«أسبوع بريكست» ينطلق غداً بتصويت جديد على اتفاق ماي

هانت يحذّر من تأجيل موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي ويعتبره محاولة لإلغائه

«أسبوع بريكست» ينطلق غداً بتصويت جديد على اتفاق ماي
TT

«أسبوع بريكست» ينطلق غداً بتصويت جديد على اتفاق ماي

«أسبوع بريكست» ينطلق غداً بتصويت جديد على اتفاق ماي

يعقد مجلس العموم البريطاني هذا الأسبوع 3 جلسات تصويت حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، ستحدد مصير بريكست وعلاقة لندن بالمؤسسات البريطانية.
وحذّر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، أمس، من تداعيات رفض النواب مجدداً لخطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي ستطرح للتصويت غداً الثلاثاء، معتبراً أن تأجيل موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تنظيم استفتاء شعبي ثان، والتراجع عن قرار الخروج.
وكان مجلس العموم البريطاني رفض قبل شهرين اتفاق الانسحاب بأغلبية ساحقة، وطلب من رئيسة الوزراء تيريزا ماي التفاوض مجددا مع المفوضية الأوروبية للتوصل إلى اتفاق أفضل، إلا أن قادة الاتحاد الأوروبي رفضوا طلباتها واعتبروها مستحيلة، وحذر عدد من النواب أنه في حال لم يحدث اختراق خلال الساعات الـ24 المقبلة، فإن هزيمة ثانية للاتفاق في البرلمان هي «أمر حتمي».
في حال رفض النواب اتفاق ماي كما يتوقع، فإن مجلس العموم سيصوت الأربعاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق وهو سيناريو ترفضه غالبية النواب، لينتقل النواب للتصويت الخميس على تأجيل موعد بريكست إلى ما بعد 29 مارس (آذار).
ويحذّر كل من مجتمع الأعمال والمصارف والقطاع الخدماتي من سيناريو خروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق بعد 46 عاما من العضوية، معتبرين تداعياته «كارثية». وقد دفعت المخاوف المرتبطة ببريكست بشركات عالمية إلى إغلاق مصانعها في بريطانيا أو نقل فروعها الرئيسية إلى عواصم أوروبية أخرى.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، تواصلت المحادثات بين الطرفين في بروكسل للحصول على ضمانات قانونية يمكن أن تقنع النواب بدعم الاتفاق. ويتوقع أن تقوم ماي بزيارة في اللحظات الأخيرة إلى العاصمة البلجيكية إذا لزم الأمر، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. إلا أنه من غير المتوقع الحصول على تنازلات كبيرة قبل تصويت يوم غد، وسعت ماي بدلا من ذلك إلى تذكير النواب بالمخاطر التي تواجهها البلاد.
وحذرت في كلمة الجمعة من أن رفض اتفاقها مرة أخرى سيدخل البلاد في أزمة كبيرة. وخاطبت ماي النواب قائلة: «ادعموا الاتفاق وستغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي. أما إذا رفضتم الاتفاق، فلا أحد يعلم ما الذي سيحدث... فقد لا نخرج من الاتحاد الأوروبي لأشهر كثيرة. وقد نخرج دون الحمايات التي يوفرها الاتفاق. وربما لا نغادر مطلقا».
وأجبرت المخاوف من الخروج من دون اتفاق، تيريزا ماي على الموافقة على أنه في حال عدم موافقة البرلمان على اتفاق، فسيكون بإمكان النواب التصويت على خيار الخروج «من دون اتفاق»، أو إرجاء موعد البريكست الخميس.
إلا أن هانت اعتبر أن أي تأجيل لن يساعد سوى الساعين إلى إبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من خلال إجراء استفتاء ثان. وصرح لهيئة الإذاعة البريطانية: «هناك خطر واحتمال أن نخسر بريكست إذا صوتنا بالطريقة الخاطئة خلال الأسبوعين المقبلين».
في المقابل، وفي كلمة ألقتها في ميناء الصيد بمدينة غريمسبي في بحر الشمال والتي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء 2016 طلبت ماي من بروكسل «بذل جهد إضافي» للتوصل إلى اتفاق.
وقالت إن بريطانيا قد لا تخرج من الاتحاد إذا لم تقدّم لها بروكسل المساعدة الآن. وأكّدت ماي أن الاتفاق يحتاج «إلى دفعة أخيرة صغيرة لتبديد المخاوف الأخيرة والمحددة لبرلماننا». وقالت إن «القرارات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي خلال الأيام القليلة المقبلة سيكون لها تأثير كبير على نتيجة التصويت».
وتتركز المحادثات بين الطرفين على ما يسمى بـ«شبكة الأمان»، وهو ترتيب في اتفاق بريكست يهدف إلى إبقاء الحدود مفتوحة على الحدود الآيرلندية. ويُبقي الاتفاق بريطانيا في الاتحاد الجمركي الأوروبي وأجزاء من سوقه الموحدة إلى حين التوصل إلى طريقة أخرى - مثل إبرام اتفاق تجارة - لتجنب عمليات التفتيش على الحدود.
ويخشى بعض النواب من حزب ماي المحافظ، أن تُبقي تلك التسوية بريطانيا عالقة في اتحاد جمركي لوقت طويل مع الاتحاد الأوروبي، ويطالبون بتحديدها زمنيا. وأكّد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه الجمعة أن الاتحاد يمكن أن يعرض على بريطانيا بيانا ملزما قانونيا يؤكد أن «خطة الأمان» ستكون مؤقتة.
وصرح للصحافيين عقب كلمة ماي «نحن لا يهمنا تبادل الاتهامات، بل التوصل إلى نتيجة».
غير أنه من غير المرجح أن يكون ذلك كافيا لإقناع منتقدي ماي في مجلس العموم الذي رفض الاتفاق في يناير (كانون الثاني) بأغلبية 230 صوتا.
أما حزب العمال، وهو الحزب المعارض الرئيسي في البلاد، فيعارض الاتفاق رغم وعود ماي لعدد من نوابه بحماية حقوق العمال وتوفير مبالغ جديدة للبلدات الفقيرة. وفي حال رفض الاتفاق الثلاثاء، يُتوقع أن يصوت النواب ضد الخروج «من دون اتفاق» الأربعاء، ما يمهد الطريق للتصويت لإرجاء بريكست الخميس.
وتعرض ماي إمكانية الإرجاء «القصير والمحدود» للخروج، رغم أنها تعارض ذلك بنفسها، مؤكدة أن على النواب في النهاية اتخاذ قرار حول مستقبل بريطانيا. ولحدوث التأجيل يجب الحصول على موافقة قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 الذين سيعقدون قمتهم المقبلة في بروكسل في 21 و22 مارس، أي قبل أسبوع من موعد بريكست.
وقال حزب العمال إنه سيدعم تأجيل بريكست أشهرا قليلة، سيحاول خلالها إقناع نوابه دعم خطته البديلة بإنشاء اتحاد جمركي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بعد بريكست. وأكد المتحدث باسم حزب العمال، كير ستارمر، أنه لن يطرح الثلاثاء خطة لإجراء استفتاء ثان على بريكست، إلا أنه أكد أن الحزب يحتفظ بحق القيام بذلك في وقت لاحق.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