الأميركيون.. و{معضلة الحساب}

مدرس ياباني مخضرم: اخترعوا أفضل أساليب التدريس دون أن يستخدمها أحد

وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)
وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)
TT

الأميركيون.. و{معضلة الحساب}

وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)
وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات (نيويورك تايمز)

عندما كان اكيهيكو تاكاهاشي طالبا في السنة الثالثة بالكلية في عام 1978، كان مثل معظم الطلاب في جامعته الواقعة بإحدى ضواحي طوكيو. كان يساوره شعور غامض بالرغبة في تحقيق شيء ما ولكن من دون تحديد لماهية ذلك الشيء. ولكن ذات ربيع تقابل مع رجل تصادف أن يصبح معلما له، وضبطت هذه العلاقة مسار حياته فيما بعد.
كان تاكيشي ماتسوياما معلما للمرحلة الابتدائية، ولكنه مثل عدد صغير من المعلمين في اليابان، كان لا يدرس للأطفال الصغار فحسب، بل لطلاب الجامعات كذلك الذين كانوا يرغبون في أن يصبحوا معلمين. وفي المدرسة الابتدائية التابعة للجامعة حيث كان ماتسوياما يعمل مدرسا، حوّل فصله الدراسي إلى نوع من المختبرات، حيث كان يختلق ويحاول الخروج بأفكار تعليمية جديدة. وعندما تقابل تاكاهاشي معه، كان ماتسوياما في منتصف أجرأ تجربة خاضها في حياته، من حيث إحداث ثورة في الطريقة التي يتعلم بها الطلاب الرياضيات من خلال التغيير الجذري في أسلوب تدريس المعلمين لها.
فبدلا من جعل الطلاب يحفظون ثم يتدربون على قوائم غير منتهية من المعادلات، التي لا يزال تاكاهاشي يتذكرها منذ أيامه الأولى في المدرسة، شجع ماتسوياما طلاب الكلية على الدخول في مناقشات حماسية فيما بين الأطفال حتى يمكنهم سبر غور إجراءات، وخصائص، وبراهين الرياضيات بأنفسهم. وذات يوم، على سبيل المثال، سوف يشتق الطلاب الصغار المعادلة للعثور على منطقة المستطيل، وفي اليوم التالي، سوف يستخدمون ما تعلموه لفعل الشيء نفسه مع متوازيات الإضلاع. وبتدريس بذلك الأسلوب، بدت الرياضيات وكأنها شهدت تحولا ما، فلم تعد بائسة ومملة كما كانت، بل تمتلئ بالتحدي، والتحفيز، بل والمتعة كذلك.
سرعان ما لحق تاكاهاشي بالمنهج الجديد. واكتشف أن تلك الأفكار أتت من الإصلاحيين في الولايات المتحدة، وكرس نفسه لتعلم كيفية التدريس مثل المعلم الأميركي. وعلى مدى الـ12 عاما المقبلة، وبمزيد من تبني النظام التعليمي الياباني لذلك المنهج في تدريس الرياضيات، قام تاكاهاشي بالتدريس لأول مرة للصف السادس. وكان التدريس، والتفكير حول التدريس، هو كل ما كان يفعله. وكان رجلا هادئا ذا عينين مبتسمتين، وكان شغفه بالنوع الجديد من تدريس الرياضيات قد أخذ أقرانه على حين غرة. وقد أخبرني مدرس رياضيات زميل عبر أحد المترجمين: «إنه يبدو لطيفا للغاية وعطوف. لكنه ما إن يبدأ الحديث حول الرياضيات، فكل شيء يتغير».
كان تاكاهاشي مفتونا على وجه الخصوص بجمعية أميركية تسمى المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات أو (NCTM)، التي نشرت بياناتها الرسمية خلال عقد الثمانينات، واصفة التغييرات الجذرية في منهج تدريس الرياضيات. كان تاكاهاشي يقضي الليالي الطويلة في المدرسة ليقرأ تلك البيانات جيدا. ومثل كثير من المهنيين في اليابان، غالبا ما يقول المدرسون إنهم يقومون بعملهم باسم معلميهم. ويبدو أن تاكاهاشي خضع لتأثير قوتين؛ ماتسوياما، والإصلاحيين الأميركيين.
أصبح تاكاهاشي، الذي يبلغ من العمر 58 عاما، واحدا من رواد تدريس الرياضيات في بلاده، فلقد جذب ألفا من المراقبين ذات مرة لحضور فصل دراسي عام كان يحاضر فيه. ولقد شارك في فصل دراسي يماثل في شعبيته شعبية «الشيف الحديدي»، البرنامج التلفزيوني الياباني الشهير. ولكن في عام 1991، عندما سنحت له الفرصة لتولي وظيفة جديدة في أميركا، للتدريس في مدرسة تديرها وزارة التعليم اليابانية للوافدين، ومقرها في ولاية شيكاغو، فلم يتردد. ومع زوجته، التي تعمل مصممة غرافيك، ترك أصدقاءه، وعائلته، وزملاءه (وكل من كان يعرف) وانتقل إلى الولايات المتحدة، يدفعه شغفه ليكون في مركز الرياضيات الجديدية.
وبمجرد وصوله، بدأ في قضاء أيامه في زيارة المدارس الأميركية. وأول فصول تدريس الرياضيات التي راقب عليها منحته دفعة قوية حتى إنه أعتقد أن هناك خطأ ما قد وقع. فالفصل الدراسي أرجع إليه ذكرياته المدرسية الخاصة، حيث قال: «ظننت (حسنا) أنه ذلك الفصل الدراسي فحسب». غير أن الفصل الدراسي التالي بدا مثل الأول تماما، وكذلك كان الثالث والذي بعده. ربما اخترع الأميركيون أفضل الأساليب لتدريس الرياضيات للأطفال، ولكن كان من الصعب العثور على أي شخص يستخدم تلك الأساليب بالفعل. ولم تكن تلك المرة الأولى التي حلم فيها الأميركيون بطريقة أفضل لتدريس الرياضيات ثم يفشلون في تنفيذها. ولقد تكرر ذات النمط في حقبة الستينات، عندما كشفت المدارس التي عانت من عقدة النقص لما بعد سبوتنيك عن طموح حيال «الرياضيات الجديدة»، فقط لكي تكتشف، بعد عدة سنوات، أنه لم يتغير شيء بالفعل. في حقيقة الأمر، فإن الجهود المبذولة لاستحداث طريقة جديدة في تدريس الرياضيات تعود إلى القرن الـ19. وتتكرر القصة نفسها في كل مرة؛ دفعة حماسية كبيرة، يتبعها ارتباك واسع، ثم العودة على الممارسات الاعتيادية.
وتبدأ المتاعب في المعتاد، عندما يطلب من المعلمين وضع أفكارهم المبتكرة محل التنفيذ، من دون المزيد من التوجيه حول كيفية تطبيق ذلك. وفي أيدي المدرسين غير المدربين، تتحول الإصلاحات إلى هراء، وتزيد من حيرة الطلاب أكثر مما تساعدهم. وصف أحد أفلام الكرتون لعام 1965 سالي الصغيرة ذات الشعر الأشقر وهي تكافح لكي تفهم واجباتها من الرياضيات الحديثة: «مجموعات.. مطابقة واحدة لواحدة.. مجموعات متماثلة.. مجموعات من واحدة.. مجموعات من اثنين.. اثنان يتبقيان.». وبعد الاستمرار لثلاثة إطارات بائسة، تلقي برأسها للوراء وتنفجر باكية: «كل ما أريد معرفته هو كم يساوي اثنين واثنين».
واليوم فالإحباط الهابط من مستوى النية الطيبة إلى الدموع البائسة يلعب دوره مجددا، حيث تعمل الولايات في جميع أنحاء البلاد على تنفيذ الموجة الأخيرة من الإصلاحات في الرياضيات؛ الأساس المشترك. مجموعة جديدة من المعايير الأكاديمية يجري تطويرها لاستبدال أهداف التعلم المصممة بشكل فردي، وتعد معايير رياضيات الأساس المشترك، مثل إصلاحات الرياضيات القديمة، ذات طموح أكبر وتنقيح أفضل. وفي حين أن الحركات السابقة كانت تستقدم المدرسين بصورة جزافية، من خلال مؤسسات مثل المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات الذي يعشقه تاكاهاشي، فإن الأساس المشترك لديه مساحة أوسع لاختيار المدرسين. بدأت مجموعة من المحافظين ورؤساء التعليم من 48 ولاية في كتابة المعايير، لكل من الرياضيات وفنون اللغة، وكان ذلك في عام 2009. وفي العام ذاته، شجعت إدارة الرئيس أوباما على الفكرة، وجعلت من تبني المعايير المشترك الصارمة معيارا عاما لتلقي جزء من منح السباق إلى أعلى، البالغة أكثر من أربعة مليارات دولار. وقد تبنت 43 ولاية المعايير الجديدة.
وتُعد الفرصة لتغيير أسلوب تدريس الرياضيات، على نحو ما أعلن عنه المجلس الوطني لمدرسي الرياضيات في تأييده لمعايير الأساس المشترك: «غير مسبوقة». وحتى الآن، ومرة أخرى، جاءت الإصلاحات من دون أي نظام جيد لمساعدة المدرسين في تعلم كيفية التدريس. وفي استجابة لاستبيان جديد أجرته صحيفة «أسبوع التعليم»، قال المدرسون إنهم قضوا فترة أقل من أربعة أيام في التدريب على الأساس المشترك، وقد تضمن ذلك التدريب على معايير فنون اللغة، وكذلك الرياضيات.
وإذا ما درست بعناية، فإن المهام يمكنها المساعدة في جعل الرياضيات أكثر صلابة. فلا يتذكر الطلاب جداول الأوقات وحقائق الجمع بل يفهمون كذلك كيفية عمل الحساب وكيفية تطبيقه على المواقف الحياتية الحقيقية. ولكن عند الممارسة، يأتي معظم المدرسون بلا أعداد وتزداد حيرة الأطفال، مما يجعل الآباء في منتهى الغضب. وقد سخر الممثل الكوميدي لويس سي كي من فروض بناته المدرسية في ظهور له على برنامج «ذا ليت شو مع ديفيد ليترمان»: «إنها تبدو مثل (لدى بيل ثلاثة أسماك ذهبية. وقد اشترى سمكتين أخريين. فكم عدد الكلاب التي تعيش في لندن؟)».
إن التنفيذ غير الملائم قد يجعل من إصلاحات الرياضيات تبدو مثل النموذج الأكثر عبثية لتغيير السياسات، مثل الذي يخلق مشكلة جديدة كاملة لحلها. لماذا نصر على تكرار تجربة الأمر الذي فشلنا فيه أكثر من ست مرات من قبل، لنحصل فقط على نتائج عكسية؟ عقب أربع سنوات فقط من إصدار المعايير الجديدة لأول مرة، اكتسبت هذه المناقشة زخمها. ومنذ شهر مارس (آذار)، عارض أربعة حكام من الجمهوريين تلك المعايير. وفي ولاية نيويورك، يحاول أحد المرشحين الجمهوريين إنشاء خط جديد للاقتراع، بعنوان «أوقفوا الأساس المشترك»، لانتخابات حكام الولايات في نوفمبر (تشرين الثاني). وعلى اليسار، في الوقت ذاته، عارضت اتحادات المدرسين في ولايتي شيكاغو ونيويورك تلك الإصلاحات.
وحقيقة أن دولا مثل اليابان قد طبقت نهجا مماثلا مع نجاح كبير يقدم لنا القليل من التعزية حينما تبدو النتائج هنا مروعة. قد يكون الأميركيون قد كتبوا الرياضيات الحديثة، ولكن ربما، وببساطة، لا نتناسب نحن مع ذلك. «بربكم»، هي مقالة كتبها إريك اريكسون، محرر موقع «RedState»، في هجوم مباشر على الأساس المشترك، فهو يبدو «كفكرة مرعبة في أننا نحاول تدريس الرياضيات بالطريقة التي كنا دوما ندرسها بها».
تخرج الرياضيات الحديثة لعقد الستينات، والرياضيات الحديثة الحديث لعقد الثمانينات، وكذلك رياضيات الأساس المشترك جميعها من فكرة أن الطريقة التقليدية لتدريس الرياضيات ببساطة لا تصلح.
وكأمة، فإننا نعاني من علة سماها جون آلن بولوس، وهو أستاذ الرياضيات في جامعة تيمبل ومؤلف، باسم «العجز الرياضي»، وهو المعادل الرياضي لعدم القدرة على القراءة. في الاختبارات الوطنية، ما يقرب من ثلثي طلاب الصف الرابع والثامن غير بارعين في الرياضيات. وأكثر من نصف طلاب الصف الرابع الذي يتقدمون لاختبار التقييم الوطني للتقدم في التعليم لا يستطيعون بدقة قراءة درجة الحرارة على مقياس الحرارة المنظم بعناية. (ولم يفهموا أن كل علامة على المقياس تمثل درجتين بدلا من واحدة، مما أدى بالكثير من الطلاب إلى الخطأ في قراءة 46 درجة على أنها 43 درجة). وفي ذات الاختبار متعدد الاختيارات، ثلاثة أرباع طلاب الصف الرابع لم يتمكنوا من ترجمة مسألة كلامية بسيطة حول فتاة باعت 15 كوبا من عصير الليمون يوم السبت وضعف ذلك في يوم الأحد في التعبير «15 + (2×15)». حتى في ولاية ماساتشوسيتس، وهي واحدة من أعلى الولايات الأميركية من حيث الأداء، فإن طلاب الرياضيات متأخرون بمقدار عامين عن أقرانهم في شنغهاي.
إن مرحلة البلوغ لا تخفف من النقص الكمي لدينا. حيث وجدت دراسة مقارنة أجريت في عام 2012 حول الذين يبلغون 65 عاما في 20 دولة، أن الأميركيين يأخذون الترتيب الخامس من أسفل في القدرات الكتابية والحسابية. وعلى مقياس من 1 إلى 5، سجلت نسبة 29 في المائة منهم عند المستوى الأول أو أقل، مما يعني أنهم يمكنهم أداء العمليات الحسابية الأساسية ولكن لا يستطيعون أداء الحسابات التي تتطلب خطوتين أو أكثر. وإحدى الدراسات التي بحثت في الوصفات الطبية الخاطئة وجدت أن نسبة 17 في المائة من الأخطاء جاءت نتيجة أخطاء رياضية من جانب الأطباء أو الصيادلة. ووجدت دراسة أخرى أن ثلاثة أرباع الأطباء يقدرون معدلات الوفيات بصورة غير دقيقة والتعقيدات الكبرى المتعلقة بالإجراءات الطبية الاعتيادية، حتى في مجالات تخصصاتهم.
وواحدة من أكثر الإخفاقات الحسابية وضوحا لدى الأميركيين وقعت في بداية عقد الثمانينات، حينما أصدرت سلسلة مطاعم «A&W» نوعا جديدا من ساندويتشات الهمبورغر لمنافسة منتج «كوارتر باوندر» لدى «ماكدونالدز». مع ثلث رطل من اللحم البقري، كان ساندويتش «A&W» يحمل كمية من اللحم أكثر من ساندويتش «ماكدونالدز»، وفي اختبار التذوق، فضل العملاء ساندويتش «A&W». وكان أقل في السعر من نظيره. وقد فخمت حملة تلفزيونية وإذاعية لشركة «A&W» من تلك الفوائد. ومع ذلك، فبدلا من الاستفادة من القيمة الكبيرة، تجاهل العملاء المنتج.
ولم تدرك الشركة السبب إلا عندما عقدت مجموعات التركيز على العملاء. قدم ساندويتش «A&W» للجمهور الأميركي اختبارا في الكسور مما تسبب في فشله. فإن سوء الفهم في قيمة الثلث أدى لاعتقاد العملاء أنهم سيدفعون أكثر. لماذا (كما سألوا الباحثين) ينبغي عليهم دفع لقاء ثلث رطل من اللحم، مثلما يدفعون لقاء ربع رطل من اللحم لدى «ماكدونالدز». فإن رقم «4» في «¼» هو أكبر من الرقم «3» في «⅓» رغم أن الكمية مختلفة، مما أفقدهم الحساب الصحيح.

* خدمة «نيويورك تايمز»



حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح
TT

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

حينما تكون اللهجة معوقاً للنجاح... فالحل بدراسة النطق الصحيح

اللهجات المختلفة تشير أحياناً إلى منشأ المتحدث بها، أو درجة تعليمه، أو وسطه الاجتماعي. وفي بعض الأحيان، تقف اللهجات عائقاً أمام التعلم والفهم، كما أنها في بعض الأحيان تقف عقبة أمام التقدم المهني ونظرة المجتمع للمتحدث. ولهذا يتطلع كثيرون إلى التخلص من لهجتهم، واستبدالها بلغة «راقية» أو محايدة تمنحهم فرصاً عملية للترقي، وتحول دون التفرقة ضدهم بناء على لهجة متوارثة لا ذنب لهم فيها.
هذه الفوارق بين اللهجات موجودة في كل اللغات، ومنها اللغة العربية التي يحاول فيها أهل القرى اكتساب لهجات أهل المدن، ويتحدث فيها المثقفون إعلامياً بلغة فصحى حديثة هي الآن اللغة السائدة في إعلام الدول العربية. ولكن من أجل معالجة وسائل التعامل مع اللهجات واللكنات، سوف يكون القياس على اللغة الإنجليزية التي تعد الآن اللغة العالمية في التعامل.
هناك بالطبع كثير من اللهجات الإنجليزية التي تستخدم في أميركا وبريطانيا وأستراليا ودول أخرى، ولكن معاناة البعض تأتي من اللهجات الفرعية داخل كل دولة على حدة. وفي بريطانيا، ينظر البعض إلى لهجة أهل شرق لندن، التي تسمى «كوكني»، على أنها لهجة شعبية يستخدمها غير المتعلمين، وتشير إلى طبقة عاملة فقيرة. وعلى النقيض، هناك لهجات راقية تستخدم فيها «لغة الملكة»، وتشير إلى الطبقات العليا الثرية، وهذه أيضاً لها سلبياتها في التعامل مع الجماهير، حيث ينظر إليها البعض على أنها لغة متعالية، ولا تعبر عن نبض الشارع. وفي كلا الحالتين، يلجأ أصحاب هذه اللهجات إلى معالجة الموقف عن طريق إعادة تعلم النطق الصحيح، وتخفيف حدة اللهجة الدارجة لديهم.
الأجانب أيضاً يعانون من اللكنة غير المحلية التي تعلموا بها اللغة الإنجليزية، ويمكن التعرف فوراً على اللكنات الهندية والأفريقية والعربية عند نطق اللغة الإنجليزية. ويحتاج الأجانب إلى جهد أكبر من أجل التخلص من اللكنة الأجنبية، والاقتراب أكثر من النطق المحايد للغة، كما يسمعونها من أهلها.
وفي كل هذه الحالات، يكون الحل هو اللجوء إلى المعاهد الخاصة أو خبراء اللغة لتلقي دروس خاصة في تحسين النطق، وهو أسلوب تعلم يطلق عليه (Elocution) «إلوكيوشن»، وله أستاذته المتخصصون. ويمكن تلقي الدروس في مجموعات ضمن دورات تستمر من يوم واحد في حصة تستمر عدة ساعات إلى دورات تجري على 3 أشهر على نحو أسبوعي. كما يوفر بعض الأساتذة دورات شخصية مفصلة وفق حاجات الطالب أو الطالبة، تعالج الجوانب التي يريد الطالب تحسينها.
