حلمي التوني يستدعي سيدات رحلته الفنية بحثاً عن السكينة

عبر 45 عملاً في معرض «للنساء وجوه» بالقاهرة

الفنان المصري حلمي التوني
الفنان المصري حلمي التوني
TT

حلمي التوني يستدعي سيدات رحلته الفنية بحثاً عن السكينة

الفنان المصري حلمي التوني
الفنان المصري حلمي التوني

الحياة جميلة، وغنية بالألوان الزّاهية المتنوعة، والتفاصيل المبهجة، التي على بساطتها واختلاف أحوالها تمتلئ بالحب والأحلام، ودفء شمس النّهار المشرقة، هذا هو الإحساس الذي يتملّكك بمجرد النظر إلى لوحات الفنان حلمي التوني في معرضه الذي يستضيفه حالياً «غاليري بيكاسو» في القاهرة، تحت عنوان «للنساء وجوه»، ويستمر حتى 21 مارس (آذار) الجاري.
ولا يُعدّ مكمن ذلك الإحساس هو الجمال الصبيح الهادئ لبعض نساء لوحاته، أو الجمال الفاتن المشتهى كما رسم بعضهن الآخر، وهو ليس الدلال المفرط وتناسق الجسد وليونته الذي يزدان بثياب ذات ألوان صاخبة خاطفة للعين، أو العيون الواسعة ذات النّظرات الشّاردة أو المُوحية، أو الحُلي ومساحيق الزينة التي تزيدهن جمالاً على جمال، أيضاً ليست هي روعة الأصالة، وروحانية الفضيلة والبراءة لدى بعض نساء أعماله، فلا يوجد شيء واحد وراء الإحساس العميق بجمال الحياة عند تأمل لوحاته.
بعد فترة من التأمل والحيرة نكتشف أنّ ثمّة حالة زاخرة بالحيوية ومازجة بين الأمل وا لطّاقة الإيجابية تسيطر على اللوحات، وتكاد أن تخترق جداريتها، لتنقلنا معها إلى نهار جديد بعد ليل طويل موحش. وأنّ هذه الأجواء أو الحالة هي ما تدفعنا إلى التمتع بإطلالة مختلفة على الحياة.
ومما يرسّخ هذا الإحساس داخل المتلقي، أنّ الفنان القدير لم يتعمد أن يرسم امرأة بعينها أو فئة ما من النساء، إنّما استدعى من مخزونه البصري ومشواره الفني الكثير. يقول التوني في حديثه إلى «الشرق الأوسط»: «عدت بذاكرتي إلى جميع وجوه النساء في أعمالي السابقة، من ثمّ أعدت رسمها. وفي هذه اللحظة أدركت إلى أي مدى تتمتع النساء ــ مهما اختلفت ملامح وجوههن ــ بالجمال والفتنة والتجدد والسكينة، وإلى أي مدى يمكن أن يغيرن العالم من حولهن».
لكن لا يُعد إبراز جمال المرأة في حد ذاته هو المغزى من هذا التجسيد النّسائي المكثّف، فما المرأة هنا سوى رمز للحياة ذاتها بتنوع وجوهها وتقلبات أحوالها، وتعدد أسباب فتنتها وخلاصة جمالها.
ولا يمثل أيضاً استدعاء المرأة كرمز أو أيقونة في الأعمال الفنّية للمبدع حلمي التوني جديداً على أسلوبه الفني، فهي مصدر إلهام لا ينضب بالنسبة له. يقول: «المرأة أيقونة دائمة للجمال، والأصل الحقيقي للحياة، هي أيضاً بداية الفن والإبداع، ولذلك فهي ملهمتي، وملهمة كل الفنانين».
ورغم هذا الاحتفاء الدّائم بالمرأة في فنّه، فإنّ التوني ينجح ببراعة في عدم التكرار، فكأنّ لوحاته تنويعات جديدة على لحن أساسي.
من هنا نستشعر أشكالاً وتعدّدية واسعة تظهر بها المرأة في لوحاته التي تبلغ نحو 45 لوحة بمقاسات مختلفة، داخل تكوينات مختلفة تسرد فيها كل امرأة حكاية مختلفة، لكن يجمع بين اللوحات رابط أساسي، هو الحوار المبهج الثري بين نساء التوني والمتلقّي، الذي يصل بالمتلقي إلى النقطة التي يريدها الفنان من المعرض الذي اختار له عنواناً موحياً يتماهى مع فكره، وهي أن للحياة وجوهاً كثيرة كما النساء، وأنّه رغم اختلافها فإنّه كما يقول: «ينبغي أن نعمل على إدخال السّعادة على قلوبنا وقلوب الآخرين مهما أثقلتها الهموم، وأنّ على الفن أن يلعب دوراً في تحقيق ذلك، عبر ما يبثه في النفوس من بهجة، وما يشبع به العين من جمال».
ولا تٌعد المرأة وحدها مصدر الجمال في أعماله، إذ يغوص أيضاً في التراث بكل أيقوناته ومضامينه وزخمه الإنساني، وذلك ليس مستغرباً على فناننا القدير الذي ينتهج الواقعية السحرية بما تطرحه من جماليات الإبصار في لوحاته، حيث يعيد صياغة الواقع من خلال الاستلهام من الأحلام والأساطير والروائع الانتقائية من الفلكلور الشّعبي والإرث الثّقافي والفني، ويغلف ذلك كله بجموح خياله، وهو ما يفسر لنا كيف يبرع الفنان في تقديم عالم مدهش ومبهر في جمالياته ولغته البصرية في الوقت الذي يطرح موضوعات وأفكار تمسّ «حكايات عادية» من الحياة اليومية.
فمع وجوه لوحات حلمي التوني تسافر إلى رحابة التراث، حيث تروي هذه الوجوه وصاحباتها بعيونها الواسعة وما يحيط بها من رموز مصرية مألوفة، الكثير عن الهوية الوطنية باختلاف الأزمنة والحضارات، فتطل عليك على سبيل المثال، من بين تفاصيل لوحاته السّمكة والهدهد والكردان، جنباً إلى جنب مع زهرة اللوتس وملامح وتسريحات الشّعر التي استدعاها من الحضارة الفرعونية، أو الطربوش وغطاء الشعر من الحقبة العثمانية في مصر، أو تلك التي استعارها من «بنت البلد»، إضافة إلى الزخارف والنقوش الشّعبية، وخلال ذلك كله يعزف ويشدو معا ًبأنشودة «يا حلاوة الدنيا»، عبر لغته البصرية المبهرة.



احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
TT

احتفاء مصري بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ

فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)
فعاليات متعددة في الاحتفال بذكرى ميلاد محفوظ (متحف محفوظ على فيسبوك)

احتفت مصر بالذكرى الـ113 لميلاد «أديب نوبل» نجيب محفوظ، عبر فعاليات متنوعة في متحفه وسط القاهرة التاريخية، تضمّنت ندوات وقراءات في أعماله وسيرتيه الأدبية والذاتية، واستعادة لأعماله الروائية وأصدائها في السينما والدراما.

وأعلن «متحف نجيب محفوظ» التابع لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة، أن الاحتفال بـ«أديب نوبل» يتضمّن ندوة عن إبداعاته ومسيرته، يُشارك فيها النّقاد، إبراهيم عبد العزيز، ومحمد الشاذلي، والدكتور محمود الشنواني، والدكتور تامر فايز، ويديرها الدكتور مصطفى القزاز. بالإضافة إلى افتتاح معرض كاريكاتير عن نجيب محفوظ، وشاعر الهند الشهير رابندراناث طاغور، ومعرض لبيع كتب نجيب محفوظ.

وأوضح الكاتب الصحافي والناقد محمد الشاذلي أن «الاحتفالية التي أقامها (متحف نجيب محفوظ) في ذكرى ميلاده الـ113 كانت ممتازة، وحضرها عددٌ كبير من المهتمين بأدبه، وضمّت كثيراً من المحاور المهمة، وكان التركيز فيها على السيرة الذاتية لنجيب محفوظ».

«متحف نجيب محفوظ» احتفل بذكرى ميلاده (صفحة المتحف على فيسبوك)

ولد نجيب محفوظ في حيّ الجمالية بالقاهرة التاريخية في 11 ديسمبر (كانون الأول) عام 1911، وقدم عشرات الأعمال الروائية والقصصية، بالإضافة إلى سيناريوهات للسينما، وحصل على جوائز عدة أهمها جائزة «نوبل في الأدب» عام 1988، ورحل عن عالمنا عام 2006.

