مقهى في الإسكندرية ملاذ لأصحاب لغة الإشارة منذ عقود

في المقهى السكندري. («الشرق الأوسط»)
في المقهى السكندري. («الشرق الأوسط»)
TT

مقهى في الإسكندرية ملاذ لأصحاب لغة الإشارة منذ عقود

في المقهى السكندري. («الشرق الأوسط»)
في المقهى السكندري. («الشرق الأوسط»)

وسط مدينة الإسكندرية، وعلى مسافة أمتارمن شاطئ البحر الأبيض المتوسط في ميدان المنشية، أحد أبرز معالم عروس المتوسط المصرية، يقع مقهى "علي الهندي" الشهير بـ "قهوة الخرس"، بلغة أهل المكان.
يتجاور المقهى مع مقر "جمعية الرابطة الأخوية للصم"، وافتتح في نهاية عام 1950. وهو بالنسبة إلى عابر أو سائح أو زائر لمدينة الإسكندرية لا يختلف في ظاهره عن بقية المقاهي الشعبية المصرية. لكن إذا قررت الدخول فإنك ستلمس اختلافاً جذريا عن أي مقهى آخر.
في مصر، إذا قررت الجلوس في مقهى شعبي فإن أول ما قد تسمعه هو صوت أم كلثوم، إلى جانب أصوات كثيرة من بينها النادل وهو يصيح بطلبات الزبائن، إضافة إلى صوت الزبائن لدى رميهم للنرد خلال لعب الطاولة، أو طرقهم بأحجار الدومينو على المنضدة. إلا أن مقهى "علي الهندي" مختلف في هذا كله، فهو لا يشارك زبائنه صوت كوكب الشرق، كما أن الجو هادئ ولا أحد يصيح، فلا يقطع السكون سوى صوت الأنفاس وحركة الكراسي، وطقطقات أحجار الدومينو.
إشارات اليد هي التي تتحدث أما الزبائن فلا يتحدثون، هكذا يقول نجل مؤسس المقهى علي الهندي لـ "الشرق الأوسط": "عندما افتتح والدي هذا المقهى لم يكن يعلم أن زبائنه سيكونون من الصمّ والبكم، لكن وجود الجمعية في جوارنا دفع بروادها إلى الالتقاء في أقرب مقهى، وكان هذا من حسن حظنا".
يقدم المقهى كبقية المقاهي، وتمارَس فيه النشاطات المعتادة في المقاهي كلعب الدومينو وطاولة الزهر والورق. ومع أنه يفتح أبوابه للجميع، فإن غالبية زبائنه من الصم والبكم. وقد ألف العاملون التعامل معهم.
"أسوأ شيء يحصل هو أن تتأخر على الزبون في طلبه، لأنه سيحس بأنك تتجاهله"، كما يقول النادل عصام عبدالهادي الذي يؤكد أنه لم يتابع دورات تدريبية في لغة الإشارة لكنه بات يفهمها، وبدا خلال اللقاء متجاوباً مع الزبائن يفهمونه ويفهمهم، ويلبي طلباتهم على نحو مرضٍ وسريع.
هناك في المقهى التقينا محمد جبر، وهو محامٍ متخصص في قضايا الصم والبكم. ويؤكد لـ "الشرق الأوسط" أن الصم والبكم يشعرون بارتياح في المقهى، "لأنهم يجدون لطفا وتفهما هنا أكثر من أي مكان آخر".
ويلفت جبر إلى أنّ كثيراً من الصم والبكم يتمنون لو أن الدولة توفر لهم أماكن مخصصة في كل جوانب الحياة، نظرا إلى ما يكابدونه من مشقة في التعامل مع بقية فئات المجتمع في غياب لغة تواصل بين الجانبين.
واللافت أن المقهى هو مقصد للسيّاح من جنسيات مختلفة لأنه بات يمثل رمزية إنسانية من حيث واجب التواصل وقبول الآخر.

*من «مبادرة المراسل العربي»



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.