الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره

تساؤلات عن الموقف الفعلي لقائد الجيش الجزائري من الحراك الشعبي ضد «العهدة الخامسة»

الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره
TT

الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره

الفريق أحمد قايد صالح... ركيزة نظام بوتفليقة وحامي ظهره

ثمة إجماع واسع في الجزائر على أن الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع في الجزائر، هو ركيزة النظام بشقيه المدني والعسكري. والمعروف عن قايد صالح الولاء الشديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ أن عيَنه الرئيس قائداً للجيش خلفا للفريق محمد العماري (توفي لاحقا) الذي أقاله من المنصب عقب فوزه بولاية ثانية عام 2004. ولقد اختلف العماري مع بوتفليقة في موضوع تمديد حكمه، وحدث بينهما الطلاق. ومن المفارقات أن العماري، كان في الصفوف الأولى لداعمي ترشح بوتفليقة لولاية ثالثة عام 2009!
اليوم في خضم الحراك الشعبي الرافض لـ«ولاية خامسة» للرئيس بوتفليقة، تسلط الأضواء على موقف المؤسسة العسكرية، وبالذات، على الفريق الذي يقارب سن الثمانين، ولا سيما بعد تصريحات قرأ فيها المتابعون عدة رسائل موجّهة إلى مختلف الأطراف.
الفريق أحمد قايد صالح (79 سنة) رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع الجزائري، هو حالياً محور النقاش الجاري في الجزائر، حول ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة جديدة بمناسبة رئاسية 18 أبريل (نيسان) المقبل، والذي بسببه ثار الشارع الجزائري رافضاً استمرار الرئيس ورجاله في السلطة.
يوم 26 فبراير (شباط) الماضي، أكد قايد صالح دعمه الكامل لمسعى الرئيس الحصول على ولاية جديدة. وأثناء وجوده في «الناحية العسكرية السادسة» بجنوب البلاد، هاجم مئات آلاف المتظاهرين، الذين كانوا قد خرجوا قبل أربعة أيام إلى الشارع للتعبير عن رفضهم لـ«الخامسة». وقال في خطاب بثه التلفزيون الحكومي بأن «الجيش الوطني الشعبي بحكم المهام الدستورية المخولة، يعتبر كل من يدعو إلى العنف بأي طريقة كانت، تحت أي مبرّر وفي ظل أي ظرف، هو إنسان يجهل ويتجاهل رغبة الشعب الجزائري العيش في كنف الأمن والأمان».
يومها كان الكلام موجهاً إلى مئات الآلاف من المتظاهرين. ثم تساءل العسكري الكبير النافذ في الحكم، بنبرة حادة «هل يعقل أن يتم دفع بعض الجزائريين نحو المجهول، من خلال نداءات مشبوهة ظاهرها التغني بالديمقراطية وباطنها جرّ هؤلاء المغرَّر بهم إلى مسالك غير آمنة، وغير مأمونة العواقب؟ مسالك لا تؤدي حتماً إلى خدمة مصلحة الجزائر، ولا إلى تحقيق مستقبلها المزدهر؟». ومجددا، عُدّ كلامه حينها صادماً بالنسبة لكثيرين كانوا يأملون أن ينحاز الجيش وقائده للحراك الشعبي الساخط على الرئيس، بدلاً من أن يعاديه.

حدث شيء غريب
ولكن شيئا غريباً حدث بعد هذا الهجوم الحاد على المتظاهرين. فالمقطع الناري من خطاب قايد صالح سُحب من كل المواقع والصحف الإلكترونية، بما فيها موقع الإذاعة والتلفزيون الحكوميين. وتلقت كل المؤسسات الإعلامية اتصالاً من اللواء مسؤول الإعلام بوزارة الدفاع، يطلب فيه من مسؤوليها عدم نشر تهديدات رئيس أركان الجيش. المسؤول العسكري لم يذكر السبب، لكن فهم من هذا التصرف أن جهة كبيرة في الدولة، لم يعجبها كلام صالح تجاه المتظاهرين. ورغم مرور قرابة أسبوعين على «الحادثة»، لم يجد أحد تفسيراً لما جرى.

