إسرائيل تبعد مسؤولين دينيين عن المسجد الأقصى 40 يوماً

الأردن يتعهد حماية رجال الأوقاف... والسلطة تحذر من حرب دينية

فلسطينيون يدخلون عبر البوابة الذهبية إلى المسجد الأقصى للصلاة يوم الجمعة الماضي (رويترز)
فلسطينيون يدخلون عبر البوابة الذهبية إلى المسجد الأقصى للصلاة يوم الجمعة الماضي (رويترز)
TT

إسرائيل تبعد مسؤولين دينيين عن المسجد الأقصى 40 يوماً

فلسطينيون يدخلون عبر البوابة الذهبية إلى المسجد الأقصى للصلاة يوم الجمعة الماضي (رويترز)
فلسطينيون يدخلون عبر البوابة الذهبية إلى المسجد الأقصى للصلاة يوم الجمعة الماضي (رويترز)

مددت إسرائيل، أمس، فترة إبعاد مسؤولين ورجال دين عن المسجد الأقصى، لفترات متفاوتة وطويلة، وذلك على خلفية المواجهة التي حدثت الأسبوع الماضي وانتهت بفتح المصلين «باب الرحمة» في المسجد، متحدين قراراً إسرائيلياً قديماً بإغلاقه.
وسلمت السلطات الإسرائيلية، رئيس مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، الشيخ عبد العظيم سلهب، قراراً جديداً يقضي بإبعاده عن المسجد الأقصى لمدة 40 يوماً، كما تسلم مدير «نادي الأسير في القدس» ناصر قوس قراراً مماثلاً، فيما تسلم نائب مدير عام الأوقاف ناجح بكيرات قراراً بإبعاده عن المسجد 4 شهور، وحارس المسجد عرفات نجيب بالإبعاد 6 شهور.
وسلمت الشرطة الإسرائيلية، المعنيين، القرارات الجديدة بعد انتهاء مهلة إبعاد أولية، أمس، استمرت أسبوعاً واحداً، وبخلاف ذلك ثمة رجال دين وناشطون وحراس أبعدوا منذ اليوم الثاني للمواجهة لفترات أطول. وجاءت القرارات في تأكيد جديد على أن أزمة مصلى باب الرحمة، الذي فتحه الفلسطينيون بالقوة الجمعة قبل الماضي، بعد إغلاق استمر 16 عاماً، ما زالت قائمة ومستمرة.
وأزعجت الخطوة، إسرائيل، التي رأت فيها تعزيزاً لقوة الفلسطينيين في المدينة إلى الحد الذي تعهد معه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه لن يسمح بإقامة مسجد آخر في المكان. ويقول الإسرائيليون إنهم سيغلقون المصلى بالقوة، وطلبوا من المملكة الأردنية تسوية الأمر، لكن الأردن تجاهل الرسالة ما تسبب في توتر بين تل أبيب وعمان.
ورفض الأردن، أمس، إبعاد سلهب عن المسجد الأقصى لمدة 40 يوماً. وقال وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عبد الناصر أبو البصل، في بيان، إن «الأردن يرفض ويدين إبعاد الشيخ عبد العظيم سلهب، ويعتبر ذلك خطوة تصعيدية لتعطيل أعمال إدارة الأوقاف في القدس».
وفي تصريح صحافي آخر، رفض الوزير استدعاء المخابرات الإسرائيلية، العضوين في مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس مهدي عبد الهادي وحاتم عبد القادر. وتابع: «الخطة القادمة هي تأمين حماية لرئيس وأعضاء مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية».
والأردن هو المسؤول عن مجلس الأوقاف الذي يعنى بشؤون المقدسات، لكن مع خلاف متواصل مع إسرائيل متعلق بالصلاحيات. ووسع الأردن، المجلس، قبل فترة، لتضم إليه مسؤولين فلسطينيين، ما عدته إسرائيل تعزيزاً لنفوذ السلطة في المدينة، وهو أمر يشكل خطاً أحمر بالنسبة للمسؤولين الإسرائيليين.
وحذرت السلطة، أمس، من وضع خطير في الأقصى. واستنكر وزير الأوقاف والشؤون الدينية في السلطة الفلسطينية، يوسف أدعيس، قيام سلطات الاحتلال بإبعاد الشيخ سلهب وعدد من قادة العمل الوطني في المحافظة والحراس عن الأقصى. وأضاف، في بيان، أن «الواقع الحالي في القدس في ظل التطورات السياسية الأخيرة، والمؤامرات التي تتعرض لها لربما هي الأكثر خطورة في العصر الحالي منذ احتلالها في عام 1967». ودعا دعيس إلى مزيد من اليقظة والمرابطة في الأقصى لتفويت الفرصة على أعداء السلام.
أما أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، فدعا جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إلى اتخاذ الإجراءات العاجلة لمتابعة أوضاع المدينة المقدسة والمسجد الأقصى خصوصاً، والتحرك السياسي اللازم مع أعضاء المجتمع الدولي قبل تفجر الأوضاع بفعل سياسات الاحتلال، وإلزامه بتحمل مسؤولياته الكاملة عن خروقاته المنظمة لقواعد القانون الدولي وحقوق شعبنا الفلسطيني، ومساءلته قبل جر المنطقة إلى حرب دينية لا تُحمد عقباها.
وأوضح عريقات في رسالة رسمية عاجلة وجهها، أمس، إلى أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والدول العربية وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي يوسف العثيمين، ما يجري مؤخراً في منطقة باب الرحمة، والاعتداءات التي نفذتها سلطة الاحتلال على المصلين، بما في ذلك اعتقال عشرات الفلسطينيين المقدسيين من أنحاء القدس، التي طالت الرموز الوطنية والدينية في المدينة، إضافة إلى إبعاد سلهب ونائبه، واعتقال الشيخ رائد دعنا مدير الوعظ والإرشاد في الأقصى، ومحافظ القدس عدنان غيث لمرات متتالية، وسواهم.
وأكد عريقات أن هذه المحاولات تأتي في إطار محاولات الاحتلال السيطرة على ساحة ومبنى باب الرحمة، واقتطاع جزء من المسجد الأقصى وتحويله إلى كنيس يهودي، وتوفير مساحة أساسية لنشاط المستوطنين وأداء شعائرهم.
وتابع: «إن إجراءات سلطة الاحتلال التي تمثل خرقاً صارخاً للوضع التاريخي الراهن (ستاتسكو) تعمل على تغيير الواقع في المدينة المحتلة منذ عام 1967، وفرض واقع جديد داخل الحرم القدسي الشريف، وتقسيم المسجد زمانياً ومكانياً، وبسط الهيمنة والسيطرة الشاملة على المدينة المقدسة، بما فيها المقدسات الإسلامية والمسيحية في مخالفة للقوانين والشرائع الدولية التي تعتبر القدس مدينة محتلة، وتحويل الصراع إلى صراع ديني».
وذكّر عريقات بقرار منظمة «اليونيسكو» التابعة للأمم المتحدة، الذي يعتبر المسجد الأقصى من «المقدسات الإسلامية الخالصة»، داعياً إلى الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية باعتباره واجباً إنسانياً ودينياً ووطنياً، وإلى حماية القدس التي تشكل إرثاً إنسانياً وحضارياً عالمياً، وحماية شعبها وممتلكاتها ومقدساتها وتراثها العربي الإسلامي المسيحي قبل فوات الأوان.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم