تحذير إسرائيلي من انفجار في الأراضي الفلسطينية رداً على «صفقة القرن»

مسؤول في تل أبيب يتهم معدي الخطة بالسذاجة وعدم الإنصات لنصائح إسرائيل والعرب

TT

تحذير إسرائيلي من انفجار في الأراضي الفلسطينية رداً على «صفقة القرن»

حذّر مسؤول إسرائيلي بارز من أن يكون الرد الفلسطيني على الخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط التي تُعرف باسم «صفقة القرن»، بانفجار شعبي كبير يؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، ويعود بنتائج عكسية، وبدلاً من بشرى السلام يأتي بنذير الحرب.
وقال هذا المسؤول في أحاديث صحافية، في تل أبيب، أمس (الجمعة)، إن «الإدارة الأميركية تعاملت في الموضوع بطريقة مبسّطة، ضاربةً عرض الحائط بالتحذيرات التي قدمها لها مسؤولون وخبراء من إسرائيل والعالم العربي، ولم تُصغِ إلى نصائحهم في هذا الشأن. وبما أنه لا توجد لدى الأميركيين خطة بديلة في حال رفضها، إلا تهديدات الإدارة الأميركية بالرحيل والتخلي تماماً عن الموضوع، فإن النتيجة الواضحة هي الانهيار، وعودة الجانبين إلى مربع الفراغ السياسي، وإلى أزمة اقتصادية عميقة في الضفة وغزة، والانزلاق إلى مواجهة مسلحة».
وكان المسؤول الإسرائيلي الذي لم تذكر وسائل الإعلام اسمه، يردّ على ما نقله المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، من أن موظفاً مركزياً في الإدارة الأميركية، مطلعاً وضالعاً في «صفقة القرن»، قال له بسذاجة إنه «بعد نشر هذه الخطة سيكون بإمكان أي عائلة (فلسطينية) أن تجلس حول مائدة العشاء، وقراءة الخطة مع الأولاد، وسترى إلى أي مدى يجدر تبنيها. وهؤلاء سيمارسون ضغطهم على أبو مازن (الرئيس الفلسطيني، محمود عباس)، لكي يغير موقفه منها ويؤيدها».
وقال المسؤول الإسرائيلي إنه لم يصدق ما سمعه من موظف في الإدارة الأميركية، خصوصاً أن هذا المسؤول يكثر من التجول في الشرق الأوسط، منذ انتخاب ترمب رئيساً، ويلتقي كثيراً من الخبراء الذين لا يبخلون عليه بالنصح والتنبيه. وقال: «الموظف الأميركي يستند في تفاؤله هذا إلى البنود التي تتضمنها الخطة الأميركية التي حسب قوله (مكتوبة بكلمات بسيطة جداً، ومن دون صياغات قانونية معقدة، وفيها أوصاف هدفها إقناع الجمهور الفلسطيني بإيجابياتها، مثل توفير العمل والمال وحرية التنقل وسيادة معينة)».
وحسب فيشمان، فإن المسؤول الإسرائيلي سجّل ملاحظة أمامه، مفادها أنه «عندما تلتقي السذاجة والهواة فهذه وصفة لكارثة. وخطة ترمب تدخل رسمياً إلى قائمة آخذة بالاتساع لعوامل تسرّع الانفجار بين إسرائيل والفلسطينيين».
وسجّل المسؤول الإسرائيلي عدداً من الملاحظات على طريقة وضع «صفقة القرن»، فلفت إلى أنه «لم تشارك جهات مهنية في الإدارة الأميركية من الضالعين بتعقيدات الوضع في الشرق الأوسط، في صياغة (صفقة القرن). ووزارة الخارجية الأميركية استبعدت. كما أن الطاقم المصغر في مجلس الأمن القومي الأميركي الذي يساعد في بلورة موقفي مبعوثي ترمب، جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات، انحسرت مساعدتهم في تجميع المعطيات، واستبعدوا من النتيجة النهائية للخطة، التي صاغها كوشنر وغرينبلات والسفير الأميركي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان. وعلى الرغم من ضلوع عميق لسفير إسرائيل في واشنطن، رون ديرمر، في وثيقة الخطة، وكذلك لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فإن الأميركيين لم يشركوا السلطة الفلسطينية في أي مرحلة. ولذلك، ليس مستغرباً أنه لا يوجد للسلطة الفلسطينية أي حافز لمناقشة هذه الوثيقة، ورفضها قبل طرحها».
واختتم المسؤول الإسرائيلي كلامه بالإشارة إلى أن الإدارة الأميركية تبدي نيات لتحسين العلاقة مع السلطة الفلسطينية، لكنها لا تبذل جهداً كافياً في هذا السبيل، وتستند إلى بعض الإشارات التي لا تقنع السلطة الفلسطينية بجدية جهودها. فقد تحدث كوشنر، الأسبوع الأخير، عن أن الخطة تقضي بإجراء تغييرات في حدود إسرائيل، واعتبر الإسرائيليون أن هذا يعني إقامة دولة فلسطينية إلى جانبها.
ولكن عدم الحديث الصريح عن دولة فلسطينية يشكل عقبة كبرى، وحتى في جهاز الأمن الإسرائيلي، لم يحبوا هذا التجاهل، ورأوا أن تسريبات كوشنر «محاولة لتليين موقف السلطة الفلسطينية، على خلفية سلسلة الضربات التي أنزلتها الإدارة الأميركية بأبو مازن، بدءاً من نقل السفارة إلى القدس، مروراً بوقف مليار دولار من الأموال التي تُضخ للسلطة، ومؤسسات مساعدة للفلسطينيين، إلى جانب تقليص الدعم المالي لأجهزة الأمن الفلسطينية، وانتهاء بقرار إغلاق القنصلية الأميركية في القدس التي عملت مقابل السلطة. لكن محاولات التملُّق للسلطة بعد كل ذلك، لم تنجح».
ولم يقبل المسؤول الإسرائيلي الموقف الأميركي القائل إنه يمكن تجنيد ضغوط عربية على السلطة الفلسطينية للقبول بما هو أقل من دولة فلسطينية. وقال إن البناء على جولة كوشنر في الدول العربية وتركيا، في محاولة لكسب تأييد زعمائها «من أجل ممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية كي تقبل الخطة»، هو بناء على رمل. وقد سبق أن فشل في ذلك خلال جولة سابقة مشابهة.
وأضاف أن تقارير وصلت من دول الخليج إلى إسرائيل (لا تبشّر بجديد). وبحسب هذه التقارير، فإنه على الرغم من أن كوشنر قال خلال لقاءاته في الدول العربية إن خطته «تنطوي على أمور جديدة، ومثيرة، ويوجد فيها عنصر اقتصادي مذهل»، ونشرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنها تشمل استثمار مبلغ 25 مليار دولار في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عشر سنوات، فإنه «ينقص هذه الخطة عدة أمور رمزية يمكن أن تسمح للدول العربية بتأييدها، مثل دولة فلسطينية على أساس خطوط 1967، مع عاصمة في القدس الشرقية، أو تبني مبادرة السلام العربية بكاملها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».