هل تستدعي موازين القوى الجديدة بحث «الاستراتيجية الدفاعية»؟

مواقف عون وباسيل تشير إلى أن طرحها لم يعد أولوية

TT

هل تستدعي موازين القوى الجديدة بحث «الاستراتيجية الدفاعية»؟

كان وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل واضحا في ردّه على تصنيف «حزب الله» بالإرهابي من قبل بريطانيا إذ قال: «لو وقف العالم بأجمعه وقال إن المقاومة إرهاب، فهذا لا يجعل منها إرهاباً بالنسبة إلى اللبنانيين، وطالما أن الأرض محتلة تبقى المقاومة محتضنة من مؤسسات الدولة وكل الشعب اللبناني».
موقف باسيل، وقبله مواقف أخرى لرئيس الجمهورية ميشال عون، تدل على أن طرح الاستراتيجية الدفاعية لم يعد أولوية. هذه الاستراتيجية التي كانت نجمة طاولات الحوار منذ العام 2005 بعد خروج النظام السوري من لبنان، لـ«تنفيس» الأزمات بين «حزب الله» الذي حل محل هذا النظام في الحياة السياسية، من جهة، والفريق الذي كان مجتمعاً تحت راية «14 آذار» من جهة ثانية، وصولاً إلى إعلان بعبدا عام 2015 الذي انجزه الرئيس السابق ميشال سليمان.
ولكن اليوم، وبعد نيل «حزب الله» وحلفائه أكثرية مريحة في مجلسي النواب والوزراء، يطرح السؤال: «هل تستدعي موازين القوى حاجة إلى بحث الاستراتيجية الدفاعية على طاولة حوار يتولى عون الدعوة إليها؟»،
بداية، لا يوافق النائب في كتلة «الوفاء للمقاومة» الوليد سكرية على أن «حزب الله» وحلفاءه لهم أكثرية في مجلس النواب. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن توافق الحزب والتيار الوطني الحر يقتصر على مواضيع محددة، في حين يتوافق التيار ورئيس الحكومة سعد الحريري على مواضيع كثيرة. ولو كان الحزب مسيطراً على الأكثرية النيابية، لما تولى الحريري رئاسة الحكومة. هناك توافق وليس غلبة للحزب على الآخرين. وهناك اتفاق على الاهتمام بالملفات الداخلية، والابتعاد عن النقاط الخلافية ومن ضمنها الاستراتيجية الدفاعية. بالتالي لا لزوم لطاولة حوار تناقش الاستراتيجية الدفاعية، لأن كل الحوارات طريقها مسدود في المرحلة الراهنة. والفريق الذي يصمت اليوم عن طرح الاستراتيجية الدفاعية، كما كان يفعل سابقاً، ينتظر التغييرات الإقليمية».
من جهته، يقول النائب والوزير السابق بطرس حرب لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعرف إذا كان لدى عون رغبة بعقد طاولة حوار لبحث الاستراتيجية الدفاعية وسلاح حزب الله.
إذا أخذنا بالاعتبار أن لا رغبة لديه بالتشاور مع أي طرف في شأن القرارات المتعلقة بسيادة لبنان، فهو لم يسمح للوزراء بمناقشته. وهو مقتنع أو أنه أُقنع أن لا حرج مع سلاح الحزب، بالتالي سيسعى إلى تغطيته وإعطائه شرعية أكثر فأكثر».
أما النائب السابق فارس سعيد فيقول لـ«الشرق الأوسط» أن لـ«حزب الله مصلحة لإبقاء طاولة الحوار بغية كسب الوقت حتى تتحول كل السلطة بين يديه ويضمنها، فلا ينقلب عليه أي طرف سياسي. حينها عندما يضطر إلى تسليم سلاحه يكون قد تأكد من أنه يسلّم سلاحه إلى سلطة مضمونة».
ويشير حرب الى أن «المشكلة الكبرى مع رئيس الجمهورية الذي تمسك حزب الله بوصوله إلى قصر بعبدا، ليغطي وجوده غير الشرعي. وعون نزع عن الحزب الصفة المذهبية إلى صفة وطنية، وذلك قبل وصوله إلى الرئاسة. واليوم، يصرح بأنه لا يمكن أن يتخلى عن السلاح قبل حل القضية الفلسطينية. أما باقي الأطراف السياسية، فقد اعتمدت سياسة الإذعان لأنهم لا يستطيعون شيئا حيال حزب الله وإمساكه بالسلطة، بالتالي قبلوا الأمر الواقع مقابل بقائهم في السلطة».
ويحذر سعيد من عدم إنهاء موضوع سلاح حزب الله غير الشرعي، معتبراً أن «استمرار الحكومة اللبنانية باستعارة طاولة حوار كذريعة لعدم إنهاء موضوع السلاح غير الشرعي له تبعات قد تضع لبنان بمواجهة المجتمع الدولي الذي يمول القوات الدولية بموجب القرار 1701 بـ800 مليون دولار سنوياً، تدفع الولايات المتحدة 45 في المائة منها».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم