«سي إن إن» تحت المجهر بعد ضمها مسؤولة جمهورية لطاقم تغطية انتخابات 2020

حالة من الغضب تسود بين موظفي المحطة وتوقعات بازدياد الانقسام

TT

«سي إن إن» تحت المجهر بعد ضمها مسؤولة جمهورية لطاقم تغطية انتخابات 2020

عقب فوز الرئيس دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية عام 2016، كتبت جيسيكا ييلين التي عملت مراسلة لمحطة «سي إن إن» في البيت الأبيض مقالاً في زاوية الرأي بصحيفة «نيويورك تايمز» تحت عنوان «كيف يمكن إنقاذ (سي إن إن) من نفسها.
المقال كان بمثابة ترداد لجرس إنذار حول السؤال الذي بدأ يتداوله «مدمنو» هذه المحطة ذائعة الصيت وغيرها من المحطات المرموقة.
اتُهمت المحطات الإخبارية بأنها تحولت إلى مجرد استوديو يشغله خبراء وناقدون يجلسون أمام الكاميرات يتجادلون حول التغريدات والاستطلاعات. بات الرئيس ترمب محور كل شيء.
تباعاً، أثار قرار «سي إن إن» بتوظيف سارة إيسيغور إحدى الناشطات من الحزب الجمهوري كمحررة سياسية، في إطار استعداداتها لتغطية الانتخابات الرئاسية عام 2020. جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية والشعبية والإعلامية.
كارل إيدسفوغ أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة كنت بولاية أوهايو قال في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن الإعلام انتهى في الولايات المتحدة، ولم يعد هناك صحافة. وأضاف: «صار التشويق هو سيد المرحلة، والمشكلة هي ترمب». وأشار إلى أن «المحطات لا تقوم بواجبها وبات همها الربح وليس المحاسبة».ووفقاً لإيدسفوغ: «إذا شاهد المرء أي محطة أميركية بنسختها الدولية، سيعثر على إعلام جيد، لكن داخل أميركا الأمر مختلف تماماً». واستطرد شارحاً أن «حتى المحطات المحلية ابتعدت عن محاسبة المسؤولين السياسيين ورجال الكونغرس وأخطاؤهم لم تعد تقلقهم». ولفت إلى «مشكلة إدارة وتمويل، الأمر الذي يضعف المغامرة على طرح قضايا مهمة».
بدورها، نقلت صحيفة «دايلي بيست» في تحقيق لها أن محطة «سي إن إن» أبلغت موظفيها في رسالة داخلية، أنها قررت تعيين سارة إيسيغور للاستفادة من خبراتها السياسية والحكومية. لكن الصحيفة أضافت أن الرسالة أغفلت أن يكون لإيسيغور أي تجربة صحافية، الأمر الذي انتقدته الدكتورة سحر خميس أستاذه الإعلام في جامعة مريلاند في حوار مع «الشرق الأوسط».
خميس قالت إنه من الطبيعي أن يكون هناك معلقين في المؤسسات الإعلامية، ومن اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة، لكن من النادر الاستعانة بشخصية سياسية لتولي منصب تحريري رفيع من دون خبرة إعلامية. وهو ما أثار تهكم الوسط الإعلامي.
ما أثار الجدل ليس فقط شحة تجربتها الإعلامية، لكن تاريخ سارة إيسيغور السياسي هو ما أثار جمهور المحطة التي تعتبر من أشد المعارضين لسياسات ترمب، وتحظى بمتابعة مكثفة، سواء من الجمهور المؤيد أو المعارض لها.
عملت إيسيغور في العديد من المنظمات والحملات السياسية اليمينية والمحافظة، وكانت مسؤولة حملة المرشحة الجمهورية كارلي فيورينا التي تنافست مع ترمب في انتخابات 2016. وكذلك في الحملة الرئاسية لميت رومني في مواجهة باراك أوباما عام 2012، واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، وفي حملة تيد كروز لمجلس الشيوخ عام 2018. كما أنها كانت تعمل كمتحدثة سابقة باسم وزارة العدل تحت قيادة الوزير جيف سيشنز حتى استقالته في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، وهي الوظيفة التي تطلبت منها بحسب صحيفة «ديلي بيست»، أن تقسم الولاء للرئيس ترمب، فيما هي مكلفة الآن من «سي إن إن» بتغطية أخباره.
إيسيغور متهمة بأن تغريداتها على «تويتر» تكشف حقيقة انتمائها، حيث نفت مؤخراً أن يكون الرئيس ترمب قد شكك في وثيقة ولادة الرئيس السابق أوباما، وتكرر على الدوام الحديث عن نظرية المؤامرة وعن هيلاري كلينتون وعن معارضتها للمهاجرين وحظر السفر على بعض الدول ذات الغالبية المسلمة.
وكتب أحد المتحدثين باسمها على «تويتر» في إشارة لمحطة «سي إن إن» أنها ستعمل في «شبكة أخبار كلينتون»، ما سيساعدها على تنسيق التغطية عبر التلفزيون والإعلام الرقمي وستتأكد من عرض القضايا والأخبار الصحيحة ونشر المقالات عبر الإنترنت.
فتح تعيين إيسيغور جدلاً حول دور الإعلام الأميركي والجمهور الذي يخاطبه، وحاجة القوى السياسية لمنصات اتصال وتخاطب مع جمهورها.
