الجزائر: مخاوف من إضراب عام و«عصيان» رفضاً لـ«الولاية الخامسة»

الحكومة تسعى إلى كسر احتجاجات الطلبة والأساتذة في الجامعات

TT

الجزائر: مخاوف من إضراب عام و«عصيان» رفضاً لـ«الولاية الخامسة»

قررت الحكومة الجزائرية تسريع بدء عطلة الربيع الجامعية، من خلال بدئها قبل 10 أيام من موعدها، وتمديد مدتها إلى 25 يوماً بدل 10، في خطوة فُسرت بأنها تهدف إلى كسر المظاهرات الجارية بالجامعات ضد سعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الفوز بولاية رئاسية خامسة. وجاء ذلك في وقت شهدت فيه سوق المواد الغذائية حركة غير عادية أمس، تمثلت في تهافت أعداد كبيرة من الجزائريين على المحلات والأسواق التجارية الكبيرة لشراء أغراضهم، تحسباً لإضراب عام مرتقب اليوم، وسط حديث عن إمكان تنفيذ «عصيان مدني» يعيد التذكير بأحداث شهدتها الجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي، ومهّدت لنزاع دموي لم تنتهِ تداعياته حتى اليوم.
وتلقت وسائل الإعلام، أمس، نسخاً من قرار وقعه وزير التعليم العالي عبد القادر حجار، يتعلق بضرورة خروج طلبة وأساتذة الجامعة في إجازة بدءاً من اليوم (الأحد) إلى 4 من أبريل (نيسان) المقبل، فيما جرت العادة في كل موسم جامعي على أن تكون الإجازة في 21 مارس (آذار)، وتدوم 10 أيام فقط. ولم يذكر الوزير السبب، لكن من الواضح أن الأمر يتعلق بـ«حراك الجامعة» الذي لا يهدأ منذ 17 يوماً، إذ يطالب أعضاء المنظومة الجامعية بسحب ترشح الرئيس لولاية خامسة، في سياق مظاهرات ومسيرات ضخمة، عبّر فيها مئات آلاف الجزائريين عن رفضهم استمرار الرئيس في الحكم، ومطالبة المسؤولين المحيطين به بترك السلطة.
ودعي آلاف الطلبة بـ«الإقامات الجامعية» إلى إخلائها، بدءاً من أمس، لإجبارهم على السفر إلى مناطقهم، وذلك بهدف كسر ديناميكية الاحتجاج بالهياكل الجامعية، وهي بالمئات عبر أنحاء البلاد، بحسب ما قاله ناشطون معارضون لتمديد حكم بوتفليقة.
وقال محمد صالحي، وهو أستاذ جامعي منخرط بقوة في الحراك الشعبي، إن «السلطة تحاول الهروب إلى الأمام، فهي تعلن عن عطلة جامعية مفاجئة ومسبقة ابتداءً من العاشر من مارس، بينما كانت مبرمجة يوم 21 مارس، وذلك بهدف تفكيك حركية مسيرات الطلبة الجامعيين التي زعزعت السلطات التي طالما كانت تستعمل بعض التنظيمات في مناوراتها لإخماد النشاط الطلابي المستقل عن توجيه المخابرات والرئاسة»، بحسب رأيه.
وأشار صالحي إلى أن «الجهة التي دبرت هذه المكيدة قد وقعت في شر عملها، إذ إن هذا القرار الغبي الأحمق سيجعل الطلبة، والشباب عموماً، أكثر وعياً وإدراكاً لخبث السلطة ومناوراتها الفاشلة، لأن الشعب ثار عليهم، ولن يعود إلى البيوت إلا بعد رحيلهم»، واتهم محيطين بالرئيس بوتفليقة بوضع هذا المخطط وتسليمه إلى الوزير حجار.
وعلى صعيد آخر، انتهت مظاهرات أول من أمس بحدوث مواجهات بين قوات الأمن ومتظاهرين بوسط العاصمة، أسفرت عن اعتقال 195 شخصاً تورطوا في حرق مدرسة ابتدائية ومتحف صغير للفنون القديمة بشارع كريم بلقاسم. وأفاد بيان للشرطة: «لوحظ مساء الجمعة انتشار عدد كبير من المنحرفين، انضموا إلى المظاهرة من أجل القيام بأعمال تخريبية، وتم تسجيل إصابة 112 عنصراً في صفوف أفراد الشرطة، يتم التكفل بهم حالياً على مستوى المصالح الصحية للأمن الوطني».
وفي بيان آخر، نفت مديرية الشرطة «نفياً قاطعاً الادعاءات التي تداولتها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، والتي مفادها وفاة شرطي خلال المظاهرات التي سجلت الجمعة». وأكد البيان «عدم تسجيل أي حالة وفاة، ما عدا إصابات متفاوتة في صفوف رجال الشرطة».
وفي سياق ذي صلة، توافد عدد كبير من المواطنين على المساحات التجارية الكبيرة لشراء مواد غذائية، تحسباً لإضراب عام جرت الدعوة إليه عبر وسائط التواصل الاجتماعي. كما جرى الحديث بقوة عن «عصيان مدني» في الأيام المقبلة، على سبيل تصعيد الاحتجاج ضد السلطات، في حال رفضت الاستجابة لمطلب التخلي عن «العهدة الخامسة». و«العصيان المدني» مفهوم يعيد إلى أذهان الجزائريين إضراباً واحتلالاً للشارع نظمته «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» صيف 1991، وكان مقدمة لعنف مدمّر استمر 10 سنوات، ولا تزال الجزائر تعيش إفرازاته إلى اليوم.
وفي جنيف، أفادت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) بأن محامية سويسرية قدمت التماساً إلى محكمة مختصة تطالب فيه بوضع الرئيس بوتفليقة (82 عاماً)، الموجود في جنيف للعلاج، تحت الوصاية حفاظاً على سلامته الشخصية. وقالت المحامية ساسكيا ديتيشايم، رئيسة الفرع السويسري في منظمة «محامون بلا حدود»، في الالتماس الذي لم تقدمه باسم المنظمة، إن الوضع «الصحي الهش» لبوتفليقة يجعله عرضة لـ«التلاعب» من جانب المقرّبين منه، وتم تقديم الالتماس باسم مواطنة جزائرية لم يكشف اسمها.
وأرسلت المحامية الالتماس إلى محكمة مختصة بالنظر في حماية البالغين والأطفال الضعفاء، وأفاد الالتماس: «من الواضح أن الرئيس الجزائري غير قادر على التمييز بين الأمور حالياً، في ظل وضع صحي حرج للغاية (...) فهو لا يتخذ قرارات، إنما حاشيته السياسية والعائلية» تقوم بذلك. وتعتبر المحامية أن الرئيس الجزائري لم يقرر بنفسه تقديم ترشحه لولاية خامسة.
ويطلب الالتماس أيضاً «السماح للوصي بإعفاء أطباء مستشفى جامعة جنيف من السرية الطبية»، فيما يتعلق بالرئيس الجزائري، وكذلك «السماح لهم بالحصول على شهادة طبية تكشف قدراته على حكم بلد ما».
وذكرت الوكالة الفرنسية أنه بموجب اتفاقية لاهاي، يعود إلى السلطات القانونية الجزائرية تحديد ما إذا كان ينبغي وضع مواطن ما تحت الوصاية، بحسب نيكولا جاندان، وهو محام سويسري وأستاذ للقانون في جامعة جنيف. وقال جاندان للوكالة إنه إذا اعتبرت المحكمة السويسرية أن هناك حاجة ملحة لحماية شخص يعاني من أوضاع حرجة، فسيكون في إمكانها التدخل، وأضاف: «من الناحية النظرية، يجب على القاضي السويسري تجاهل البرنامج السياسي... وتحديد ما إذا كان هذا الشخص يحتاج إلى مساعدة».
وفي غضون ذلك، أشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن الصحف الجزائرية خصصت أمس (السبت) صفحات كثيرة لمظاهرات الجمعة «التاريخية» ضد ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، مشيرة إلى أنها تحد بشكل كبير من هامش المناورة لديه. وكتبت صحيفة «الوطن» بعنوان عريض «شعب رائع»، وخصصت 12 صفحة للجمعة الثالثة على التوالي من الاحتجاجات التي تميزت بحشود ضخمة في جميع أنحاء البلاد. وأضافت الصحيفة الصادرة بالفرنسية: «إذا كان أنصار النظام يعتمدون على تراجع الحراك (...) فقد تلقوا رداً واضحاً، ومن دون هفوات». أما صحيفة «ليبرتيه» الصادرة بالفرنسية أيضاً، فعنونت على صفحتها الأولى «الربيع العربي»، وخصصت للحدث 10 صفحات، مشيرة إلى يوم الجمعة بوصفه «يوم الاستقلال».
ومن جهتها، اعتبرت صحيفة «الخبر» الصادرة بالعربية على صفحتها الأولى أن «الملايين قالوا بصوت واحد: مكانش الخامسة يا بوتفليقة». وبدورها، لفتت صحيفة «وهران»، ثاني أكبر مدن البلاد، إلى «المعارضة الشعبية ضد الولاية الخامسة». أما صحيفة «المجاهد» الحكومية فقد ذكرت المظاهرات في الصفحة التاسعة، من دون التطرق إلى المطالبة برحيل رئيس الدولة.



طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.