الحقوق والحريات... محلياً ودولياً

كتاب كردي عن دور السلطات الثلاث في حمايتها

الحقوق والحريات... محلياً ودولياً
TT

الحقوق والحريات... محلياً ودولياً

الحقوق والحريات... محلياً ودولياً

صدر قبل فترة كتاب «دور السلطات الثلاث في حماية الحقوق والحريات» لمؤلفه الدكتور خاموش عمر، أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية - الفرنسية في أربيل.
ويتألف الكتاب الصادر، عن دار زين الحقوقية والأدبية، للطباعة والنشر في بيروت، من أربعة فصول تضم (315) صفحة من القطع المتوسط.
يقول المؤلف في مقدمته، إن «الحقوق والحريات تكتسب أهمية بالغة على المستويين المحلي والدولي بيد أن أهميتها تختلف من دستور لآخر بحسب الآيديولوجية المتبعة في النظام السياسي، مؤكداً أن السلطة التشريعية المسؤولة عن سن القوانين والتشريعات، ينبغي لها الأخذ بعين الاعتبار والأهمية النصوص المتعلقة بحماية الحقوق والحريات، بموازاة التزامها بالأطر القانونية وتفادي سوء استخدام الصلاحيات الممنوحة لها، وعدم التنازل عن اختصاصاتها».
ويتناول الكتاب في فصوله الأربعة ماهية الحقوق والحريات، وتقسيماتها ومفهوم الحقوق والحريات العامة وتقسيماتها، والآليات القانونية الموضوعة لحمايتها، إلى جانب شرح مسهب ووافٍ لمفهوم الحقوق والحريات العامة والشخصية، وكيفية ممارستها في سياق الأطر القانونية المرسومة لها.
ويتطرق كذلك إلى علاقة دستور البلاد بالحقوق والحريات العامة، والقوانين والتشريعات المتعلقة بها، وأنماط الحريات العامة المنصوص عليها في الدساتير العرفية، إلى جانب الآليات القانونية الموضوعة لحماية حقوق وحريات الأفراد، مثل حرية الفكر وحرية الرأي والتعبير، وحرية اعتناق الأديان والمذاهب، وحق التعليم. ويحلل المؤلف ارتباط كل ذلك بالحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مثل حرية تأسيس الأحزاب السياسية وحق المشاركة السياسية، وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع والتظاهر، إضافة إلى أبواب تتعلق بحق العمل، وحق الملكية وكذلك الحريات الاقتصادية. ثم يستفيض المؤلف في دراسة هذه المواضيع في ضوء القوانين والدساتير المصوغة في الدول المتقدمة والمتحضرة التي تحرص أنظمتها السياسية عل ضمان حقوق الفرد وحرياته بموازاة ضمان الحقوق العامة في البلاد.
وفي جانب آخر من الفصل الأول، يتناول المؤلف الحرية الشخصية، مؤكدا أن هذه الحرية تأتي في مقدمة الحقوق الأخرى، لكونها متعلقة بذات الإنسان وكرامته وأمنه، وحرمة مسكنه، وحرية التنقل، وحق الأمن وحق اللجوء.
وفي الفصل الثاني من الكتاب يركز المؤلف على سلطة المشرع في مجال تنظيم مسألة الحقوق والحريات، ويسلط من خلاله الأضواء على السلطة التقديرية للمشرع، وتعريف تلك السلطة وأساسها ومصادرها، إلى جانب مواضيع أخرى ذات علاقة، مثل كيفية تنظيم المشرع للحقوق والحريات العامة، والجوانب التي تقيد المشرع في هذا المضمار، وغيرها من الأبواب ذات الصلة.
وفي الفصل الثالث، يركز المؤلف على الدور الذي تلعبه السلطة التنفيذية، في حماية الحقوق والحريات العامة، ويلقي الضوء في بضعة أبواب على علاقة الحكومة بالحريات العامة وكيفية المحافظة عليها، والدور الذي يمكن للحكومة أن تؤديه عند غياب نصوص قانونية، ودستورية تتعلق بالحريات العامة وحمايتها.
وفي الفصل الرابع والأخير من الكتاب، يتناول المؤلف بشكل مفصل، دور وأهمية القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات، وماهية القضاء الدستوري واختصاصاته. واعتمد المؤلف في تأليف كتابه على 166 مصدراً من الكتب والمراجع القانونية العربية وأربعة مراجع أجنبية، إضافة إلى نحو مائة أطروحة ورسالة جامعية ذات علاقة بالموضوع.



«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو
TT

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

في روايتها «عشبة ومطر» دار «العين» للنشر بالقاهرة - تختار الكاتبة الإماراتية وداد خليفة الثقافة العربية سؤالاً مركزياً حائراً بين واقع مشوّش ومستقبل مجهول، حيث تبدو اللغة والتاريخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما الأخيرة للصمود داخل قِلاعها العربية نفسها.