وفيما يعتبر على نطاق واسع أن وسيلة اتصال وتواصل جمهور المحافظين سكان «الولايات الداخلية الزراعية»، هي الراديو وبعض المحطات المحلية، كانت المدن الأميركية الكبرى مركز تجمع الفئات الشابة والمثقفين ورجال الأعمال والمال، وتربطهم بالإعلام وسائل تواصل متعددة، تكثفت في المرحلة الأخيرة مع ثورة وسائل الاتصال الاجتماعي.
المؤسسات المحسوبة على التيار المحافظ يقف على رأسها محطة «فوكس نيوز»، فيما مشاهير مقدمي البرامج المحافظين ينشطون خصوصاً في الإذاعات كنجوم «حركة حزب الشاي»، التي تولت إدارة المواجهة مع أوباما، والمواقع الإلكترونية المحافظة «كبرايبت» التي أسسها وأدارها ستيف بانون مستشار الرئيس ترمب السابق.
في المقابل، تقف أسماء مؤسسات «ليبرالية» كبرى مثل «سي إن إن» و«إم إس إن بي سي» و«إن بي سي» و«إي بي سي» فضلاً عن صحف منها «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز» و«بوسطن غلوب» وغيرها، مدعومة بمئات المواقع الإلكترونية وبمنصات التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» وغيرها.
مدير «سي إن إن» جيف زوكر، الذي أشاد به ترمب عندما كان مديراً لمحطة «إيه بي سي» منتجة برنامج «إبرنتيس» الذي قدمه ترمب، دافع عن قرار المحطة، قائلا إن توظيف إيسيغور مفيد للمحطة وبأنها شخص استثنائي ستحسن تجربتها تغطية الشبكة، وهو ما وافق عليه في كتاب توظيفها ثلاثة من كبار مسؤولي المحطة، بحسب صحيفة «دايلي بيست».
لكن زوكر لا يخفي أن السنوات الثلاث الأخيرة، وهي الفترة التي صعد فيها ترمب، كانت من بين الأكثر نجاحاً في تاريخ المحطة. وقال في مقابلة مع برنامج «فانيتي فير»: «الناس يشتكون طوال الوقت من التحدث عن ترمب، ولكن في نهاية المطاف كل ما يريدون الاستماع إليه ومشاهدته هو ترمب. في كل مرة نبتعد فيها عنه لتغطية حدث آخر، يختفي الجمهور، ترمب يهيمن».
ويؤخذ على المحطة أنها على رغم انتقادها لترمب، فإنها خصصت الكثير من أوقات تغطيتها الإخبارية لمهرجاناته وخطبه حتى من دون تعليق، الأمر الذي اعتذر عنه زوكر.
في المقابل غطت المحطة القليل من نشاطات كلينتون السياسية، وخصص برنامجها الشهير «ستيوايشين رووم» الذي يقدمه وولف بليتزر أكثر من 60 في المائة من تغطيته لقضية بريدها الإلكتروني بحسب دراسة أجرتها جامعة هارفرد.
تدافع بعض الأوساط عن تجربة الاستعانة بسياسيين تحولوا إلى الإعلام، أمثال مقدم البرامج جورج ستيفانوبولوس الذي جاء من البيت الأبيض إبان عهد كلينتون إلى محطة «إي بي سي». لكن مسيرة انتقاله كانت بطيئة إذ عمل معلقاً سياسياً في المحطة قبل تحوله إلى مقدم بحسب «دايلي بيست». لكن البروفسور إيدسفوغ يقول إن ستيفانوبولوس ليس مثالاً جيداً، فقد حوَّل التلفزيون إلى تهريج، وأن تلك التجارب كاريكاتيرية والهدف منها ليس الموضوعية أو التوازن بل زيادة عدد المشاهدين، بمعزل عما تطرحه إدارة هذه المحطة أو تلك. ويهاجم إيدسفوغ أداء المحطات الكبرى، لكنه يؤكد أن هناك بعض المحطات والمؤسسات الإعلامية المحترمة التي تسعى للحفاظ على موضوعيتها وعدم الانحياز، لكنها للأسف تتركز في غالبيتها في الإعلام المكتوب، مثل «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«ريبابليكا»، بحسب قوله.
إدارة «سي إن إن» تؤكد أنه كلما كانت وجهات النظر ممثلة أكثر في غرفة الأخبار كان ذلك أفضل، وأن إيسيغور ستكون واحدة من اثني عشر شخصاً سيساعدون في تنسيق تغطيتها السياسية للانتخابات وبأنها مؤهلة للغاية. وتؤكد أن أمثلة انتقال السياسيين إلى غرف الأخبار كثيرة، من ستيفانوبولوس إلى نيكول والاس ودانا بيرينو وتيم روسرت في محطات «إم إس إن بي سي» و«فوكس نيوز» و«إن بي سي». لكن البروفسور إيدسفوغ يقول: «أن تكون شخصاً استثنائياً لا يعني أنك مؤهل لتكون محرراً إخبارياً، فيما تنقل «دايلي بيست» عن مصادر في «سي إن إن» أن حالة من الغضب تسود بين موظفي المحطة، قائلين إن مقارنة إيسيغور بستيفانوبولوس لا تستقيم. فالأخير لم يقسم الولاء لكلينتون، وأنه بدأ عمله معلقاً وليس محرراً في غرفة الأخبار.
ويعتقد البروفسور كارل إيدسفوغ أن الساحة الإعلامية ستشهد المزيد مما شهدته في الحملة الانتخابية السابقة ومن ادعاءات الحياد، مؤكداً أن الانقسام سيزداد ويتعمق، وستغرق المحطات في مزيد من الانحياز.
الدكتورة سحر خميس أكدت من جهتها أن ما يضمن تغطية متوازنة لانتخابات 2020 هو ضبط المعايير المهنية والتحقق من الخبر. وأضافت أن الأمر قد يكون صعباً لأن الإعلام الأميركي بغالبيته إعلام تجاري يبغي الربح، والحل يكمن في محاولة إيجاد مؤسسات إعلامية لا تبغي الربح، ودعم المحطات غير الربحية مثل «بي بي سي» البريطانية و«إن بي أر» الأميركية.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
TT

رئيسة «منتدى مصر للإعلام» تُحذر من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار

نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)
نهى النحاس رئيسة «منتدى مصر للإعلام» (نهى النحاس)

في ظل صراعات وحروب إقليمية متصاعدة وتطورات ميدانية متسارعة، لعب الإعلام أدواراً عدة، سبقت في بعض الأحيان مهمات القوات العسكرية على الأرض؛ ما ألقى بظلال كثيفة على وسائل الإعلام الدولية. تزامن ذلك مع زيادة الاعتماد على «المؤثرين» ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار؛ ما دفع رئيسة «منتدى مصر للإعلام»، نهى النحاس، إلى التحذير من دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار.

وفي حوارها مع «الشرق الأوسط»، عدّت نهى دمج «المؤثرين» في غرف الأخبار «خطأً مهنياً»، وقالت إن «صُناع المحتوى و(المؤثرين) على منصات التواصل الاجتماعي يقدمون مواد دون التزام بمعايير مهنية. ودمجهم في غرف الأخبار كارثة مهنية».

وأشار تقرير نشره «معهد رويترز لدراسات الصحافة»، أخيراً، إلى «نمو في الاعتماد على مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي كمصادر للأخبار». ومع هذا النمو باتت هناك مطالبات بإدماج صناع المحتوى في غرف الأخبار. لكن نهى تؤكد أن الحل ليس بدمج المؤثرين، وتقول: «يمكن تدريب الصحافيين على إنتاج أنواع من المحتوى تجذب الأجيال الجديدة، لكن يجب أن يكون صانع المحتوى الإعلامي صحافياً يمتلك الأدوات والمعايير المهنية».

