الأوركسترا والباليه الكوريان يبهران جمهور مهرجان أبوظبي بـ{جيزيل}

جانب من العرض الكوري في المهرجان
جانب من العرض الكوري في المهرجان
TT

الأوركسترا والباليه الكوريان يبهران جمهور مهرجان أبوظبي بـ{جيزيل}

جانب من العرض الكوري في المهرجان
جانب من العرض الكوري في المهرجان

في إطار احتفاء مهرجان أبوظبي بثقافة كوريا ضيف شرف المهرجان لهذا العام، تابع الجمهور في مسرح قصر الإمارات الذي قدمته فرقة الباليه الكورية الوطنية، على أنغام فرقة الأوركسترا الكورية السيمفونية. وترجمة لرؤية المهرجان في تحفيز التبادل الثقافي العالمي والإبداع والابتكار في الفنون وتعزيز سيمفونية الثقافات العالمية وحوار الثقافات على أرض الإمارات، واحتفاءً بجمهورية كوريا الدولة ضيفة شرف دورته السادسة عشرة، يأتي عرض جيزيل مع فرقة الباليه الوطنية الكورية كأولى الأمسيات ضمن سلسلة من الأمسيات التي تسلط الضوء على الثقافة الكورية وتبرز الإرث الثقافي والفني الهائل لكوريا، وتقدّم الإبداع الكوري في العاصمة أبوظبي، كما يتضمن برنامج هذا العام أيضاً أمسية موسيقية خاصة من أوركسترا السيمفونية الكورية.
وكانت قد انطلقت فعاليات البرنامج الرئيسي لمهرجان أبوظبي في دورته السادسة عشرة، تحت رعاية الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح وراعي مهرجان أبوظبي، وخلدون المبارك، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية في إمارة أبوظبي والرئيس التنفيذي لشركة مبادلة، وهدى إبراهيم الخميس، مؤسسة مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسسة والمديرة الفنية لمهرجان أبوظبي.
وقدمت الأوركسترا مقطوعة كونشيرتو البيانو رقم 1 على إي ميجور، أس 124. من أعمال فرانز ليسزت، وبعد فترة الاستراحة، عزفت الفرقة السيمفونية رقم 8، مقطوعة 88 للمؤلف الموسيقي أنتونين دفوراك. وتعد الأوركسترا الكورية السيمفونية الفرقة الوحيدة في جمهورية كوريا التي تمتلك الخبرة العملية والتجربة الواسعة لتقديم العروض الأوبرالية المتميزة مثل غناء الأوبرا وأداء الباليه، ومع إحيائها لأكثر من 40 حفلاً سنوياً من عروض الباليه والأوبرا سنوياً، تواصل الأوركسترا الكورية السيمفونية تعزيز رصيدها الفني سنوياً والحفاظ على سمعتها الرائدة في الموسيقى الأوبرالية والباليه، حيث لا تزال تقيم الحفلات والبرامج الموسيقية الخاصة بشكل منتظم في دار الأوبرا وقاعة الحفلات الموسيقية التابعتين لمركز سيول للفنون.
وتأسست فرقة الباليه الوطنية الكورية في عام 1962 كأول فرقة باليه محترفة في كوريا، واليوم تضم طيفاً متنوعاً من 90 مؤدياً من نجوم الباليه على المستوى الوطني. وحتى اليوم، جالت الفرقة على العديد من بلدان العالم وحازت بعض أهم الجوائز من الولايات المتحدة وإيطاليا وروسيا والصين واليابان والهند وإندونيسيا ولاوس وكولومبيا وكندا.
ورأت هدى إبراهيم الخميس، مؤسسة مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، المؤسسة والمديرة الفنية لمهرجان أبوظبي أنّ حضور فرقة الباليه الكورية الوطنية مع عرض الباليه الرومانسي العريق، يسلط الضوء على ثراء المشهد الفني في كوريا الدولة ضيفة شرف المهرجان في دورته السادسة عشرة، وقالت: «يعكس هذا الحضور العلاقات الراسخة بين الإمارات وكوريا، في جوانبها الثقافية والأدبية والفنية إلى جانب العلاقات الدبلوماسية، حيث يرسخ المهرجان دوره كمنصة لقاء بين البلدين الصديقين، تُعلي قيم التسامح والانفتاح على العالم وتستقبل أهم فناني الدولة الضيف، من مؤدي الباليه والموسيقيين المبدعين من الأورﻛﺴﺘﺮا السيمفونية اﻟﻜﻮرﻳﺔ ﺑﻘﻴﺎدة اﻟﻤﺎﻳﺴﺘﺮو ﺗﺸﻲ ﻳﻮﻧﻎ ﺗﺸﺎﻧﻎ، الذي يعدُّ واحداً من أهم قادة الأوركسترا المعاصرين في كوريا». وختمت بالقول: «يقدّم مهرجان أبوظبي عرض جيزيل من الباليه الكورية الوطنية في لوحات تعكس ثراء الثقافة الكورية وتفتح نافذة لجمهوره في أبوظبي على إبداعات واحدة من أهم فرق الباليه في آسيا، متضمنة لوحات راقصة أنجزها ﻣﺼﻤﻢ اﻟﺮﻗﺺ اﻟﻔﺮﻧﺴﻲ اﻟﺸﻬﻴﺮ ﺑﺎﺗﺮﻳﺲ ﺑﺎرت، في لقاء عالمي لجماليات الموسيقى والباليه والأداء».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)