اهتمامٌ غير مسبوق بالانتخابات الأوروبية مع صعود الشعبويين داخل الاتحاد

TT

اهتمامٌ غير مسبوق بالانتخابات الأوروبية مع صعود الشعبويين داخل الاتحاد

منذ أشهر تنشط الماكينات الانتخابية والسياسية في أوروبا، على غير عادتها، استعداداً لانتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، التي يتوقّع كثيرون أن تقلب المعادلة السائدة في هذه المؤسسة الأوروبية منذ أربعين عاماً، بعد الصعود السريع للأحزاب الشعبويّة واليمينية المتطرفة والتغييرات العميقة التي طرأت على الهيكليّة الحزبية التقليدية في بعض البلدان الوازنة داخل الاتحاد الأوروبي.
اعتاد الأوروبيون على مشاركة متدنية جداً في انتخابات البرلمان الأوروبي، لاعتباره مؤسسة ذات صلاحيات محدودة مقارنة بغيرها من المؤسسات الأوروبية الأخرى، خصوصاً المفوّضية التي هي الذراع التنفيذية الفاعلة للاتحاد، والمجلس الذي له كلمة الفصل في القرارات السياسية. لكن الاهتمام غير المسبوق بالانتخابات الأوروبية المقبلة ليس عائداً إلى المنافسة الشديدة المستجدة على مقاعد البرلمان، بقدر ما هو ناشئ عن السعي إلى الإمساك بأوراق الصراع على الرئاسة المقبلة للمفوضية التي يتولّاها جان كلود يونكر الذي تنتهي ولايته مطلع الصيف المقبل، خصوصاً أن النظام الجديد الذي اعتمدته المؤسسات الأوروبية يعطي البرلمان صلاحية اختيار رئيس المفوضية بين المرشّحين الذين تقدمهم الأحزاب.
لكن الحكومات الأوروبية، وفي طليعتها الحكومة الفرنسية، مدعومة من دول أخرى مثل ألمانيا وهولندا والنمسا وفنلندا، ليست في وارد ترك اختيار الرئيس الجديد للمفوضية بيد البرلمان الذي يطالب بأن يكون هذا الرئيس من المرشّحين الذين تقدّمهم الكتل البرلمانية الكبرى. وتسعى هذه الدول، التي قد تنضّم إليها دول أخرى قريباً، إلى منع تكرار الإجراء الذي يعرف بالمصطلح الألماني (المرشّح الرئيسي) والعودة إلى النظام الذي كان معمولاً به منذ عام 1958، والذي يعطي رؤساء حكومات الدول الأعضاء صلاحية تعيين رئيس المفوضية.
وتفيد مصادر دبلوماسية بأن فرنسا تقود المساعي الحثيثة لإسقاط نظام المرشّح الرئيسي الذي تصفه بأنه «محض خيال»، وأن نص المعاهدة الأوروبية لا يلزم مجلس الاتحاد الذي يضمّ رؤساء الحكومات سوى «بمراعاة نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي». وتقول هذه المصادر إن الصيغة التي يطرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تتيح للحكومة هامشاً أوسع للمناورة عند اختيار رئيس المفوضية الذي يتمتّع بصلاحيات تنفيذية واسعة، كما تتيح لباريس أن تؤثّر أكثر في هذا الاختيار، لا سيّما وأن حركة ماكرون ليست ممثلة في البرلمان الأوروبي، ومن المرجّح أن يكون تمثيل الفرنسيين ضعيفاً جداً في الكتلتين الرئيسيتين: الشعبية المحافظة والاشتراكية، وفقاً لمعظم الاستطلاعات. ويعتبر الليبراليون الأوروبيون أن نظام المرشّح الرئيسي قد تجاوزته الظروف الراهنة بعد أن رفض البرلمان الأوروبي الاقتراح الفرنسي بتشكيل لوائح عابرة للحدود، الذي يعتبر ماكرون أنه كان الهدف الأخير من الاتفاق على نظام عام 2014. لكن البرلمان الأوروبي من ناحيته يعتبر أن إخضاع اختيار رئيس المفوضية لنتائج الانتخابات من شأنه أن يضفي عليه شرعية ديمقراطية أمام المواطنين الذين سيشعرون بأنهم يشاركون فعلاً في صناعة القرارات الرئيسية.
الدبلوماسية الفرنسية النشطة في بروكسل تعتبر من جهتها أن نظام المرشّح الرئيسي يعطي البرلمان الأوروبي صلاحيات ليست له، كما يعطي الأحزاب السياسية الأوروبية سلطة وهميّة إذا أخذنا في الاعتبار نسبة المشاركة عادة في الانتخابات الأوروبية. وتقول مصادر دبلوماسية مؤيدة للتوجّه الفرنسي إن رؤساء الحكومات الأعضاء في المجلس الأوروبي منتخبون في بلدانهم بنسب مشاركة تتجاوز بكثير نسبة المشاركة في الانتخابات الأوروبية.
ومن شأن المناورة الفرنسية، إذا كتب لها النجاح، أن تفتح الباب أمام المرشّحين «النائمين» الذين لم يكشفوا عن أوراقهم بعد بانتظار نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في 26 مايو (أيار) المقبل، الذين يبرز من بينهم الفرنسي ميشال بارنييه كبير المفاوضين الأوروبيين في ملفّ «البركسيت». وتتوقّع أوساط دبلوماسية أوروبية أن ترتفع أسهم بارنييه في حال التوصّل إلى اتفاق مع بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي، علماً بأن تعثّر المفاوضات مع لندن هو الذي أبعد بارنييه عن ترشيح «الحزب الشعبي الأوروبي» له واختيار المرشح الألماني مانفريد ويبير المدعوم من المستشارة أنجيلا ميركل. وتقول الأوساط إن بارنييه، الذي يحظى بتأييد الرئيس الفرنسي، قد يواجه منافسة شديدة في صفوف المحافظين الأوروبيين من المفوّضة الدانماركية مارغريت فيستاغير التي قد تكون المرأة الأولى التي تترأس المفوضية الأوروبية، أو من رئيس الوزراء الهولندي الليبرالي مارك روتيه الذي يقال إن ميركل تدعمه لمنصب رئيس مجلس الاتحاد الذي سيشغر أيضاً في نهاية السنة الحالية.



كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.