«الظهر» والسند
في الواقع، يعدَ صالح «الظهر» التي يسند ويحمي الرئيس والمحيطين به الذين يروجون يوميا لـ«إنجازاته». ويعتبره مراقبون «القوة المادية» التي مكَنت بوتفليقة من إطالة حكمه، وبفضلها كانت كل المؤشرات تفيد، قبل انفجار الشارع، أنه سيحصل على ولاية خامسة. وحقاً، لا يجرؤ الإعلام على انتقاد صالح أبداً، ولا الحديث عن شبهات الفساد في البلاد التي ترددها الصحف الخاصة ذات التوجّه المعارض للسلطة. بل يطلق الجنود والضباط عليه «عمّي صالح»، نظرا لكبر سنه.
غير أن الضابط الكبير غير لهجته بمرور الأيام، وبدا مهادناً الحراك في آخر ظهور إعلامي له. إذ قال في خطاب بأن الجيش «يعي جيداً التعقيدات الأمنية التي تعيشها بعض البلدان، في محيطنا الجغرافي القريب والبعيد، ويدرك خبايا وأبعاد ما يجري حولنا، وما يمثله ذلك من أخطار وتهديدات على بلادنا التي تبقى دوما مستهدفة. وإدراك الجيش الوطني الشعبي لكل ذلك، سيجعله في غاية الفطنة واليقظة، وسيكون دوماً حارسا أمينا للمصلحة العليا للوطن وفقا للدستور ولقوانين الجمهورية، وسيعرف، بفضل الله تعالى وعونه، كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بتحملها في كافة الظروف والأحوال، فالجميع يعلم أن الجزائر قوية بشعبها وآمنة بجيشها».
خطاب صالح احتفظ بالجرعة المعهودة منه بخصوص الأمن و«المخاطر في دول الجوار»، لكنه بخلاف خطبه السابقة، لم يذكر «الإنجازات» ولم ينسب أي شيء لـ«فخامة رئيس الجمهورية وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة». وهكذا، قرأ مراقبون تأثرا من جانبه بالحراك الشعبي الرافض استمرار الرئيس في الحكم. فهل يمكن أن يتخلى قايد عن بوتفليقة إذا كبرت المظاهرات مع الوقت؟ أم أنه من السابق لأوانه استخلاص شيء كهذا؟ هل يمكن القول بأن قيادة الجيش انحازت لموجة الغضب الشعبي؟

