمركز في البنية التحتية، وتوسعة الحرمين الشريفين التي تعد التوسعة الأكبر في التاريخ، فيما عمد عدد من المستثمرين إلى تحويل جزء من استثماراتهم في منطقة اليورو لقطاع العقارات، من خلال شراء الفنادق والمواقع السياحية التي سجلت تراجعا ملحوظا في السنوات الماضية.
ولفت المسؤولون في الغرف التجارية، إلى أن الخيار الأمثل لهذه الاستثمارات التي سجلت خسائر مالية منذ ظهور الأزمة في منطقة اليورو، هو السوق السعودية التي سجلت نموا ملحوظا في المجالات كافة، بمعدل 6.8 في المائة في عام 2012، وهو الاقتصاد الأكثر استقرارا، حيث حقق أرقاما قياسية في السنوات الماضية وحصل على المرتبة الخامسة عالميا في «الحرية المالية»، فيما يعد النظام «الضريبي» المعمول به في السعودية، الذي يحتل المرتبة الثالثة على مستوى العالم، من أهم الأنظمة المرنة التي تساعد على استقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وسجلت نهاية 2013، بحسب اقتصاديين، زيادة في فتح الحسابات الحالية لدى البنوك السعودية العاملة في البلاد، من قبل مستثمرين، وذلك تمهيدا للدخول في مشاريع استثمارية في القطاعات كافة التي تشهد ثورة ونموا متزايدا، إضافة إلى المشاريع العملاقة التي أطلقتها السعودية والمتمثلة في مشروع النقل العام، وبناء الوحدات السكينة، إضافة إلى سوق الأسهم التي سجلت ارتفاعا تخطت به العشرة آلاف نقطة خلال الأيام الماضية.
وقال الدكتور صالح الطيار، أمين عام الغرفة العربية الفرنسية «إن الآونة الأخيرة شهدت خروج الكثير من المستثمرين من السوق الأوروبية التي أصبحت متزعزعة بسبب إجراءات التقشف التي اتخذتها غالبية الدول في منطقة اليورو، والذي كان واضحا في ميزانيات 2013، مع خفض الإنفاق العام، تحسبا من رفع الدين العام، فيما رفع عدد من الدول الضرائب عما هو مسجل في أعوام سابقة، وخفضت سعر الفائدة، وعمد عدد كبير من المستثمرين الخليجيين إلى تحويل جزء من استثماراتهم لشراء العقارات الكبرى ومنها الفنادق والمنتجعات السياحية».
وأضاف الطيار أن ما سجل من تحرك في السنوات الماضية، لتخفيف الآثار الجانبية من الأزمة، والمتمثل في بيع عدد من الدول أصولها العقارية لتسيير أمور الدولة، وهو ما استفاد منه المستثمرون الخليجيون في هذه الفترة لتعويض خسائرهم في مشاريع أخرى وتقديم القروض المالية للبنوك في المنطقة، لم يفلح في تخفيف المخاوف لدى المستثمرين على وجه العموم، وتحديدا المستثمرين الخليجيين، الذين ارتأوا الخروج من السوق بأقل الخسائر والعودة إلى السوق السعودية لتنوع الفرص الاستثمارية المتاحة.
من جهته، رأى مروان الشريف، مختص في الشأن المصرفي، أن نمو الودائع الادخارية والحسابات الحالية في البنوك السعودية، مؤشر كبير على عودة عدد من المستثمرين الذين لم يمكن حصرهم في الوقت الراهن، مؤكدا أن هناك ارتفاعا ملحوظا في البنوك المحلية في هذا الشأن.
ولفت إلى أن الأوضاع في منطقة اليورو، وما يسجله خام النفط والذهب في التداولات، عوامل رئيسة في عودة المستثمرين للسوق المحلية، وذلك بهدف تعويض الخسائر والوجود في أسواق أكثر أمانا.
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة من الجهات المعنية لتعافي الاقتصاد الأوروبي التي كان آخرها، توجه البنك المركزي الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات تحفيزية إضافية في اقتصاد منطقة اليورو، في حال استمر التضخم في الانخفاض، إلا أن هذه المحفزات والإجراءات لم تمنع المستثمرين السعوديين من الخروج وتعويض خسائرهم في أسواق أكثر أمانا.
ويبدو بحسب الاقتصاديين، أن التوجه لدى رجال الأعمال السعوديين للاستثمار في دول أوروبا وآسيا، انخفض عما كان عليه قبل عشر سنوات، وذلك بعد أن سجل الكثير من الأسواق الكبرى على مستوى العالم هزات كبيرة أدت إلى خروج شركات وبنوك مالية من السوق الاقتصادية، مقارنة بما تعيشه السوق السعودية من طفرة وانفتاح على دخول الاستثمارات الأجنبية وعودة الاستثمارات المهاجرة التي ستشكل قوة اقتصادية مضافة.
وهو ما ذهب إليه عبد الرحيم نقي، الأمين العام لاتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي، حيث قال «إن الاقتصاد السعودي يعد من أهم وأقوى الاقتصادات الموجودة في المنطقة العربية، خاصة أن السعودية أطلقت جملة من المشاريع الاستثمارية الكبرى في البنى التحتية والمتضمنة مشروع النقل الذي يعد الأهم والأكبر في منطقة الخليج، إضافة إلى مشروع توسعة الحرمين الشريفين، وهي مشاريع تدفع المستثمرين الخليجيين والسعوديين الكبار للعودة إلى السوق المحلية»، لافتا إلى أن السوق السعودية والاقتصاد الخليجي عموما، يعدان بيئة آمنة وجاذبة لجميع المستثمرين.
وعما سجله اتحاد الغرف الخليجي للاستثمارات العائدة، قال نقي «لا توجد إحصاءات أو أرقام لعدد المستثمرين الذين عادوا، ولكن هناك شيئا ملموسا من عودة المستثمرين للسوق المحلية، يتضح من البنوك ونسبة الدخول في المشاريع الكبرى من رجال أعمال سعوديين».
ولفت إلى أن دور اتحاد الغرف يتمثل في التنسيق مع مجالس الغرف المشتركة، والأمانة العامة لمجلس التعاون، لدعم القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، والخليجيين للاستثمار في المنطقة، مع العمل على تحسين البنية التحتية، وإعادة النظر في القطاع الخاص الخليجي.