وتعد نهى «الإعلام المؤسسي أحد أبرز ضحايا الحروب الأخيرة»، وتقول إن «الإعلام استُخدم باحة خلفية للصراع، وفي بعض الأحيان تَقدمَ القوات العسكرية، وأدى مهمات في الحروب الأخيرة، بدءاً من الحرب الروسية - الأوكرانية وصولاً إلى حرب غزة».

وتبدي نهى دهشتها من الأدوار التي لعبها الإعلام في الصراعات الأخيرة بعد «سنوات طويلة من تراكم النقاشات المهنية ورسوخ القيم والمبادئ التحريرية».

وتاريخياً، لعب الإعلام دوراً في تغطية الحروب والنزاعات، وهو دور وثّقته دراسات عدة، لكنه في الحروب الأخيرة «أصبح عنصراً فاعلاً في الحرب؛ ما جعله يدفع الثمن مرتين؛ أمام جمهوره وأمام الصحافيين العاملين به»، بحسب نهى التي تشير إلى «قتل واغتيال عدد كبير من الصحافيين، واستهداف مقرات عملهم في مناطق الصراع دون محاسبة للمسؤول عن ذلك، في سابقة لم تحدث تاريخياً، وتثبت عدم وجود إرادة دولية للدفاع عن الصحافيين».

وتقول نهى: «على الجانب الآخر، أدت ممارسات مؤسسات إعلامية دولية، كانت تعد نماذج في المهنية، إلى زعزعة الثقة في استقلالية الإعلام»، مشيرة إلى أن «دور الإعلام في الحروب والصراعات هو الإخبار ونقل معاناة المدنيين بحيادية قدر المستطاع، لا أن يصبح جزءاً من الحرب وينحاز لأحد طرفيها».

نهى النحاس

وترفض نهى «الصحافة المرافقة للقوات العسكرية»، وتعدها «صحافة مطعوناً في صدقيتها»، موضحة أن «الصحافي أو الإعلامي المرافق للقوات ينظر للمعركة بعين القوات العسكرية التي يرافقها؛ ما يعني أنه منحاز لأحد طرفَي الصراع». وتقول: «عندما ينخرط الصحافي مع جبهة من الجبهات لا يعود قادراً على نقل الحقائق».

وضعت الحروب الأخيرة الصحافيين في غرف الأخبار «أمام واقع جديد جعل أصواتهم غير مسموعة في مؤسساتهم، في بعض الأحيان»، وتوضح نهى ضاربة المثل بالرسالة المفتوحة التي وقّعها عدد من الصحافيين في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» الأميركية ضد تغطية حرب غزة وتجاهل قتل عدد كبير من الصحافيين، والتي أدت في النهاية إلى إيقافهم عن تغطية حرب غزة.

زعزعت الانحيازات الإعلامية في التغطية، الثقة في استقلالية الإعلام، وأفقدت مؤسسات إعلامية كبرى مصداقيتها، بعد أن كانت حتى وقت قريب نماذج للالتزام بالمعايير المهنية. ورغم ما فقدته مؤسسات الإعلام الدولية من رصيد لدى الجمهور، لا تتوقع نهى أن «تقدم على تغيير سياستها؛ لأن ما حدث ليس مجرد خطأ مهني، بل أمر مرتبط بتشابك مصالح معقد في التمويل والملكية». ولفتت إلى أن «الحروب عطّلت مشروعات التطوير في غرف الأخبار، وأرهقت الصحافيين نفسياً ومهنياً».

وترى أن تراجع الثقة في نماذج الإعلام الدولية، يستدعي العمل على بناء مدارس إعلامية محلية تعكس الواقع في المجتمعات العربية، مشيرة إلى وجود مدارس صحافية مميزة في مصر ولبنان ودول الخليج لا بد من العمل على تطويرها وترسيخها بعيداً عن الاعتماد على استلهام الأفكار من نماذج غربية.

بناء تلك المدارس الإعلامية ليس بالأمر السهل؛ فهو بحسب نهى «يحتاج إلى نقاش وجهد كبير في التعليم وبناء الكوادر وترسيخ الإيمان بالإعلام المستقل». وهنا تؤكد أن «استقلالية الإعلام لا تعني بالضرورة تمويله من جهات مستقلة، بل أن تكون إدارته التحريرية مستقلة عن التمويل قدر الإمكان»، مشددة على أن «التمويل العام لوسائل الإعلام مهم ومرحّب به، لا سيما في لحظات الاستقطاب السياسي؛ حتى لا يلعب المال السياسي دوراً في تخريب مصداقية المؤسسة».

غيّرت الحروب غرف الأخبار وألقت بظلالها على طريقة عملها، لتعيد النقاشات الإعلامية إلى «الأسس والمعايير والأخلاقيات»، تزامناً مع تطورات تكنولوجية متسارعة، ترى نهى أنها «ضرورية لكن كأدوات لإيصال الرسالة الإعلامية بفاعلية».

من هذا المنطلق، ترفض نهى التوسع في مناقشة قضايا الذكاء الاصطناعي على حساب القضايا المهنية، وتقول: «نحتاج إلى إعادة تثبيت وترسيخ القواعد المهنية، ومن ثم الاهتمام بالأدوات التي تسهل وتطور الأداء، ومن بينها الذكاء الاصطناعي الذي لا يمكن إنكار أهميته».

وتضيف: «إذا كان الأساس به خلل، فإن الأداة لن تعالجه؛ لذلك لا بد من مناقشات في غرف الأخبار حول الأسس المهنية لاستعادة الجمهور الذي انصرف عن الأخبار».

وبالفعل، تشير دراسات عدة إلى تراجع الاهتمام بالأخبار بشكل مطرد، تزامناً مع تراجع الثقة في الإعلام منذ جائحة «كوفيد-19»، وتزايد ذلك مع الحرب الروسية - الأوكرانية. ووفقاً لمعهد «رويترز لدراسات الصحافة»، فإن «نحو 39 في المائة من الجمهور أصبحوا يتجنبون الأخبار».

وهنا تقول نهى إن «الثقة تتراجع في الإعلام بشكل مطرد؛ لأن الجمهور يشعر أن صوته لم يعد مسموعاً، إضافة إلى تشبع نسبة كبيرة من الجمهور بأخبار الحرب، إلى حد مطالبة البعض بنشر أخبار إيجابية». وتضيف أن «هذا التراجع امتزج مع صعود منصات التواصل التي أصبحت يُخلط بينها وبين الإعلام المؤسسي، لا سيما مع ما قدمته من متابعات للحروب والصراعات الأخيرة».

وتشير رئيسة «منتدى مصر للإعلام» إلى أن «الحروب الأخيرة في أوكرانيا وغزة وضعت أعباء مالية، وفرضت محتوى مختلفاً على المؤسسات الإعلامية أدى إلى زيادة تجنب الجمهور للأخبار»، بحسب ما جاء في دراسة نشرها معهد «رويترز لدراسات الصحافة»؛ ما يستلزم البحث عن وسائل لإعادة جذبه، أو لـ«غرفة أخبار ثالثة» كما فعلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، مستهدفة «جذب مزيد من القراء وزيادة الموارد».

وتستهدف «غرفة الأخبار الثالثة» إنشاء محتوى خاص لمنصات التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو قصيرة تتناول موضوعات متنوعة لجذب الأجيال المرتبطة بالهواتف الذكية.

ويعد التدريب واحداً من أدوار المنتديات الإعلامية، ومن بينها «منتدى مصر للإعلام». وأوضحت نهى، في هذا المجال، أن «المنتديات الإعلامية هي تعبير عن الواقع الإعلامي لدولةٍ أو منطقةٍ ما، ونقطة تلاقٍ لمناقشة قضايا ومعارف مهنية، وملاحقة التطورات التكنولوجية».

وكان من المقرر عقد النسخة الثالثة من «منتدى مصر للإعلام» نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن تم تأجيلها «بسبب الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في المنطقة والتي كانت ستؤثر على حضور بعض ضيوف (المنتدى)»، بحسب نهى التي تشير إلى أنه «سيتم عقد النسخة الثالثة من (المنتدى) منتصف 2025».

وتوضح أنه «يجري حالياً مراجعة أجندة (المنتدى) وتحديثها وتغييرها استعداداً للإعلان عنها في الربع الأول من العام المقبل»، مشيرة إلى أنه لم يتم الاستقرار بعدُ على عنوان النسخة الثالثة، وإن كان هناك احتمال للإبقاء على عنوان النسخة المؤجلة «يمين قليلاً... يسار قليلاً!».

وتقول نهى إن «منتدى مصر للإعلام» سيركز كعادته على المناقشات المهنية والتدريبات العملية، لا سيما «منصة سنة أولى صحافة» المخصصة لتقديم ورش تدريبية لطلاب الإعلام تتناول الأساسيات والمعايير المهنية.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بالمعايير المهنية هو الأساس لبقاء الإعلام المؤسسي، مجددة الدعوة لفتح نقاشات جادة بشأن مأسسة نماذج إعلام محلية في المنطقة العربية.