أثار ترشح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ردود فعل شعبية ساخطة في العاصمة، وفي الكثير من الولايات. فقد خرج الآلاف إلى الشوارع، أمس، للاحتجاج، مطالبين الرئيس بسحب ترشحه. وتمخض لقاء للمعارضة عن مطالبة السلطة بتأجيل الرئاسية المقررة في 18 أبريل (نيسان) المقبل، وتفعيل مادة في الدستور تتحدث عن عزل رئيس الجمهورية بسبب المانع الصحي.
ونظّم الآلاف أمس مسيرات في جو هادئ وبحضور مكثف لرجال الأمن في الأغواط، والوادي، وغرداية بالجنوب، والطارف، وقسنطينة، وباتنة بالشرق، وبوهران، وسيدي بلعباس بالغرب، وفي تيبازة، وعين الدفلى، وتيزي وزو بوسط البلاد. ورفع المتظاهرون في هذه المدن شعارات معادية للرئيس ولرجاله، المتهمين بـ«اتخاذه رهينة»، وبأنهم «هم من رشحوه لفترة جديدة من غير إرادته».
وبالعاصمة قال كريم جلفاوي، طالب بالجامعة شارك في مظاهرة أمس، لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن أن نصدق أن الرئيس ترشح للرئاسية، لسبب بسيط هو أنه طريح الفراش بمستشفى بسويسرا، وهذا منذ أيام عدة، وما حدث بالمجلس الدستوري لا يعدو أن يكون مسرحية يؤدي فيها أصحاب مصالح أدواراً محكمة، لكن مكشوفة». وكان كريم يشير إلى ملف ترشح الرئيس، الذي أودعه مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان بـ«المجلس الدستوري»، ليل الأحد. ويلزم قانون الانتخابات من يرغب في أن يكون رئيساً للجمهورية، أن يقدم أوراق اعتماده بنفسه. هذه الخطوة لم ينجزها بوتفليقة، بعكس عام 2014 عندما توجه إلى «المجلس الدستوري» وهو على كرسي متحرك.
وذكر عبد الله بايو، عامل ميكانيكي في «شركة السيارات الصناعية» المملوكة للدولة، أنه «لا يصدق أبداً بأن الرئيس ترشح، بل إن الجماعة المحيطة به رشحته حفاظاً على مصالحها. الرئيس في غيبوبة بجنيف، هكذا سمعتهم يقولون».
ويركز منتقدون للولاية الخامسة لبوتفليقة على مجموعة أشخاص يتحدثون باسم الرئيس، وهم على وجه الخصوص رئيس وزرائه أحمد أويحيى، وشقيقه وهو كبير مستشاريه السعيد، وأمين عام النقابة المركزية عبد المجيد سيدي السعيد، ورئيس «منتدى رؤساء المؤسسات» (أكبر تكتل لرجال الأعمال) علي حداد، زيادة على «منسق» حزب «جبهة التحرير الوطني» (أغلبية) معاذ بوشارب، ورئيس «تجمع أمل الجزائر» عمر غول، ورئيس «الحركة الشعبية الجزائرية» عمارة بن يونس. وهؤلاء يمثلون واجهة الفريق المساند للرئيس، وخلفهم يوجد المئات من الأشخاص ينتمون إلى تنظيمات وجمعيات تدور في فلك السلطة.
تصدع في صفوف «الموالاة»
وأعلن البرلماني سيد أحمد فروخي من «جبهة التحرير»، وهو وزير الزراعة سابقاً، استقالته من البرلمان، تجاوباً مع الحراك الشعبي الرافض لـ«العهدة الخامسة». والخطوة نفسها اتخذها البرلماني خالد تزغارت من «الحركة الشعبية». وعدَت الاستقالتان تصدّعاً في صفوف «الموالاة».
من جهته، قال عبد الله جاب الله، رئيس «جبهة العدالة والتنمية» الإسلامية، في نهاية لقاء جمع أقطاب المعارضة بالعاصمة، أمس: إن المرشحين الذين أودعوا ملفات ترشيحاتهم «مدعوون للانسحاب». ورحّب بمن عادوا عن ترشيحاتهم، وأبرزهم عبد الرزاق مقري، رئيس «حركة مجتمع السلم»، ولويزة حنون، زعيمة «حزب العمال»، وعلي بن فليس (رئيس وزراء سابق) رئيس «طلائع الحريات».
وجاء في بيان لـ«المعارضة الرافضة للعهدة الخامسة»، مطالبة بـ«تفعيل المادة 102 من الدستور» التي تقول: «إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوباً، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع. يعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معاً، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون يوماً، رئيس مجلس الأمة (الغرفة البرلمانية الثانية). وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين يوماً، يعلن الشغور بالاستقالة وجوباً، وتبلغ فوراً شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوباً. ثم يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة مدة أقصاها ستون يوماً، تنظم خلالها انتخابات رئاسية».
وحضر الاجتماع، بن فليس ورئيس الوزراء سابقاً أحمد بن بيتور، وزير الإعلام سابقاً عبد العزيز رحابي، ووزير الفلاحة سابقاً نور الدين بحبوح، وقادة أحزاب صغيرة وناشطين سياسيين عدة. يشار إلى أن الرئيس بوتفليقة متواجد بسويسرا للعلاج، منذ 11 يوماً. وجرى إيداع ملف ترشحه في غيابه.
وأوضح البيان، أن المعارضة «ترفض الرسالة المنسوبة للمترشح الرئيس، شكلاً ومضموناً؛ لكونها مجرد مناورات لإجهاض الحراك الشعبي والالتفاف على أهدافه وتضحياته، ومحاولة تمديد عمر النظام»، في إشارة إلى «رسالة للأمة» وجهها الرئيس وقرأها أول من أمس مدير حملته زعلان، بمقر «المجلس الدستوري»، تضمنت تعهداً بتنظيم انتخابات رئاسية مبكّرة، بعد الاستحقاق المقبل، يحدد تاريخه خلال أشغال «ندوة وطنية» تبحث مشكلات البلاد وتُعقد قبل نهاية 2019.
ومن بين ما تعهد به بوتفليقة، في الرسالة: «تغيير النظام وبناء جمهورية جديدة، وإعداد دستور جديد يُزكّيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء، يكرسُ ميلاد جمهورية جديدة ونظام جديد، ووضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، ومنها ظاهرة الحرقة (الهجرة غير الشرعية)، إضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد».
وكتب الصحافي نجيب بلحيمر، بحسابه على «فيسبوك»، عن «الرسالة» التي أثارت جدلاً: «أول ما يجب الانتباه إليه هو أن النظام مارس كالعادة سطواً على المطالب التي يرفعها الجزائريون، ويريدون من خلال تجسيدها بناء الدولة التي يريدون، وهكذا تم اعتماد تغيير النظام، وإقامة جمهورية جديدة، ضمن الوعود التي تقول الجماعة الحاكمة إنها ستنفذها بعد الانتخابات، وهي تتحدث موقنة بفوز مرشحها الغائب». وأضاف: «الحديث عن تغيير النظام يعني الوعد بالذهاب نحو تفكيك النظام الحالي، وهذا مطلب تبلور خلال السنوات الماضية بعد توالي النكسات منذ الاستقلال، أما ذِكر الجمهورية الجديدة فهو تلقف لفكرة الجمهورية الثانية التي تعني إعادة تأسيس الدولة الجزائرية، وهو مطلب قديم أيضاً تكرس بفعل فشل كل محاولات الترقيع السابقة التي خضع لها النظام السياسي والتي جعلت الدولة في مواجهة خطر التفكك».