روائع لرواد الفن التشكيلي المصري تُعرض للمرة الأولى

تُظهر جمال الريف والأحياء العتيقة عبر المدرسة التأثيرية

د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري
د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري
TT
20

روائع لرواد الفن التشكيلي المصري تُعرض للمرة الأولى

د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري
د. رضا يوسف كامل ابن الفنان الراحل يوسف كامل مع مصطفى عز الدين صاحب الغاليري

في عودة حميمة إلى المدرسة التأثيرية المصرية، التي تسودها لوحات غنية بزمانها الدافئ وعالمها الخاص، والعالقة بمشاهد مصرية في بدايات القرن العشرين ومنتصفه، يطالعنا «غاليري ليوان» بالقاهرة بمعرضه المقام حالياً بعنوان «رواد الفن التشكيلي»، الذي يحتضن روائع فنية لم يُعرض معظمها من قبل لثلاثة من الرواد الذين تجمع بينهم التأثيرية والمصاهرة معاً، وهم يوسف كامل، وكامل مصطفى، وحسني البناني، حيث تنتمي الأعمال لمجموعات خاصة بالأسرة ولبعض المقتنين.
يستطيع زائر المعرض أن ينهل من تاريخ الفن المصري، الذي ربما من الصعب التواصل معه سوى في المتاحف، خصوصاً ما يرتبط بالتأثيرية؛ تلك المدرسة الفنية التي انطلقت في النصف الأخير من القرن التاسع عشر في فرنسا، وجذبت إليها بحضورها الطاغي بعض الفنانين المصريين.
مصطفي عز الدين أحمد، صاحب غاليري «ليوان» يقول لـ«الشرق الأوسط»، «معظم اللوحات لم يشاهدها الجمهور من قبل، حيث بقيت في دوائر مغلقة تقتصر على مجموعات خاصة، لا سيما أعمال الرائد يوسف كامل، الذي يكاد يقتصر تواصل المتلقي مع فنه عبر ما تضمه المتاحف الفنية، لذلك جاء المعرض مفاجأة فنية حتى بالنسبة للأساتذة الأكاديميين في كليات الفنون». ويضيف: «قمت بجهد متواصل خلال فترة طويلة كي أقنع الأسر بالموافقة على عرضها أمام الجمهور، ولحبهم للفن ولهؤلاء الرواد الذين استقوا من أعمالهم المعلقة في بيوتهم جمالاً وحنيناً قد وافقوا».
ويصف د. يوسف كامل نجل الفنان كامل مصطفي، وحفيد الرائد يوسف كامل، لـ«الشرق الأوسط»، المعرض، بأنه «يمثل المحاولة الأولى لإلقاء الضوء على التأثيرية التي مضى عليها وقت كبير لم يلتفت إليها أحد، حيث يتجه المشهد التشكيلي المصري الراهن إلى اتجاهات كثيرة تبعدنا عن هذا المسار في ظل الاهتمام بالحداثة وما بعد الحداثة».
ويتابع يوسف: «ما يزيد من أهمية المعرض أنه يضم عدداً كبيراً من الأعمال لثلاثة من أهم رواد التأثيرية معاً، إلى جانب أن به تذكيراً بالمدرسة الانطباعية المصرية في أقوى مراحلها وأبهى صورها، ومن جهة أخرى لا يقل أهمية عن ذلك بالنسبة للأسرة أنه يذكرنا بالرحلة الفنية للجد والأب وزوج الخالة على السواء، لا سيما أن الأعمال التي يضمها المعرض تعبر عن مختلف المراحل الفنية التي خاضها الفنانون الثلاثة، إلى جانب صور شخصية نادرة لهم أثناء الرسم في الأتيليه الخاص بهم، استعارها الغاليري من ألبوم العائلة».
ويوضح يوسف: «يضم المعرض 17 عملاً ليوسف كامل، و17 عملاً لزوج ابنته الفنان كامل مصطفى، و11 عملاً لزوج ابنته الآخر الفنان حسني البناني، ولم يسبق عرض أعمال للرواد بهذه الضخامة من قبل في معرض واحد».
ويعد المعرض بمثابة تحية فنية لجذور التشكيل المصري، فيه يتعرف الزائر على قصة أحد خريجي الدفعة الأولى لمدرسة الفنون الجميلة سنة 1911، وقصة أول مرة يتم فيها تخصيص بعثات للفن التشكيلي المصري في وقت مبكر من تاريخه.
وفي المعرض تلتقي بأعمال يوسف كامل (1891 ــ 1971) في تأثرها بالانطباعية الأوروبية، ثم الانطباعية التعبيرية المصرية، ثم مرحلته الفنية الأخيرة حين ضعف بصره.
وخلال ذلك كله، يستمتع المتلقي بلوحات تجسد الطبيعة التي عشقها، وصورها، متناولاً الحياة الهادئة البسيطة للفلاحين والحقول والحيوانات والطيور، إلى جانب الأحياء القديمة بالقاهرة، وبراعته في تحقيق التوافق بين رحابة مساحات ألوانه وثراء لمسات فرشاته وأشعة الضوء الساقطة على اللوحات.
ومن أعمال يوسف كامل إلى زوج ابنته كامل مصطفى (1917 ــ 1982) نتعرف على ملامح مرحلة فنية أخرى من تاريخ الفن المصري، يتابع د. يوسف حديثه: «وجّه الفنان القدير محمود سعيد أبي فنياً عقب اكتشاف موهبته مصادفة، إذ نصحه بالالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا، وأرسله بخطاب توصية إلى صديقه (جدي) يوسف كامل، وبعد أن تخرج كامل مصطفى من المدرسة، أتيح له السفر بعدها إلى إيطاليا، حيث تتلمذ على يد فنانين مرموقين منهم كارلو سيفيرو ودانتي ريتشي».
وفي المعرض لوحات تعرف بغزارة إنتاج كامل مصطفى، ما بين مشاهد من روما رسمها الفنان أثناء بعثته إليها جنباً إلى جنب مع مشاهد من القرى المصرية والقاهرة وضواحيها في منتصف القرن العشرين، التي جسدها بحس تأثيري خاص، ولا يقل أهمية عن ذلك مجموعة البورتريهات التي برع فيها، والبيئة السكندرية الساحلية التي ينتمي إليها، حيث البحر والصيد وبناء السفن. وتثير اللوحات شغف المشاهد لزيارة المتاحف المصرية ليقف على قدرته المميزة في تجسيد الحكايات التاريخية.
وعندما ينتقل الزائر للمعرض المستمر حتى 7 مارس (آذار) الحالي، إلى أعمال حسني البناني (1912 - 1988) فإنه يكون قد انتقل إلى متعة الحياة في الريف المصري، وبهجتها، حيث تتراقص الألوان على سطح لوحاته، وتلمس معنى مقولته التي كان يرددها دوماً أمام أسرته: «لا أحب أن أقلب اللوحة دراماً»، في إشارة إلى البعد عن المشاهد الحزينة، ويلحظ المتلقي إلى أي مدى برع في تقديم مناظر جميلة من البيئة المصرية إلى حد أنه نجح أن يزيح المناظر المنسوخة عن الأوروبيين من جدران كثير من قصور وبيوت الأسر الأرستقراطية في مصر في هذه الحقبة، لتتربع مكانها لوحاته ذات الطابع المصري الأصيل.



