المقاتلون الأجانب... إرث يُقلق الدول

معظمهم يعانون من اضطرابات عقلية أو نفسية

ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)
ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)
TT

المقاتلون الأجانب... إرث يُقلق الدول

ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)
ثلاث مراهقات بريطانيات يغادرن لندن للانضمام إلى {داعش} في 2015 (أ.ب)

تفكيك تنظيم داعش والتخلص من آثاره في كل من سوريا والعراق، خلف وراءه إرثاً وبقايا لمقاتلين قدموا من دول مختلفة وانضموا إلى التنظيم في فترة توهجه منذ عام 2014. هذا الإرث الذي لا ترغب غالبية الدول في تحمله. وأكبر مثال يعكس تورط كثير من الدول مع مقاتليها العائدين، ما نشر أخيراً في وسائل الإعلام حول شميمة بيغوم (19 عاماً) الملقبة بـ«عروس داعش»، حيث سلمت وزارة الداخلية البريطانية عائلتها رسالة تفيد بإسقاط الجنسية البريطانية عنها.

تثير هذه القضية من جديد إشكالية مرحلة ما بعد ما يسمى «الخلافة الداعشية»، حيث لا يدل التخلص على المنطقة الجغرافية التي تمركز فيها التنظيم سابقاً تلاشي أنشطته.
ففي زمن تقاطعت فيه الحضارات، أصبح من الاستحالة إيقاف أفكار وآيديولوجيات من الوصول إلى عقول المتعاطفين والمتأثرين والاقتناع بها حيثما كانوا. الأمر الذي تسبب في إثارة قلق عدد كبير من الدول ورفضهم استقبال المقاتلين الذين شاركوا في تنظيمات متطرفة، إذ إن ذلك يعد أشبه بقنابل موقوتة تتفجر في المجتمع وتنشر آيديولوجية العنف إن لم تتم معالجة إشكاليتها.

ترمب والمقاتلون
ما يعكس الجدل حول كيفية التعامل مع المقاتلين الأجانب هو دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأوروبيين لاستعادة مسلحي «داعش» الموجودين في سجون في سوريا، ويقدر عددهم بـ800 مقاتل من أجل محاكمتهم في بلدانهم، وذلك في أعقاب قرار الولايات المتحدة انسحاب قواتها من سوريا، وإصداره أيضاً أمراً بمنع عودة المتطرفة الأميركية هدى مثنى (24 عاماً) والملقبة كذلك بـ«عروس داعش» إلى الولايات المتحدة والموجودة في سجن في شمال شرقي سوريا ومعها ابنها. ويناقض ذلك دعوة ترمب الدول الأوروبية إلى استقبال المقاتلين المنتمين لدولهم. وتفرض مثل هذه القرارات التوغل في قناعات المتطرفين الذين توجهوا إلى مناطق الصراع، ومسببات انضمامهم، وإن كان هناك مجال لدمجهم وإعادتهم في مجتمعاتهم أم استحالة ذلك.

ندم العائدين
على الرغم من أن الأميركية هدى مثنى حاولت التأكيد على أنه قد تم التغرير بها، فإن ما قد يصعب من تصديق نياتها هو نشاطها السابق في حسابها في «تويتر»، إذ دعت فيه إلى القيام بهجمات إرهابية خلال الأعياد في الولايات المتحدة. وهو الأمر ذاته الذي يتقاطع مع قضية شميمة بيغوم، التي انضمت لتنظيم داعش في عام 2015، وبعد أن اعتقل زوجها الهولندي المنتمي للتنظيم هربت إلى مخيم لاجئين في سوريا إذ أنجبت طفلها. وعلى الرغم من كشفها عن القمع والفساد في التنظيم، فإنها ذكرت أنها لا تشعر بالندم على التجربة التي مرت بها لأنها جعلتها «شخصاً أقوى».
بينما ذكر خبير لغة الجسد دارين ستانتون، في لقاء مع محطة «سكاي نيوز»، أن شميمة لم تكن مقنعة في حديثها وأنها افتقدت إلى الصدق. مثل هذه التوجهات التي تقررها السلطات تسد الطرق على المقاتلين الآخرين الذين يجدون في إعلانهم الندم فرصة للعودة بعد أن استحال استمرار المعيشة في مناطق الصراع. من هؤلاء جاك الداعشي (22 عاماً) الذي يحمل الجنسيتين البريطانية والكندية، والذي أعلن عبر وسائل الإعلام تمنيه أن تقبل بريطانيا عودته إليها. وقد تزوج جاك الداعشي في الرقة من عراقية وأنجب طفلاً. وما يؤخذ عليه إعرابه عن سعادته الغامرة عند سماعه بحدوث اعتداءات باريس عام 2015 في تلك الفترة، وذلك نتيجة نقمته حيال الضربات التي كانت موجهة لتنظيم داعش في العراق وسوريا.

