ملايين الجزائريين في «جمعة الحسم»: بوتفليقة... لن تحكمنا بعد اليوم

استقالات من «جبهة التحرير»... والرقابة تتشدد مع الصحافيين

TT

ملايين الجزائريين في «جمعة الحسم»: بوتفليقة... لن تحكمنا بعد اليوم

سارت مظاهرات في الجزائر، أمس، ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة. وفاقت أعداد المشاركين في مظاهرات الأمس، بكثيرٍ، احتجاجات الجمعتين الماضيتين، حسب تقارير عشرات الصحافيين غطوا الحدث في أنحاء البلاد.
ومن تبسَة في أقصى الشرق على الحدود مع تونس، إلى مغنية بأقصى الغرب آخر مدينة حدودية مع المغرب، ومن العاصمة بأقصى الشمال المطل على البحر المتوسط، إلى تمنراست بأقصى الجنوب، القريب من مالي، خرج الملايين وصاحوا بصوت واحد: «بوتفليقة ارحل».
«جمعة الحسم ضد العهدة الخامسة»، هكذا سماها الإعلام المحلي، الذي طالما اشتكى من مضايقات الحكومة، التي استمرت أمس وتجلت في معاقبة فضائية «الشروق نيوز» الخاصة، بقطع النقل المباشر الذي كانت تجريه للحراك الشعبي بالعاصمة. وتلقى مراسلو القنوات التلفزيونية الأجنبية، تحذيرات شديدة من وزارة الإعلام، تمنعهم من البث المباشر للأحداث. وهي المرة الثانية في ظرف أسبوع التي تتعامل فيها الحكومة مع الصحافيين بهذا الشكل.
ونزل الصحافيون وعمال وسائل الإعلام بكثرة إلى الساحات العامة بالعاصمة، وأشهرها «ساحة أول مايو»، و«ساحة موريس أودان»، و«البريد المركزي»، للتعبير عن رغبتهم في التخلص من حكم بوتفليقة، بعد استحواذه على المشهد بإحكام مدة 20 سنة تخللتها ممارسات ضد الإعلام؛ أبرزها قطع الإعلانات الحكومية عن أشهر الصحف المصنفة «معادية للحكومة»، في مقابل إغراق وسائل الإعلام الحكومية وقطاع من المؤسسات الخاصة بالإعلانات، بناءً على معيار الولاء والتغاضي عن فضائح الفساد، التي تورط فيها الكثير من المسؤولين.
وتلقى رجال الشرطة الذين أحاطوا المظاهرات بأعداد كبيرة، دعوات ملحة من المحتجين للانضمام إليهم. وبدا على كثير منهم التعاطف مع الحراك الشعبي الذي ازداد صخباً، كلما أطلّ الموالون للرئيس في الإعلام للتأكيد على «حقه دستورياً في الترشح».
وقال الصحافي حسن جزائري، مخاطباً سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس وكبير مستشاريه، «لا تكن أكثر شقاوة من هذا. أرح أخاك وأرحنا، لا تدفع بهذه الملايين إلى الصدام. الشعب لا يبحث عن الإصلاحات. الشعب يريد رحيلكم. نريد نفساً جديداً، وطناً مجيداً، بلداً قوياً، قيادة تليق بهذه الأرض وبتضحيات شهدائها».
ورفع رجل في الستينات بيديه، قصاصةً من ورق مكتوب عليها: «أيها الجندي، أيها الدركي، أيها الشرطي، أنت ابن الشعب، لا تقف أمام مجرى التاريخ، بل واكبه حتى لا يجرفك مع العصابة الحاكمة». وفي مشهد آخر، حملت امرأة، بلباسٍ أمازيغيٍ، صورة رجل الثورة الكبير الراحل كريم بلقاسم، وكتبت أمامها بالفرنسية: «حرروا الجزائر كما أرادها الشهداء والمجاهدون».
وللمرة الثالثة على التوالي، كانت أيقونة الثورة جميلة بوحيرد وسط الحشود، محاطةً بنساء في مقتبل العمر، بدا عليهن الابتهاج وهن يمسكن بيديها، وهي تصيح: «لا لعهدة العار، لا لعهدة خامسة». وصاح آخر «بركات بركات (كفى) أشبعتمونا إهانات».
وسار المتظاهرون بأشهر شوارع العاصمة، يرددون شعارات معادية للسلطة. وتعالت الزغاريد من شرفات شوارع «حسيبة بن بوعلي» و«العقيد عميروش»، مروراً بـ«النفق الجامعي»، على بعد 200 متر من قصر الحكومة، الذي شهد تعزيزات أمنية كبيرة. كما اُتخذت إجراءات أمنية مشددة في محيط قصر الرئاسة، الذي يبعد عن المظاهرة نحو 3 كيلومترات. وأغلقت كل المنافذ المؤدية إلى مكاتب الرئاسة ووزارة الدفاع.