ومن نماذج الأساتذة الخصوصيين ماثيو بيكوك، الذي يقوم بتدريب نحو 20 طالباً أسبوعياً في لندن على تحسين نطقهم، حيث يتعامل مع حالة طبيب في مستشفى لندني يعاني من لهجته الكوكني، ويريد التخلص منها حتى يكتسب مصداقية أكبر في عمله كطبيب. ويقول الطبيب إنه يكره الفرضيات حول لهجته من المرضى والمجتمع الذي يتعامل معه.
ويقول بيكوك إن الطلب على دروس تحسين اللهجات في ارتفاع دائم في السنوات الأخيرة. كما زاد الطلب على الدروس بنسبة الربع في بريطانيا بعد استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في العام الماضي. وكان معظم الطلب من الأوروبيين المقيمين في بريطانيا الذين يريدون التخلص من لكنتهم الأوروبية حتى يمكنهم الاختلاط بسهولة في بريطانيا، وتجنب التفرقة ضدهم من الشعب البريطاني.
ويقدم أحد فروع الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية في لندن دروساً شخصية في الإلقاء وتحسين اللهجة. ويقول كيفن تشابمان، مدير فرع الأعمال في الأكاديمية، إن الإقبال في العام الأخير على هذه الدروس زاد من 3 إلى 4 أضعاف. ويتلقى الطلبة دروساً فردية للتخلص من لهجات قروية، ولكن مع تقدم الدروس، يكتشف المدرس أن الطالب يحتاج أيضاً إلى معالجة أمور أخرى غير اللهجة، مثل الاضطراب والضغوط النفسية عند الحديث مع الإعلام وكيفية الإلقاء الصحيح.
وتجرى بعض هذه الدروس عن بعد، عن طريق برامج فيديو مثل «سكايب» يمكن للطالب أن يستمع إلى إلقائه عبر الفيديو من أجل تحسين لهجته. وترتبط دروس تحسين اللهجات في معظم الأحوال بتحسين أساليب التواصل والإلقاء عبر الوسائل الإلكترونية، وهي مقدرة يحتاجها أصحاب الأعمال في توصيل أفكارهم بوضوح وبساطة إلى زبائن الشركة والموردين الذين يتعاملون معهم، خصوصاً أن التعامل في عالم الأعمال الحديث يكون في مناخ دولي من جميع أنحاء العالم.
وبخلاف أصحاب الأعمال، يقبل على دروس تحسين اللهجة والحديث العام شرائح مجتمعية أخرى، مثل المدرسين والمحامين. وتقول فيليستي غودمان، مدربة الصوت التي تعمل في مدينة مانشستر، إنها فوجئت بأن بعض طلبتها اعترفوا بأنهم فشلوا في مقابلات عمل بسبب اللهجة، وهي تعتقد أن أصحاب الأعمال قد يقصدون القدرة اللغوية أو كيفية النطق، بدلاً من اللهجة، عند رفض المتقدمين لوظائف معينة.
ومن شركة متخصصة في تدريب الموظفين الذين يعملون في مجال السلع والخدمات الفاخرة، اسمها «لندن لكشري أكاديمي»، يقول مديرها العام بول راسيل، المتخصص في علم النفس، إن التفرقة ضد بعض اللهجات موجودة فعلاً. وهو يقوم بتدريب موظفي الشركات على التعامل بلهجات واضحة مع كبار الزبائن الأجانب. ويقول إن العامة تحكم على الأشخاص من لهجتهم رغماً عنهم، خصوصاً في بعض المجالات، حيث لا يمكن أن ينجح أي شخص بلهجة قوية في التواصل مع المجتمع المخملي في أي مكان.
ولمن يريد تحسين لهجته أو لغته بوجه عام، مع جوانب كيفية لفظ الكلمات والإلقاء العام، عليه بدورات تدريبية متخصصة، أو بدروس خصوصية من مدرب خاص. وتتراوح التكاليف بين 30 و40 جنيهاً إسترلينياً (40 و52 دولاراً) في الساعة الواحدة. ويحتاج الطالب في المتوسط إلى دورة من 10 دروس.
