مقهى كابل.. الخط الأول لمواجهة تعاليم طالبان

في إحدى الغرف المعزولة، يتجمع نصف درزينة من الشباب والنساء، ويتكئون على وسائد، ويشربون الشيشة، ويدردشون مع بعضهم البعض، وفي غرفة مجاورة، يوجد تروبادور يعزف على الغيتار ويغني أغاني احتجاجية في حفلة تضم لاعبي كرة القدم بالمرحلة الثانوية من التعليم.
مرحبا بكم في المقهى والمطعم الفني في كابل الذي يمثل خط المواجهة الأخير في الثقافة الحضرية المتأرجحة بين جيل ما بعد طالبان، والبارع في استخدام الإنترنت ويريد الدفع باتجاه الحرية الديمقراطية، وما بين المحافظين المصرين على الحفاظ على التقاليد، ولا سيما ما يتعلق بالفصل بين الجنسين.
هو أحد المقاهي التي فتحت في إحدى المناطق التجارية المزدحمة غرب كابل العام الماضي، وجذب إليه عددا من الطلاب والفنانين والصحافيين، وغيرهم من الشباب. وكان المقهى يخضع لمراقبة الشرطة فيما يتعلق بالكحوليات والمخالفات الأخرى، ولكن حتى الأسبوع الماضي، لم يكن هناك أي مواجهات خطيرة.
وفي يوم السبت في تمام الساعة الرابعة مساء، داهمت الشرطة المقهى وأشهرت أسلحتها، وبدأت الاعتداء على الناس. ووفقا لما أوضحه مالك المقهى وعدد من الشهود، فقد وجهت قوات الشرطة شتائم خارجة لبعض السيدات، واقتيد بعض الرجال إلى مركز الشرطة؛ حيث قاموا بقص شعورهم، وهي العقوبة التي كانت تطبقها شرطة طالبان الدينية في الماضي.
وقالت دنيا صادقي، البالغة من العمر 29 عاما، وتعمل ممثلة، إنها ذهبت إلى المقهى هذا السبت لملاقاة صديق لها كان يعمل على فيلم وثائقي. وخلال المداهمة، قالت: إن الشرطة لكمتها ووجهت لها شتائم. وحكت يوم الأربعاء وهي ترتدي غطاء للرأس ورديا وفستانا أسود طويلا: «قالوا: أنت امرأة سيئة، ولو كنت غير ذلك لما تواجدت في مثل هذه الأماكن». وأضافت: «لقد كنت خائفة للغاية». ولكن إذا كانت شرطة المدينة تحاول فرض رمز أخلاقي يميل إلى الزوال، فعلى ما يبدو أن رؤساءهم في وزارة الداخلية أحرجوا جراء هذا الحادث. وبعد شكاوى قدمتها جماعات مدنية، أفادت وسائل الإعلام الأفغانية أنه جرى اعتقال بعض الضباط الضالعين في الحادثة، وزار وفد من مسؤولي الوزارة المقهى يوم الأربعاء لتفقد الأوضاع هناك.
وقال أحد المسؤولين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، أثناء مغادرته المكان الذي أحيط بعشرات من حراس الشرطة «إن الأمر برمته لم يتعد كونه سوء فهم». بينما لم تفلح الجهود المتكررة الرامية إلى الوصول إلى المسؤولين والمتحدثين باسم شرطة كابل.
ومن المعروف أن انهيار طالبان في عام 2001 وظهور الأفكار والمساعدات والتكنولوجيا الغربية فتح المجتمع المنعزل أبوابه على العالم الحديث. وكان أثر ذلك أكثر وضوحا خاصة في العاصمة وغيرها من المدن الكبيرة، وذلك في ضوء وجود الكليات والوظائف لأولئك الذين يتعلمون اللغة الإنجليزية ومهارات الكومبيوتر.
ويخوض أبناء الجيل الجديد صراعات فكرية لا مفر منها مع الآباء خاصة فيما يتعلق بالزواج، أو الاختلاط مع الجنس الآخر - وهو ما تحرمه الأعراف الاجتماعية الأفغانية.
ويحرص رجال الدين على التحذير من مخاطر النفوذ الغربي على الشباب، وهو ما يؤكده عناية الله بالي، وهو عضو بالمجلس الوطني لرجال الدين المسلمين قائلا: «نشعر بقلق بالغ إزاء انتشار وتغلغل الثقافة الأجنبية في مجتمعنا»، وأضاف: «هناك فرق كبير بين الثقافة الإسلامية وأمور أخرى تتعلق بطريقة اللباس الخاصة بنا وطريقة تفاعلنا مع الآخرين. الإسلام يفضل التطورات والعلوم الحديثة، وليس السلوك الفاسد وغير الأخلاقي».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»