التماسيح وأفراس النهر كانت تسبح في الجزيرة العربية قبل 8 ملايين عام

تُظهر الكهوف الصحراوية مرور المنطقة بفترات رطوبة متكررة على مدى الـ8 ملايين سنة الماضية (جامعة غريفيث)
تُظهر الكهوف الصحراوية مرور المنطقة بفترات رطوبة متكررة على مدى الـ8 ملايين سنة الماضية (جامعة غريفيث)
TT
20

التماسيح وأفراس النهر كانت تسبح في الجزيرة العربية قبل 8 ملايين عام

تُظهر الكهوف الصحراوية مرور المنطقة بفترات رطوبة متكررة على مدى الـ8 ملايين سنة الماضية (جامعة غريفيث)
تُظهر الكهوف الصحراوية مرور المنطقة بفترات رطوبة متكررة على مدى الـ8 ملايين سنة الماضية (جامعة غريفيث)

كشفت دراسة جديدة نُشرت في دورية «نيتشر»، الأربعاء، عن أن الصحراء القاحلة الواقعة حالياً بين قارة أفريقيا والمملكة العربية السعودية كانت في يوم من الأيام، وعلى مدى 8 ملايين عام، منطقة جغرافية خصبة وخضراء، ومليئة بالأنهار والبحيرات، مما سمح باستقرار الحيوانات والبشر الأوائل وتنقلهم فيها، وكذلك بينها وبين المناطق الجغرافية المجاورة لها.