وتعتمد الروائية على تقنية الأصوات المتعددة لتعميق صراعات أبطالها مع عالمهم الخارجي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يتفاعلان من خلالها مع دوائرهما التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة في مقابل الانسحاق في مدّ «الثقافة العالمية» المُعلبّة، ولغة التواصل «الرقمية»، فتبدو بطلة الرواية التي تنتمي إلى دولة الإمارات وكأنها تُنازِع منذ أول مشاهد الرواية من أجل التواصل مع محيطها الأسري بأجياله المتعاقبة، حيث تُقاوم النزعة «السائدة» في ذلك المجتمع العربي الذي بات أفراده يتحدثون الإنجليزية داخل بيوتهم، ولا سيما أجيال الأحفاد وسط «لوثة من التعالي»، «فهؤلاء الأبناء لا يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركيك»، في حين تبدو محاولات «عشبة» استدراك تلك التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإماراتي أقرب لمحاربة طواحين الهواء، فتأتيها الردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «لا تكبّري المواضيع!».

صناديق مفتوحة

يتسلل هذا الصوت النقدي عبر شِعاب الرواية، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلاقة مع الماضي بذاكرته الجمعية التي تتقاطع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد المعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية سواء المحلية، وعلى رأسها المخاض الطويل لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وحتى سياقات الحروب والنكبات العربية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً لمجازر «صبرا وشاتيلا» الدامية في لبنان 1982 والنزف الفلسطيني المُستمر، في محطات تجترها البطلة بعودتها إلى قصاصات الأخبار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مجلات وصحف عربية لتؤرشفها وتُراكمها عبر السنوات داخل صناديق، ليصبح فعل تقليبها في هذا الأرشيف بمثابة مواجهة شاقّة مع الماضي، بينما تبدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادلاً للحفظ الإلكتروني والملفات الرقمية التي قد تتفوق في آلياتها وبياناتها، وإن كانت تفتقر إلى حميمية الذكرى، وملمس المُتعلقات الشخصية التي تنكأ لديها جراح الفقد مع كل صندوق تقوم بفتحه: «أعدت غطاء الصندوق الذي يحتاج مني إلى جرأة أكبر لنبشه، ففي الصندوق ثوب فلسطيني طرَّزته أمٌ ثكلى من بئر السبع... أم صديقتي سميرة أخت الشهيد، ودفتر قصائد نازقة دوّنته صديقتي مها من غزة... صورٌ لزميلاتي بالعمل من جنين ونابلس ورام الله... رسائل من صديقتي ابتسام المقدسية... ومن حيفا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي».

بالتوازي مع تنقّل السرد من حكايات صندوق إلى آخر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شغفه بمجال «الأنتيك» والآثار القديمة لتتبع مساراتها في مزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مافيا القطع الأثرية، كما تقوده إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية التي تُباع بالملايين في صالات الأثرياء، كحكاية «مرآة دمشقية» ظلّ صاحبها يتتبعها حتى وصلت لقاعة مزادات «كريستيز» حاملاً معه ذكرى حكاية جدته وأسرته وتشريدهم، وتصنيعهم تلك المرآة بأُبهتها الزخرفية والفنية في غضون ظروف تاريخية استثنائية خلال فترة سيطرة الحكم العثماني في دمشق.

نهب ممنهج

تبدو الرواية التي تقع في 350 صفحة، وكأنها تمنح حضوراً سردياً للقطع الأثرية المفقودة، والمنهوبة، بصفتها شواهد تاريخية تتعقب «تُجار الممتلكات الثقافية»، ودور المزادات، وأمناء المتاحف، وسط متاهات تزوير الوثائق الخاصة بالقِطع وشهادات المنشأ، وتهريب القطع من بلادها، ولا سيما بعد الربيع العربي والحروب الأهلية التي أعقبته، لتفتح ساحات السرقة الممنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية، كما في تونس ومصر وسوريا والعراق، في حين تبدو قصص القطع المفقودة أُحجيات تتبعها الرواية وتحيكها بخيوط نوستالجية تمدّها الكاتبة على امتداد السرد.

تعتني لغة الرواية بالوصف الدقيق للتفاصيل الجمالية التي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد الأصيل وأنواله التقليدية، والزخارف الغرناطية العتيقة على الأسطح، في مقابل ثقافة «الماركات» الاستهلاكية التي تُميّع الذوق العام، والحروف اللاتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية.

وقد حازت رواية «عشبة ومطر» أخيراً جائزة «العويس للإبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلاً، وأصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة، لكن والدك أبهرته فنون بغداد، فجلب منها مطرقتين، مثبتاً المطرقة الأكبر في الأعلى للرجال والمطرقة الأصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الطارق، فكنا نُميّز الطارق رجلاً أم امرأة من صوت المطرقة)... بِتُ أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمي الثلاث، وتعرف أمي طرقاتي المتسارعة، كان هناك طَرقٌ مُبشر، وطرقٌ يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة الأطفال».