ونشرت «جمعية العلماء المسلمين الجزائريين»، ذات الإرث التاريخي الكبير، صوراً للمظاهرات بموقعها الإلكتروني، وكتبت تحتها: «ما المطلوب أكثر من هذا وقد خرجت كل الشرائح، كل الفئات، من كل الجهات والمدن، لإيصال صوت الشعب إلى كل الآذان؟ وقد وصل الصوت. إذن لا بدّ أن تكون الحلول في مستوى التطلّعات الكبيرة المعبّر عنها. الجزائر فيها كل شيء، الموقع الاستراتيجي المميز، المورد البشري الكفء، الموارد المختلفة، الطاقات والإمكانات فوق الأرض وتحت الأرض، ما ينقصها إدارة حكيمة وتسيير نزيه منضبط يستجيب للتطلّعات».
وكتب أحمد الدان، أمين عام «الحزب الإسلامي» (حركة البناء)، «مسيرات الشعب الجزائري تحقق صورة جزائر الجميع ومطالب الجميع وإرادة الجميع وتعاون الجميع ومستقبل الجميع. كل التحية للشعب الجزائري. إذا الشعب يوماً أراد الحراك فلا بد للقيد أن ينكسر». وشُوهد في المسيرة، القيادي الإسلامي عبد الله جاب الله، ومرشحة «رئاسية 2014» اليسارية لويزة حنون، فيما منعت قوات الأمن نائب رئيس «جبهة الإنقاذ» المحظورة، علي بن حاج، من الالتحاق بالمظاهرة، ونشر صورةً له بصفحته بـ«فيسبوك»، حاملاً لافتة مكتوب عليها: «حسبي الله ونعم الوكيل».
من جهة أخرى، أعلن نواب من حزب الأغلبية (جبهة التحرير الوطني) استقالتهم من الحزب وانضمامهم للاحتجاجات، حسب ما نقلته وكالة «رويترز» عن تلفزيون «الشروق». وذكرت مجموعة من الكوادر والمناضلين في الحزب الذي يرأسه بوتفليقة، في بيان، «نعلن للرأي العام ولكل مناضلي ومناضلات (جبهة التحرير الوطني) استقالتنا الجماعية من الحزب، ونذكر بمواقفنا السابقة المؤيدة للحراك الشعبي، واحتجاجنا إزاء العبث الذي بات يطبع تصرفات وعبث القيادة اللاشرعية التي اختطفت الحزب».
وانضم مئات القضاة إلى السخط الشعبي على السلطات، إذ أعلن «نادي القضاة»، في بيان، «دعمه ومباركته للحراك الشعبي المتحضر، الهادف لاسترداد قيم القانون المسلوبة والمنتهكة على كل المستويات، ووقف المسار العبثي الذي يُراد فرضه على الجزائريين بغباء لم يسبق له مثيل في التاريخ. إننا نعلم يقيناً المآخذ الكثيرة التي يرددها المواطن تجاه قطاع القضاء، ونشاطر ذلك بحكم معايشتنا للضغوط والتدخلات من مختلف المستويات، إلى حد جعل من العدالة مرادفة للنذالة في كثير المحطات».
وأضاف البيان: «سعينا منذ 2016 إلى إيجاد آلية قانونية تسمح بالعمل على تصحيح الأوضاع، لكننا تعرضنا للقهر من طرف وزارة العدل وأذرع المصالح فيها، ما اضطررنا للمهادنة ظرفياً إلى حين توفر ما يحقق الحد الأدنى من شروط تكريس المسعى». وتابع: «لقد عاين الجزائريون، ومعهم كل العالم، أن دولة الحق والقانون التي رُفعت شعاراً في الكثير من المحطات كانت خرافة، اختبأ وراءها محترفو النصب والكذب بتوظيفهم للقانون بما يخدم مصالحهم، أو الدوس عليه عندما يتعارض مع نزواتهم. وليعلم الشعب الجزائري، الذي نصدر أحكامنا باسمه، أننا جزء منه ونتخندق معه في السراء والضراء، ولن تمنعنا القيود التعسفية التي فرضت علينا من التعبير عن هذا الموقف. ونعلن هنا أن مخالفة الدستور بشكل صارخ (في حال قبول ملف ترشح بوتفليقة من طرف المجلس الدستوري) استخفاف بذكاء وفطنة المجتمع الجزائري بكل شرائحه».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».