يتصاعد جدلٌ هذه الأيام في الأوساط السياسية والقانونية العراقية حول دور مكاتب المفتشين العموميين في محاربة الفساد المستشري في وزارات الدولة ومؤسساتها وهيئاتها المستقلة. ففيما ترى كتل وشخصيات سياسية عدم جدوى مكاتب المفتشين، ويقللون من أهمية دورهم في كشف ملفات الفساد، وتالياً تمكنوا أول من أمس من التصويت على مقترح إلغاء مكاتب المفتشين في البرلمان، تدافع اتجاهات غير قليلة، سواء في البرلمان، أو بين أوساط الحقوقيين والقضاة، عن أهمية الدور التي تضطلع به مكاتب المفتشين في مؤسسات الدولة المختلفة.
وكان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، تحدث أول من أمس، عن وجود أكثر من 40 ملفاً للفساد ضمن خريطة عرضها أمام مجلس النواب، ووعد بمتابعتها، وضمنها ملفات تهريب النفط، والتلاعب بعقارات الدولة، والمنافذ الحدودية والجمارك، وتجارة الذهب وتهريبه، والسجون ومراكز الاحتجاز، والنازحين.
ويبدو أن ملف المفتشين مثار خلاف بين تحالفي «الإصلاح» الذي يدعمه مقتدى الصدر، و«البناء» الذي يرأسه هادي العامري، فهناك أعضاء وكتل في «البناء» وقفت وراء مقترح إلغاء المفتشين في البرلمان، فيما يطالب «الإصلاح» بإصلاح منظومة عملهم وليس إلغاءها.
في هذا الاتجاه، يقول رئيس كتلة «الإصلاح» النيابية صباح الساعدي، إن «عملية مكافحة الفساد لا يمكن أن تنجح ما لم توجد إرادتان؛ الأولى حكومية ناجزة، والثانية سياسية برفع الحصانة السياسية عن ملفات الفساد والأشخاص الفاسدين».
وحول ملف المفتشين العموميين، شدد الساعدي، في بيان، على ضرورة «إعادة النظر في المفتشين العمومين وتقييمهم تقييماً واقعياً بعيداً عن الحسابات السياسية، مع ملاحظة مهامهم وواجباتهم التي لا يمكن أن يقوم بها غيرهم».
ويتفق رئيس هيئة النزاهة الأسبق رحيم العكيلي على أن الدور الذي تقوم به مكاتب المفتشين العموميين مختلفٌ تماماً عن الدور الذي تقوم به هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «يخطئ من يظن أن بإمكان ديوان الرقابة المالية أو هيئة النزاهة أو الادعاء العام القيام بالدور نفسه». ويضيف: «نعم... تجربة بعض مكاتب المفتشين فشلت وجاملت، وبعضها تورط في الفساد، لكن الفشل والفساد في مؤسسة لا يعالج بإلغاء المنظومة كلها، وزارات كثيرة، ضمنها الكهرباء والتربية والصناعة، فشلت في عملها منذ سنوات، فهل يعني ذلك إلغاءها؟».
ويرى العكيلي أن «العيب ليس بالنظام التفتيشي ولا بالمنظومة، إنما تكمن أسبابه في مواطن أخرى ينبغي التعامل معها وإيجاد الحلول المناسبة لها». ويعتقد أن «إلغاء مكاتب المفتشين يعني فسح المجال واسعاً، أكثر منه الآن، للسرقات وممارسات الفساد بلا حدود، وأدوات الرقابة يجب أن تكون عيون الشعب ضد السلطات».
كذلك يطالب مسؤول سابق في دائرة المفتشين العمومين بإصلاح منظومة العمل، والمجيء بأشخاص كفء لمكاتب التفتيش وليس إلغاءها. ويقول المسؤول الذي يفضّل عدم الإشارة إلى اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مكاتب المفتشين تجربة جاء بها الأميركيون إلى العراق، وهدفها أن تكون اليد الضاربة بيد الوزير لملاحقة حالات الفساد والتحقيق في المخالفات المالية والإدارية في وزارته، على أن يكون المفتش مستقلاً مالياً وإدارياً عن الوزير». ويضيف: «في عام 2008 شكلت لجنة مشتركة مؤلفة من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والأمانة العامة لمجلس الوزراء، بهدف ترشيح وإقالة المفتشين العموميين واختيار عناصر ذات كفاءة». لكن عمل تلك اللجنة، والكلام للمسؤول، «تعرض للتصدع لاحقاً نتيجة اختيار عناصر غير جيدة تحت ضغوط مارستها حكومة رئيس الوزراء حينذاك نوري المالكي، لذلك برز كثير من المفتشين الفاسدين». ويشير إلى أن «اجتهادات وتصرفات دمرت عمل منظومة المفتشين، بحيث وصلت الأمور إلى أن يصبح المفتش تابعاً للوزير، ويحصل على إجازاته الاعتيادية منه، ما تسبب في شل حركة المفتش وعدم قدرته على المحاسبة».
من جانبها، طالبت مفوضية حقوق الإنسان بـ«تفعيل المادة 5 من قانون جهاز الادعاء العام»، بالتزامن مع خطوات البرلمان لإلغاء مكاتب المفتشين العامين. وقال عضو المفوضية على البياتي، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، «لغرض عدم ترك فراغ داخل الوزارات والهيئات المستقلة في مجال الرقابة المالية والإدارية ومكافحة الفساد، نطالب بتفعيل المادة 5 من البند 14 من قانون جهاز الادعاء العام»، مشيراً إلى أن من اختصاصات الادعاء العام الواردة في القانون هي «التحقيق في جرائم الفساد المالي والإداري وجميع الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات».
جدل عراقي حول دور المفتشين العموميين في محاربة الفساد
جدل عراقي حول دور المفتشين العموميين في محاربة الفساد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة