موسكو تتهم واشنطن بنقل أسلحة إلى حدود فنزويلا

حكومة مادورو تبيع احتياطيها من الذهب بالسوق السوداء... وغوايدو سيعود إلى كراكاس قريباً

قوات في قاعدة جوية بهندوراس تحمل مساعدات إنسانية إلى كولومبيا قريباً من الحدود الفنزويلية... الطائرات المستخدمة هبة من الولايات المتحدة لهندوراس (أ.ف.ب)
قوات في قاعدة جوية بهندوراس تحمل مساعدات إنسانية إلى كولومبيا قريباً من الحدود الفنزويلية... الطائرات المستخدمة هبة من الولايات المتحدة لهندوراس (أ.ف.ب)
TT

موسكو تتهم واشنطن بنقل أسلحة إلى حدود فنزويلا

قوات في قاعدة جوية بهندوراس تحمل مساعدات إنسانية إلى كولومبيا قريباً من الحدود الفنزويلية... الطائرات المستخدمة هبة من الولايات المتحدة لهندوراس (أ.ف.ب)
قوات في قاعدة جوية بهندوراس تحمل مساعدات إنسانية إلى كولومبيا قريباً من الحدود الفنزويلية... الطائرات المستخدمة هبة من الولايات المتحدة لهندوراس (أ.ف.ب)

اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واشنطن بالتخطيط لتسليح المعارضة الفنزويلية بأسلحة قد تشتريها من إحدى دول أوروبا الشرقية لنقلها إلى الحدود الفنزويلية، إلا أنه لم يكشف عن طبيعة المعلومات التي قال إنها بحوزته. وقال لافروف، خلال مؤتمر صحافي، عقب لقائه مع نائب الرئيس الفنزويلي ديلسي رودريغيز أمس الجمعة، إنه «فيما يتعلق بمسألة المخططات الأميركية لتسليح المسلحين لزعزعة استقرار الوضع في فنزويلا، وإذا تحدثنا بوضوح، لغزو هذا البلد السيادي، فعندئذ بالطبع نحن قلقون بشأن هذه الخطط، لأن الولايات المتحدة لا تتردد في التحدث بصراحة عنها»، بحسب وكالة «سبوتنيك» الروسية.
وأشار لافروف إلى أن المعلومات الواردة تدل على أن الولايات المتحدة تخطط في القريب العاجل لشراء الأسلحة الخفيفة ومدافع الهاون ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة وأنواع أخرى من الأسلحة من إحدى بلدان أوروبا الشرقية، وإرسالها إلى مناطق قريبة من فنزويلا بمساعدة إحدى شركات الطيران «المطيعة» لنظام واشنطن.
ونوّه لافروف بأن الولايات المتحدة وحدها وواحداً أو اثنين من حلفائها في المنطقة يدعمون خيار التدخل العسكري في فنزويلا، مؤكداً أنه في حال لم تدعم الدول المجاورة لفنزويلا قرار الغزو، فإن الولايات المتحدة ستفشل.
من جهته، التقى زعيم المعارضة خوان غوايدو بالرئيس البرازيلي جاير بولسونارو في برازيليا، أول من أمس (الخميس)، وأكد أنه سيعود إلى بلده «الاثنين على أبعد حد» على الرغم من «التهديدات». وكان غوايدو قد وصل إلى العاصمة البرازيلية ليل الأربعاء - الخميس قادماً من كولومبيا التي توجه إليها لإدارة عملية نقل المساعدة الإنسانية إلى بلده الذي يعاني من نقص كبير في المواد الغذائية والأدوية، على الرغم من قرار قضائي بمنعه من السفر، وقد يتم توقيفه فور عودته.
وفي مؤتمر صحافي، قال غوايدو، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية: «تلقيت تهديدات شخصية ضد عائلتي لكنني مهدد أيضاً بالسجن من قبل النظام». وأضاف: «لكن هذا لن يمنعني من العودة إلى فنزويلا، الاثنين، على أبعد حد». وحيا الرئيس البرازيلي «أخاه» غوايدو الذي وصفه بأنه رمز «أمل». وقال: «لا نوفر جهداً في إطار قانوني يحترم دستورنا وتقاليدنا من أجل إعادة الديمقراطية إلى فنزويلا». وأضاف: «الله مع فنزويلا والفنزويليين»، ويُفترض أن يغادر غوايدو البرازيل متوجهاً إلى باراغواي.
ومنذ 23 فبراير (شباط) تمنع قوات الأمن الفنزويلية دخول هذه المساعدات وكذلك دخول أطنان من المواد الغذائية والأدوية التي يُفترض أن تُنقل من البرازيل. وترى كراكاس في هذه المساعدات ذريعة لتدخُّل عسكري أميركي لطرد مادورو من السلطة. وثلاثة من أربعة جسور بين كولومبيا وفنزويلا مهددة بالانهيار بسبب الحمولة التي وُضعَت لإغلاقها، كما قال كريستيان كروغر مدير الإدارة الكولومبية للهجرة مساء أول من أمس (الخميس).
وأوضح أن الجيش الفنزويلي وضع حاويات مليئة بالرمل، بينما ضعفت بنية الجسور بسبب الحرائق التي اندلعت خلال مواجهات 23 فبراير. وأضافت السلطات الكولومبية أن 567 عسكرياً فنزويلياً انشقّوا وفروا إلى كولومبيا منذ ذلك التاريخ.
وحول الوضع في بلده، قال غوايدو إن «300 ألف فنزويلي معرضون للموت» بسبب نقص المواد الغذائية والأدوية. وأضاف: «الخيار ليس بين غوايدو ومادورو بل بين الديمقراطية والديكتاتورية وبين البؤس والرخاء»، مؤكداً: «نحن نكافح من أجل انتخابات حرة، انتخابات ديمقراطية».
تحدث غوايدو أيضاً عن القمع الذي يمارسه نظام مادورو، خصوصاً خلال الصدامات على الحدود البرازيلية، الأسبوع الماضي. وقال إن «الاضطهاد لم يُجدِ ولم يؤدِّ سوى إلى تأخير الأمر المحتوم، وهو الانتقال إلى الديمقراطية». وقبل لقائه بالرئيس البرازيلي، اجتمع زعيم المعارضة الفنزويلية مع دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي.
وأخيراً أكَّد نائب الرئيس البرازيلي هاملتون موراو لشبكة «غلوبو نيوز»، الأربعاء، أن «حرباً أهلية» تُعد «سيناريو ممكناً بسبب الوضع في البلاد». وقال في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، الأسبوع الماضي، إن تدخلاً عسكرياً في هذا البلد «لن يكون له أي معنى».
ومن جهة أخرى، أبلغ نائب معارض وثلاثة مصادر حكومية «رويترز» بأن ثمانية أطنان من الذهب على الأقل نُقلت من خزائن البنك المركزي الفنزويلي الأسبوع الماضي، في أحدث إشارة على يأس الرئيس نيكولاس مادورو من الحصول على العملة الصعبة في ظل اشتداد العقوبات.
وقال النائب المعارض أنجيل ألفارادو وثلاثة مصادر حكومية إن الذهب جرى نقله في سيارات حكومية بين يومي الأربعاء والجمعة من الأسبوع الماضي عندما لم يكن هناك حراس أمن نظاميون في البنك. وأردف ألفارادو قائلاً: «يخططون لبيعه» في الخارج بشكل «غير قانوني».
ولم يقل ألفارادو والمصادر الحكومية التي تحدثت بعد أن طلبت عدم الكشف عن هوياتها، إلى أي وجهة نقل البنك الذهب. وقالوا إن العملية تمت بينما كان رئيس البنك المركزي كاليكستو أورتيجا في رحلة إلى الخارج.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