«ضجر الشعب»!
عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية ومرشحها للرئاسية، وجه رسالة لقايد صالح، بعد خطابه، قال له فيها «اختلف المتابعون حول كلامك هل أنت منحاز للشعب أم تهدده؟... ومهما يكن مقصدك، فإن الذي يجب أن تعلمه بأن الخطر الوحيد على النظام العام وعلى استقرار البلد هو النظام السياسي، سواءً الذي أنت جزء منه وتقوم الآن بحمايته، أو الذي تحاربه وتوجه له رسائلك بأساليبك غير المباشرة. ليكن في علمك سيادة الفريق بأن الذي يهدد استقرار البلد، هو الفساد الكبير الذي حوّل الدولة إلى عائلات مافيوية متصارعة على نهب خيرات البلد، تتوارث الفساد من الأب إلى الابن إلى الحفيد، وجميع أجنحة السلطة في كل المؤسسات دون استثناء متورطة فيه. وهم أيضا الأثرياء الكبار الذين يتحكمون اليوم في اللعبة بأطرافها المتناقضة، والذين صنعوا ثرواتهم بالامتيازات قديماً وحديثاً، مع ما تحمله امتداداتهم الخارجية من مخاطر على البلد. وهي شبكات الفساد المعمم، الصغير منه والمتوسط، ضمن نهج بناه النظام السياسي متعمدا لتشكيل شبكات الزبونية السياسية في كل أنحاء الوطن فقتل قيمة العمل والجهد والإبداع والتنافس الحر والنزيه».
وأضاف مقري «الفساد، سيادة الفريق، هو التزوير الانتخابي المستدام الذي أنتج مجالس فاسدة رديئة أنتجت بدورها حكومات فاسدة ضعيفة، أفسدت مؤسسات العدالة والرقابة والإعلام والمجتمع المدني والأحزاب، وكل ما له علاقة بالشأن العام. الفساد هو الانهيار الاقتصادي الذي تجلت أماراته، والذي حينما يوصلنا إلى الإفلاس ستصبح الميزانية الضخمة التي أبقت المؤسسة العسكرية قائمة، عبئا على المواطنين، وعندئذ ستجد أيها الفريق، أنت أو الذين يأتون بعدك، صعوبات عظيمة في دفع أجور الجنود وصيانة السلاح، وبالتالي حماية الحدود. الفساد هو الاختراق والوصاية الأجنبية على البلد الذي نعرف وتعرف حقيقته، ونخشى لعدم إرعاب المواطنين من ذكر تفاصيله. سيادة الفريق: حينما يعبر الشعب عن ضجره من هذا النظام السياسي، بكل تفاصيله، من خلال مسيراته السلمية الحضارية، يعطي الفرصة للجميع للتصحيح والاستدراك..... فإن لم تفهم هذا المغزى الذي أسوقه لك، أو لا تقبله، فأنت كذلك جزء مهم من المشكلة».

العسكر وسلطة البرلمان
من ناحية ثانية، يرى الدكتور محمد دخوش، الباحث في العلاقات المدنية والعسكرية وهو صاحب كتابات عديدة عن علاقة المدني بالعسكري، في نظام الحكم، أن دور قايد صالح ونفوذه تعاظما، منذ إصابة الرئيس بالمرض وعجزه عن القيام بوظائفه. ويضيف أن صلاحياته توسعت وامتد دوره من البعد الفني (قيادة الأركان) إلى البعد السياسي (نائب وزير الدفاع وعضو مجلس الوزراء).
ويذكر دخوش أن المرسوم الرئاسي المتضمن تحديد مهام نائب وزير الدفاع الوطني وصلاحياته، يفيد أن نائب وزير الدفاع الوطني «يساعد الوزير ويمارس عن طريق التفويض وتحت رقابته وسلطته الصلاحيات التي يسندها إليه، ويعرض عليه نتائج نشاطاته، ويفوض له الإمضاء على جميع الوثائق والمقررات، ويجمع المراسلات الموجهة لوزير الدفاع الوطني. ويتولى تسيير علاقات وزارة الدفاع مع مختلف مؤسسات الدولة، ويجمع ويعالج لحساب وزير الدفاع الوطني، المسائل المالية والاقتصادية وينسق أشغال تحضير ميزانية الوزارة، التي يكون هو الآمر بالصرف فيها. كما يعدّ وينفذ السياسة العامة للموارد البشرية للوزارة، بناء على توجيه وزير الدفاع الوطني ويعالج مخططات تحويل وحركة الضباط. ويرأس اللجنة الوزارية للصفقات. ويجمع اقتراحات التعيين في المناصب العليا بالوزارة ويعرضها على وزير الدفاع الوطني».
وعن آفاق العلاقة بين المدنيين والعسكريين في الجزائر، في ظل خطاب السلطة حول «تمدين الممارسة السياسية»، يقول دخوش «تتفق جميع الدراسات المتخصصة، في مجال العلاقات بين السلطة السياسية والجيش، أن بناء علاقات مدنية عسكرية متوازنة في بيئة ديمقراطية، يجب أن تقوم على خضوع القوات المسلحة للسيطرة المتوازنة بين السلطتين التنفيذية والبرلمانية، وتحديد سلسلة القيادات العسكرية ومجالات مسؤولياتها في حالات السلم والحرب، بحيث يكون قادة الجيش خاضعين لوزير دفاع مدني يمثل الجيش لدى الحكومة، ومنح البرلمان صلاحيات إعلان الحرب وحالات الطوارئ في البلاد، وكذا تعيين كبار القادة العسكريين، اشتراك السلطتين التنفيذية والبرلمانية في التحكم بميزانية المؤسسة العسكرية والإشراف عليها، وهذا الشرط يعتبر إحدى أهم مكونات الإشراف المدني على القوات المسلحة».
ثم تابع «باستعراض واقع العلاقات المدنية - العسكرية في الجزائر، لم يحدث يوماً، منذ الاستقلال وتأسيس السلطة التشريعية، أن قام المجلس الشعبي الوطني (الغرفة البرلمانية الأولى) أو مجلس الأمة (الغرفة الثانية) بمراقبة ميزانية الجيش أو متابعة أوجه صرفها، كما لم يقم أي من المجلسين يوماً بمساءلة قادة الجيش عن هذا الأمر أو غيره. ورغم إنشاء لجنة للدفاع الوطني في البرلمان، لم يغير ذلك شيئا في العلاقة بين الجيش والمؤسسات التمثيلية للدولة، مع أن التوجه كان بهدف إخضاع المؤسسة العسكرية للرقابة. ثم إن البرلمان الجزائري لا يملك صلاحية إعلان الحرب وفرض حالات الطوارئ في البلاد، ولا تعيين كبار القادة العسكريين، ولذا لم تصل المؤسسات التمثيلية الجزائرية للمستوى العالي من الممارسة الديمقراطية، كما أن هذه الصلاحيات هي صلاحيات حصرية لرئيس الجمهورية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلح، الذي تلعب المؤسسة العسكرية - ولعبت سابقاً – دوراً مهماً في إيصاله للحكم. أضف لما تقدم أن شرط خضوع المدنيين الذين يتحكمون في القوات المسلحة، بدورهم، للعملية الديمقراطية لم يتحقق بعد. إذ لا تزال العملية الانتخابية في الجزائر تشوبها العديد من النقائص، في ظل الاتهامات المتكررة بالتزوير ما يطعن في مصداقيتها».

بطاقة هوية
- ولد أحمد قايد صالح في مدينة باتنة، خامس كبرى مدن الجزائر وأكبر معاقل الشاوية وعاصمة منطقة الأوراس بشمال شرقي الجزائر، يوم 13 يناير (كانون الثاني) من عام 1940. أي أنه يبلغ من العمر حالياً 79 سنة.
- كان من المناضلين الميدانيين الذين شاركوا في النضال الاستقلالي ضد الاستعمار الفرنسي، منذ سن السابعة عشرة.
- تدرّج سلم القيادة ليعيّن قائدا على التوالي في الفيالق 21 و29 و39 لجيش التحرير الوطني منذ أغسطس (آب) 1957.
- تخرّج في أكاديمية فيستريل العسكرية (روسيا).
- عيّن قائدا للواء ثم قائدا للقطاع العملياتي الأوسط.
- تولّى قيادة مدرسة تكوين ضباط الاحتياط.
- عيّن قائداً للقطاع العملياتي الجنوبي لتندوف (غرب الجزائر).
- بعدها عيّن نائباً لقائد الناحية العسكرية الخامسة.
- ثم عيّن قائدا للناحية العسكرية الثالثة.
- ثم قائداً للناحية العسكرية الثانية.
- رقّي لرتبة لواء عام 1993.
- أسند إليه عام 1994 منصب قائد القوات البرية.
- ولّي منصب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي 2004.
- رقّي لرتبة فريق عام 2006.
- عيّن في منصب نائب وزير الدفاع الوطني يوم 15 سبتمبر (أيلول) عام 2013.
- حائز على وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي الشارة الثانية ووسام الاستحقاق العسكري ووسام الشرف.
- متزوج وأب لسبعة أولاد.



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.