ولا يلجأ مدرسي النطق الصحيح للغات إلى الإعلان عن أنفسهم لأنهم يكتفون بمواقع على الإنترنت والسمعة بين طلبتهم من أجل الحصول على ما يكفيهم من دفعات الطلبة الجدد الراغبين في التعلم. ويقول روبن وودريدج، من مدرسة برمنغهام، إن تكاليف التعلم اللغوي الصحيح تعادل تكاليف تعلم الموسيقى، وهو يقوم بتعليم ما بين 40 و50 طالباً شهرياً.
ويضيف وودريدج أن سبب الإقبال على دروسه من رجال الأعمال والأكاديميين هو رغبتهم في تجنب الافتراضات المرتبطة بلهجتهم. فعلى رغم جهود التجانس والتعايش الاجتماعي، فإن التفرقة ضد اللهجات ما زالت منتشرة على نطاق واسع في مجتمع مثل المجتمع البريطاني.
وعلى الرغم من أن أكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية تقول في شروط اختباراتها إن اللهجات الإقليمية مقبولة، فإن وودريدج يؤكد أن معظم طلبة مدرسة برمنغهام للنطق الصحيح يأتون من مدارس خاصة، ولا يريد ذووهم أن تكون لهجة برمنغهام ذات تأثير سلبي على مستقبلهم.
ويقول أساتذة تعليم النطق اللغوي إن الفرد يحتاج إلى كثير من الشجاعة من أجل الاعتراف بأن لهجته تقف عقبة في سبيل نجاحه، ولذلك يلجأ إلى تغيير هذه اللهجة. ويشير بعض الأساتذة إلى حساسية التعامل مع مسألة اللهجات، والحاجة إلى الخبرة في التعامل مع كيفية تغييرها، ويعتقد أنه في بريطانيا، على الأقل، ما بقيت التفرقة ضد اللهجات، واستمر النظام الطبقي في البلاد، فإن الإقبال على خدمات تحسين اللهجات سوف يستمر في الزيادة لسنوات طويلة.
- كيف تتخلص من لكنتك الأجنبية في لندن؟
> هناك كثير من المعاهد والجامعات والكليات والمدارس الخاصة، بالإضافة إلى المعلمين الذين يمكن اللجوء إليهم في دورات تدريبية، في لندن لتحسين النطق باللغة الإنجليزية، أو التخلص من اللكنة الأجنبية. والنموذج التالي هو لمدرسة خاصة في لندن، اسمها «لندن سبيتش وركشوب»، تقدم دورات خاصة في تعليم النطق الصحيح، وتساعد الطلبة على التخلص من اللكنة الأجنبية في الحديث.
وتقول نشرة المدرسة إنه من المهم الشعور بالثقة عند الحديث، وإن الدورة التدريبية سوف تساهم في وضوح الكلمات، وتخفف من اللكنات، وتلغي الحديث المبهم. وترى المدرسة أن هناك كثيراً من العوامل، بالإضافة إلى اللهجة أو اللكنة الأجنبية، تمنع وضوح الحديث باللغة الإنجليزية، وهي تعالج كل الجوانب ولا تكتفي بجانب واحد.
وتقدم المدرسة فرصة الاستفادة من درس نموذجي واحد أولاً، قبل أن يلتزم الطالب بالدورة التدريبية التي تمتد إلى 10 حصص على 3 أشهر. كما يمكن للطالب اختيار حل وسط بدورة سريعة تمتد لـ5 حصص فقط. وتصل تكلفة الدورة المكونة من 10 حصص إلى 1295 جنيهاً (1685 دولاراً)، ويحصل الطالب بالإضافة إلى الحصص على دليل مكتوب في مائة صفحة للتدريب اللغوي، وخطة عمل مخصصة له، بالإضافة إلى واجبات دراسية أسبوعية. وللمدرسة فرعان في لندن: أحدهما في حي مايفير، والآخر في جي السيتي، شرق لندن بالقرب من بنك إنجلترا.