الإعلامي... وتوسيع المساحة

قصته مع الإعلام

الإعلامي... وتوسيع المساحة
TT

الإعلامي... وتوسيع المساحة

الإعلامي... وتوسيع المساحة

كانت تجربة مثيرة ينطبق عليها المثل القائل «غشيم ومتعافي»؛ قررت إذاعة كل ندوات معرض القاهرة للكتاب على الهواء مباشرة على شاشة قناة النيل الثقافية التي شرفت بتأسيسها. الندوات كانت جريئة، والقرار كان مغامرة محفوفة بالمخاطر. أبلغت رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، فنصحني بالتريث والتسجيل أولاً ثم الإذاعة.
‬قلت لوزير الإعلام وقتها، الأستاذ صفوت الشريف، فابتسم ولم يعلق. بدأت إذاعة الندوات بكل ما فيها من مناظرات صدامية وآراء معارضة، مما أثار قلق زملائي الذين نصحوني بالتوقف عن إذاعتها، لكنى مضيت في قراري.
قالوا: لا تنس أن مناظرة فرج فودة مع الغزالي والهضيبي في معرض الكتاب منذ سنوات حول الدولة الإسلامية والدولة العلمانية كانت سبباً في اغتيال فودة، وقالوا: لو حدثت أي تجاوزات على الهواء سياسية أو دينية سوف يتخلى عنك الجميع عند المساءلة.
المهم، كانت أسئلة الجمهور شديدة الجرأة ومحرجة بدرجة غير مسبوقة، في ندوات البابا وشيخ الأزهر وأحمد فؤاد نجم وكثير من المفكرين المعارضين، وصار الناس مذهولين مما يذيعه التلفزيون المصري، ولا يصدقون ما يحدث.
وزير الإعلام وقتها، بعد جولة في الدول العربية، جاء لزيارة معرض الكتاب، فتوجس العاملون معي شراً ومساءلة ومحاسبة،‬ وربما قرار عزل، لكن المفاجأة أن الوزير بادرني على الملأ بقوله: «ما الذي فعلته؟ لقد جعلت الوطن العربي يتابع ما يجري على قناة النيل الثقافية بشغف كأنهم يتابعون مباريات كرة القدم، حتى إن الكثيرين في جولتي سألوني ما هذا الذي يحدث في مصر، فقلت لهم إنه مناخ الحرية الذي يتمتع به المثقفون، وهذه هي مصر»، وشكرنا وانصرف والزملاء من حولي لا يكادون يصدقون ما جرى.
‫خرجت من تلك التجربة باقتناع راسخ بأن الإعلامي المبادر يستطيع أن يوسع مساحات الحرية المتاحة، في إطار المهنية طبعاً، وأن النظام ربما يقبل ذلك، بل ويوظفه سياسياً مثلما فعل الوزير، ليؤكد أن هذا هو توجه الدولة نحو حرية التعبير والانفتاح... لا بأس، فالكل كسبان في هذه الحالة.
منطق توسيع مساحة الحوار وحرية التعبير يصب في النهاية لصالح المجتمع، إذ إنه يكون كاشفاً لاتجاهات الرأي العام، ومواطن الاحتقان وأسبابه، وكذلك توقعات الناس وأحلامهم.
أعلم أن مساحة المناورة للإعلاميين العرب محدودة جداً، وأن ثمة محاذير ومخاوف من المحاسبة. من أجل ذلك، فإن هناك ضمانتين مهمتين لا بد منهما: الأولى هي ضرورة صدور قانون تداول المعلومات، والثانية هي ضرورة وجود نقابة إعلامية قوية تدافع عن حقوق المهنيين.
‫طبعاً، لو وصلنا لصيغة نقابة موحدة بين الإعلاميين والصحافيين، ستكون لدينا قوة تفاوضية أكبر.
مسألة أخرى متعلقة بالمسافة الحرجة، كما كان يحلو للرائع يوسف إدريس أن يسميها، وهي المسافة بينك كإعلامي وبين السلطة، وهي ألا يقترب الإعلامي إلى حد التماهي مع السلطة، وألا يبتعد أيضاً إلى حد الخصومة.
‫كل إعلامي يجب أن يكون داخله ثعلب سياسي، وإلا فسوف يسهل استقطابه أو إسقاطه... تلك هي شروط اللعبة، فمن لا يجيدها، عليه أن يختار مهنة أخرى بعيدة عن المتاعب.