استراتيجية السجن
وعلى الرغم من تفاوت سبل معالجة إشكالية عودة المقاتلين الأجانب في الدول الأوروبية، فإن غالبيتها تنم عن تخوّف من عودتهم وتسببهم في خلق «خلايا نائمة» وكذلك قدرتهم على التأثير سلباً في المجتمع وأدلجته الراديكالية، وقد ذكرت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبييه، أن بلادها ستقيم دراسات على جميع الحالات المرتبطة بالمقاتلين الفرنسيين، كل على حدة.
فيما قال وزير الداخلية البريطاني ساجد جاويد، إنه لن يتردد في منع البريطانيين الذين كانوا في صفوف التنظيم من العودة إلى بلادهم. يذكر أن إسبانيا نشرت استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب وضعها مركز مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، الذي ينص على أن «المقاتلين الذين غادروا الأراضي الإسبانية إلى مناطق القتال في سوريا والعراق مع تنظيم داعش، بالأخص في مدريد وبرشلونة وسبتة ومليلة يعتبرون مصدر قلق رئيسياً، ولا بد من اتباع سبيل قضائية للتصدي لمخاطرهم، مثل إيداعه في السجن حال عودتهم إلى بلدانهم». ويعكس ذلك بلا شك تراجع توقعات السلطات القدرة على إعادة تأهيل المقاتلين والتشكيك في صدق نياتهم، والقلق حيال قدرتهم على التأثير سلباً في مجتمعاتهم. وذلك لا ينطبق فحسب على من قاتل فعلياً في مناطق الصراع، بل شمل ذلك «العروس الداعشية» أو من قررت هجر بلادها وحياتها القديمة من أجل الاقتران بمتشدد من «داعش»، أو أكثر من مقاتل على التوالي.
وأطلق أخيراً سراح الداعشية تارينا شاكيل، وهي أول بريطانية تتم محاكمتها في فبراير (شباط) عام 2016، في برمنغهام بالسجن لمدة 6 أعوام، وقد توجهت مع ابنها البالغ من العمر عاماً إلى تركيا، ومن ثم إلى الرقة في سوريا لمدة 3 أشهر.
وقد كانت لديها في فترة انتمائها للتنظيم عدة تصريحات عبر وسائل التواصل الإلكتروني تحرض عامة الناس على التعاطف مع ما يحدث في مناطق النزاع والمشاركة في القتال. مثل ما نشرته إلكترونياً: «إذا كان ما يجري في سوريا حالياً لا يعجبكم، فلتكن يدكم على السلاح وليس على لوحة مفاتيح الكومبيوتر».