حضر الاحتفالية بعض ممن كتبوا عن سيرة نجيب محفوظ، من بينهم إبراهيم عبد العزيز، الذي له أكثر من كتاب عن «أديب نوبل»، بالإضافة إلى الطبيب الدكتور محمود الشنواني الذي رافق الأديب لمدة 30 سنة تقريباً، وفق الشاذلي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «تَحدّث كلُّ شخص عن الكتاب الذي أصدره عن نجيب محفوظ. وإبراهيم عبد العزيز كان مرافقاً له في ندواته، وتحدّث عن كتاب (أنا نجيب محفوظ)، الذي تضمّن ما قاله محفوظ عن نفسه، بيد أني أرى أن كتابه الأهم هو (ليالي نجيب محفوظ في شيبرد) لأنه كان عبارة عن كناسة الدكان، فقد رصد السنوات الأخيرة لنجيب محفوظ».

وعن كتاب الشاذلي حول نجيب محفوظ يقول: «تعرّفت عليه بصفتي صحافياً منذ بداية الثمانينات، وقد تحدّثت عن موضوعين تناولتهما في كتابي عنه (أيام مع نجيب محفوظ ذكريات وحوارات)، وهو ما أُشيع عن هجومه على العهد الناصري، خصوصاً في روايته (الكرنك)، وهذا ليس صحيحاً، وفي الحقيقة كان محفوظ يُركّز على حقوق الإنسان والحريات أكثر من أي شيء آخر، وقد أنصف عبد الناصر في كثيرٍ من كتاباته، خصوصاً شهاداته عن هذا العصر، والنقطة الثانية ما أُشيع حول الاتهامات التي وجّهها بعضهم لنجيب محفوظ بحصوله على (نوبل) بدعم إسرائيل، وهذا ليس صحيحاً بالمرّة، وكانت تُهمة جاهزة لمن أراد إهانة الجائزة أو النّيل ممّن حصل عليها».

وأشار الشاذلي إلى أن محفوظ كان له رأيُّ مهم في السينما، وقد ترأس مؤسسة السينما في إحدى الفترات، وكان يرى أنه أصبح كاتباً شعبياً ليس بفضل القراءات ولكن بفضل السينما، فكان يحترم كلّ ما له علاقة بهذه المهنة، ويعدّها مجاورة للأدب.

محفوظ وطاغور في معرض كاريكاتير (منسق المعرض)

وتحوّلت روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ودرامية، من بينها أفلام «بداية ونهاية»، و«الكرنك»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، وثلاثية «بين القصرين»، و«قصر الشوق»، و«السكرية»، وأيضاً «زقاق المدق»، و«اللص والكلاب»، بالإضافة إلى مسلسلات «الحرافيش - السيرة العاشورية»، و«أفراح القبة»، و«حديث الصباح والمساء».

وضمّ المعرض الذي أقيم بالتعاون بين سفارة الهند في القاهرة، ومتحف الكاريكاتير بالفيوم، ومنصة «إيجيبت كارتون»، 38 لوحة لفنانين من 12 دولة من بينها مصر والهند والسعودية وصربيا والصين ورومانيا وروسيا وفنزويلا.

وأشار الفنان فوزي مرسي، أمين عام «الجمعية المصرية للكاريكاتير» ومنسِّق المعرض إلى أن هذا المعرض اقتُرح ليُعرض في الاحتفال بذكرى طاغور في مايو (أيار) الماضي، إذ عُرض في المركز الثقافي الهندي، وكذلك في يوم الاحتفال بعيد ميلاد «أديب نوبل» المصري نجيب محفوظ.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «يُعدّ المعرض جزءاً من الاحتفالية التي نظّمتها وزارة الثقافة (لأديب نوبل) الكبير، واهتمّ معظم الفنانين برسم البورتريه بشكلٍ تخيُّلي، في محاولة لعقد الصلة بين طاغور ومحفوظ».

فنانون من 12 دولة رسموا الأديبين طاغور ومحفوظ (منسق المعرض)

وفي السياق، أعلنت «دار المعارف» عن إصدار كتابٍ جديدٍ عن نجيب محفوظ في الذكرى الـ113 لميلاده، وكتب إيهاب الملاح، المُشرف العام على النشر والمحتوى في «دار المعارف» على صفحته بـ«فيسبوك»: «في عيد ميلاد الأستاذ نُقدّم هدية للقراء ولكل محبي نجيب محفوظ وهي عبارة عن كتاب (سردية نجيب محفوظ) للناقد الدكتور محمد بدوي».