- إعلامي مصري


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)
TT

تغييرات البحث على «غوغل» تُثير مخاوف ناشرين

شعار شركة «غوغل» (رويترز)
شعار شركة «غوغل» (رويترز)

تحدثت شركة «غوغل» عن خطتها لتطوير عملية البحث خلال عام 2025، وأشارت إلى تغييرات مرتقبة وصفتها بـ«الجذرية»؛ بهدف «تحسين نتائج البحث وتسريع عملية الوصول للمعلومات»، غير أن الشركة لم توضح كيفية دعم الناشرين وكذا صُناع المحتوى، ما أثار مخاوف ناشرين من تأثير ذلك التطوير على حقوق مبتكري المحتوى الأصليين.

الرئيس التنفيذي لشركة «غوغل»، سوندار بيتشاي، قال خلال لقاء صحافي عقد على هامش قمة «ديل بوك» DealBook التي نظمتها صحيفة الـ«نيويورك تايمز» خلال ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نحن في المراحل الأولى من تحول عميق»، في إشارة إلى تغيير كبير في آليات البحث على «غوغل».

وحول حدود هذا التغيير، تكلّم بيتشاي عن «اعتزام الشركة اعتماد المزيد من الذكاء الاصطناعي»، وتابع أن «(غوغل) طوّعت الذكاء الاصطناعي منذ عام 2012 للتعرّف على الصور. وعام 2015 قدّمت تقنية (رانك براين) RankBrain لتحسين تصنيف نتائج البحث، غير أن القادم هو دعم محرك البحث بتقنيات توفر خدمات البحث متعدد الوسائط لتحسين جودة البحث، وفهم لغة المستخدمين بدقة».

فيما يخص تأثير التكنولوجيا على المبدعين والناشرين، لم يوضح بيتشاي آلية حماية حقوقهم بوصفهم صُناع المحتوى الأصليين، وأشار فقط إلى أهمية تطوير البحث للناشرين بالقول إن «البحث المتقدم يحقق مزيداً من الوصول إلى الناشرين».

كلام بيتشاي أثار مخاوف بشأن دور «غوغل» في دعم المحتوى الأصيل القائم على معايير مهنية. لذا، تواصلت «الشرق الأوسط» مع «غوغل» عبر البريد الإلكتروني بشأن كيفية تعامل الشركة مع هذه المخاوف. وجاء رد الناطق الرسمي لـ«غوغل» بـ«أننا نعمل دائماً على تحسين تجربة البحث لتكون أكثر ذكاءً وتخصيصاً، وفي الأشهر الماضية كنا قد أطلقنا ميزة جديدة في تجربة البحث تحت مسمى (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews، وتعمل هذه الميزة على فهم استفسارات المستخدمين بشكل أفضل، وتقديم نتائج بحث ملائمة وذات صلة، كما أنها توفر لمحة سريعة للمساعدة في الإجابة عن الاستفسارات، إلى جانب تقديم روابط للمواقع الإلكترونية ذات الصلة».

وحول كيفية تحقيق توازن بين استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين البحث وضمان دعم مبتكري المحتوى الأصليين وحمايتهم، قال الناطق إنه «في كل يوم يستمر بحث (غوغل) بإرسال مليارات الأشخاص إلى مختلف المواقع، ومن خلال ميزة (إيه آي أوفرفيوز) AI Overviews المولدة بالذكاء الاصطناعي، لاحظنا زيادة في عدد الزيارات إلى مواقع الناشرين، حيث إن المُستخدمين قد يجدون معلومة معينة من خلال البحث، لكنهم يريدون المزيد من التفاصيل من المصادر والمواقع».

محمود تعلب، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن التغييرات المقبلة التي ستجريها «غوغل» ستكون «ذات أثر بالغ على الأخبار، وإذا ظلّت (غوغل) ملتزمة مكافحة المعلومات المضللة وإعطاء الأولوية لثقة المُستخدم، فمن المرجح أن تعطي أهمية أكبر لمصادر الأخبار الموثوقة وعالية الجودة، والذي من شأنه أن يفيد مصادر الأخبار الموثوقة».

أما فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي المصري والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فقال لـ«الشرق الأوسط» خلال حوار معه: «التغيير من قبل (غوغل) خطوة منطقية». وفي حين ثمّن مخاوف الناشرين ذكر أن تبعات التطوير «ربما تقع في صالح الناشرين أيضاً»، موضحاً أن «(غوغل) تعمل على تعزيز عمليات الانتقاء للدفع بالمحتوى الجيد، حتى وإن لم تعلن بوضوح عن آليات هذا النهج، مع الأخذ في الاعتبار أن (غوغل) شركة هادفة للربح في الأساس».