وأبرزت نتائج الدراسة، التي قادها فريق دولي من الباحثين بدعم من هيئة التراث السعودي بالمملكة، ضمن ما يعرف بـ«مشروع الجزيرة العربية الخضراء»، أن هذا التقاطع المهم وفَّر فرصاً للتبادل الجغرافي الحيوي في الماضي بين أفريقيا وأوراسيا – الكتلة الأرضية التى تربط قارتي آسيا وأوربا.

ويعد «مشروع الجزيرة العربية الخضراء»، مبادرة علمية سعودية تستكشف، مع شركاء دوليين من جامعات ومراكز أبحاث دولية وبالتعاون مع الجامعات السعودية، انتشار الإنسان في منطقة شبه الجزيرة العربية خلال العصور القديمة. كما يركز المشروع على استكشاف ودراسة الأحافير القديمة في تلك المنطقة.

وتسعى هيئة التراث السعودية إلى توسيع التعاون الدولي في مجال دراسة التراث الطبيعي وتعزيز البحث العلمي في هذا الإطار. مع إلقاء مزيد من الضوء على الأبعاد البيئية والتاريخية للمملكة.

أدلة أحفورية

وعلى الرغم من أن أبحاثاً حديثة كانت قد أشارت إلى أن الصحراء العربية كانت موجودة منذ 11 مليون عام على الأقل، فإن البروفسور مايكل بيتراجليا، مدير المركز الأسترالي لأبحاث التطور البشري بجامعة غريفيث الأسترالية، والمؤلف المشارك في الدراسة الجديدة، صرّح في بيان نُشِر، الأربعاء، بأن الأدلة الأحفورية من أواخر العصر الميوسيني، الذي اتسم بارتفاع درجات الحرارة العالمية، والعصر البليستوسيني، الذي شهد عصوراً جليدية متعددة، تُشير إلى وجود متقطع للحيوانات المعتمدة على الماء داخل الصحراء العربية.

ويُرجّح بيتراجليا أن حيوانات مثل التماسيح والخيول وأفراس النهر كانت تعيش على الأنهار والبحيرات في تلك المنطقة، والتي غابت إلى حد كبير عن مشاهد الصحراء القاحلة اليوم.

وأوضح: «من المرجح أن هذه الظروف الرطبة سهّلت انتشار الثدييات بين أفريقيا وأوراسيا، حيث كانت شبه الجزيرة العربية بمثابة مفترق طرق رئيسي للتبادلات الجغرافية الحيوية على نطاق القارات القديمة».

كانت الأعمال البحثية الجديدة التي أجرتها الدكتورة مونيكا ماركوسكا، من جامعة «نورثمبريا» بالمملكة المتحدة، والدكتور هوبرت فونهوف، من معهد «ماكس بلانك» للكيمياء بألمانيا، التي أُجريت على رواسب الكهوف (الرواسب المعدنية مثل الصواعد والهوابط)، قد كشفت أيضاً عن وجود كثير من المراحل الرطبة في شبه الجزيرة العربية خلال الثمانية ملايين سنة الماضية.

من جانبها، أوضحت الدكتورة ماركوسكا، المؤلفة الرئيسية للدراسة، أنه لم يكن معروفاً الكثير عن مناخ شبه الجزيرة العربية القديم قبل ذلك الوقت، مشيرةً إلى أن النتائج «أبرزت أن هطول الأمطار خلال الفترات الرطبة انخفض وأصبح أكثر تقلباً مع مرور الوقت، مع ضَعف تأثير الرياح الموسمية، وبالتزامن مع زيادة الغطاء الجليدي القطبي في نصف الكرة الشمالي خلال العصر البليستوسيني».

ويشار دائماً إلى الصحراء العربية على أنها أحد أكبر الحواجز الجغرافية الحيوية على وجه الأرض، وهو ما أسهم في الحدّ من انتشار البشر الأوائل والحيوانات بين أفريقيا وأوراسيا.

وهو ما علق عليه الدكتور فيصل الجبرين، كبير علماء الآثار السعوديين في هيئة التراث: «لطالما كان يجري تجاهل شبه الجزيرة العربية في إبراز فترات الانتشار بين أفريقيا وأوراسيا، لكن نتائج دراسات مثل دراستنا هذه تكشف بوضوح عن مكانتها المركزية في تاريخ الهجرات القديمة للثدييات والبشر».