بروباغندا {داعشية}
وذكر الخبير المختص في الإرهاب في مؤسسة راند الأميركية للأبحاث، برايان مايكل جنكنز، أن البروباغندا والوسائل الإعلامية التي اشتهر بها تنظيم داعش باستخدامه العنف والإثارة تستقطب بشكل كبير الشخصيات التي تمزج بين الخيال والواقع، وأن من الصعب تحفيز أشخاص أسوياء على القيام بسلوكيات عنيفة مدمرة. الأمر الذي يعكس تركيز التنظيم الأخير على نشر تسجيلات مرئية دموية عنيفة تثير حماسة الشخصيات المريضة، سواء في بداية نشأة التنظيم في فترة امتداد منطقته الجغرافية التي كانت تعد ملاذاً للمتطرفين، أو فيما بعد باستقطابه ذئاباً منفردة، وقد ظهر عدد كبير من مرتكبي العمليات الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة ممن لديهم سوابق إجرامية وتعاطٍ للمخدرات أو اختلال عقلي.
وبالنظر إلى مرتكب هجوم مدينة لييج البلجيكية الذي أسفر عن مقتل شرطيين في 30 مايو (أيار) 2018، وصف وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، مرتكبه بنجامين هيرمان وهو تاجر مخدرات، بأنه مضطرب نفسياً وربما كان واقعاً تحت تأثير المخدرات، الأمر الذي يبرر سبب اقتناعهم بالحاجة إلى أعمال العنف أو قتل الآخرين، أضف إلى ذلك أن قيامهم بعمليات إرهابية لن يدفعهم إلى الشعور بالندم وبتأنيب الضمير، في حال كان لديهم اضطراب عقلي أو نفسي، حسب الحالة الفردية.
وفي دراسة تم نشرها في مجلة «سلوكيات النفس البشرية» العلمية، تمت دراسة شريحة مكونة من 66 كولومبياً انضم سابقاً إلى ميليشيات متطرفة، تبين أنهم يمتلكون نمطاً غير طبيعي في «المنطق والحكم الأخلاقي»، وهو أمر يبرر استجابة عدد من المنتمين لتنظيم داعش لحثهم على طعن المارة أو دهسهم بشاحنات في أماكن تجمعهم في أوروبا أو الولايات المتحدة، إذ إن ذلك لن يكون أمراً طبيعياً، إلا لشخص يعاني من وجود خلل نفسي أو عدم تعاطف مع الآخرين، ما يسهل من الإتيان بمثل هذه الهجمات دون شعور بتأنيب الضمير. مثل ما حدث مع الفرنسي رضوان لقديم، وهو فرنسي من أصل مغربي، حيث سرق سيارة واختطف رهائن وأطلق النار على الشرطة متسبباً في مقتل 4 أشخاص. وأكد المدعي العام الفرنسي فرنسوا مولانس، أن منفذ الهجوم، الذي لقي مصرعه لاحقاً «شاب يبلغ من العمر 25 سنة، وكان معروفاً لدى السلطات بصلته بمتطرفين». وقال مولانس إن مراقبة أجهزة الاستخبارات لمنفذ الهجوم خلال عامي 2016 - 2017 لم تسفر عن أدلة واضحة يمكن أن تؤدي إلى توقع أنه سينفذ هجوماً.
ووفقاً للمدعي العام، فقد أُدين لقديم مرتين؛ الأولى كانت في عام 2011، والثانية كانت عام 2015.
وقد تبنى تنظيم داعش الإرهابي الهجوم المسلح الذي نفذ في مارس (آذار) 2018، وأدى إلى مقتل 4 أشخاص، بمدينة تريب جنوب غربي فرنسا، كما خلف عدداً من الجرحى، وصفت حالات بعضهم بـ«الخطرة». وحسب وسائل إعلام فرنسية، فقد طالب المهاجم الشرطة بإطلاق سراح الداعشي الذي نفذ هجوماً دموياً في باريس عام 2015، مقابل إخلائه سبيل الرهائن الذين احتجزهم في المحل التجاري.
وقد علق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الحادثة وقتئذ بأن مستوى التهديد الأمني لا يزال مرتفعاً وبأنه قد يلجأ عدد من الأفراد إلى التطرف دون الانضمام إلى تنظيمات إرهابية نتيجة بعض الأمراض النفسية. وشدد الرئيس الفرنسي على أهمية متابعة هؤلاء الأفراد عن كثب. وهو ما يعول عليه «داعش» وينسب إليه عدد من العمليات الإرهابية التي ارتكبها «ذئاب منفردون» في سعي لإثبات استمراره على الرغم من انحسار أنشطته الإعلامية وهجماته الإرهابية بشكلٍ عام.
وتتزايد أعداد المنتمين للتنظيمات الإرهابية من المضطربين نفسياً ممن لا تمثل لهم الآيديولوجية والقناعات الدينية أو السياسية للتنظيمات سبباً مقنعاً للانضمام، ما يغير مسيرة كثير من الدراسات حول بروفايل المتطرفين ومسببات انضمامهم المتجهة بشكلٍ كبير نحو التركيز على التعاطف الديني أو السياسي والفقر كأهم أسباب للتطرف مثل ما حدث مع تنظيم القاعدة. فيما تعد مشكلات مثل التهميش والعزلة الاجتماعية في مجتمعات مثل أوروبا والحاجة إلى الانتماء لجماعة، أسباب أقوى للانضمام لتنظيمات مثل «داعش».


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».