بروكسل تفضل محاكمة دولية «للدواعش» ولا عودة لأطفال أكبر من عشر سنوات

رداً على استجواب داخل البرلمان بعد ساعات من قرار محكمة الاستئناف

عناصر من الجيش  البلجيكي بالقرب من مقار الاتحاد الأوروبي في بروكسل لتأمينها من أي مخاطر إرهابية (تصوير: عبد الله مصطفى)
عناصر من الجيش البلجيكي بالقرب من مقار الاتحاد الأوروبي في بروكسل لتأمينها من أي مخاطر إرهابية (تصوير: عبد الله مصطفى)
TT

بروكسل تفضل محاكمة دولية «للدواعش» ولا عودة لأطفال أكبر من عشر سنوات

عناصر من الجيش  البلجيكي بالقرب من مقار الاتحاد الأوروبي في بروكسل لتأمينها من أي مخاطر إرهابية (تصوير: عبد الله مصطفى)
عناصر من الجيش البلجيكي بالقرب من مقار الاتحاد الأوروبي في بروكسل لتأمينها من أي مخاطر إرهابية (تصوير: عبد الله مصطفى)

أكدت الحكومة البلجيكية على موقفها الداعم لمحاكمة دولية للمقاتلين الدواعش المحتجزين حاليا في معسكرات على الأراضي السورية، وقال وزير العدل البلجيكي جينس كوين في رده على استجواب داخل البرلمان تقدم به العضو راف تيرونغن من الحزب الديمقراطي المسيحي: «يمكن العمل على مسار دولي قضائي من خلال الملاحقة والمحاكمة ويمكن أن تجرى المحاكمة بالتعاون مع السلطات القضائية الوطنية في المنطقة المحتجز بها المقاتلون الأجانب، وأما فيما يتعلق بأي عقبات جيوسياسية أو قانونية فإن الأمر يتطلب التشاور مع الشركاء الدوليين ويمكن أن تتولى الخارجية البلجيكية التنسيق في هذا الصدد».
واستبعد الوزير إمكانية وجود ملاحقة قانونية على المستوى الأوروبي، ولكن يجب التشاور بين الشركاء الأوروبيين حول حل أمني لهذا الملف. واختتم بالقول إن السلطات الحكومية تراقب التطورات عن كثب.
أما بالنسبة للأطفال من أبناء «الدواعش»، فقال الوزير إن موقف الحكومة واضح فيما يتعلق بعدم استقبال الأطفال الأكثر من عشر سنوات، ويتم دراسة كل حالة منها على حدة وهما فقط حالتان من بين 30 طفلا، أما الأطفال الأقل من ذلك، فتعمل الحكومة على السماح بإعادة ما دون العاشرة إلى بلجيكا مرة أخرى.
وفي نفس الإطار، قال وزير العدل لبلجيكي إن قرار محكمة الاستئناف في بروكسل برفض إلزام الحكومة بإعادة سيدتين وأطفالهن الستة من معسكرات الاحتجاز المخصصة لأرامل وأطفال الدواعش، لا يعني أن السلطات البلجيكية سوف تتوقف عن المساعي المبذولة من أجل إعادة الأطفال الصغار الأقل من عشر سنوات من مناطق الصراعات. مضيفا: «وستواصل الحكومة الجهود لتنفيذ قراراها المتعلق بهذا الصدد والذي صدر في ديسمبر (كانون الأول) 2017».
وجاء ذلك بعد أن أصدرت محكمة الاستئناف البلجيكية، قرارا جاء فيه أن الحكومة لم تعد ملزمة بالعمل على تسهيل إعادة سيدتين واحدة تدعى تاتيان 26 سنة والأخرى بشرى 25 عاما، وأطفالهما الستة والمحتجزين حاليا في أحد المعسكرات الكردية وجاء ذلك بعد أن صدر قرار في ديسمبر الماضي لمحكمة الأمور المستعجلة يلزم الحكومة بالعمل على تسهيل عودة الأرملتين والأطفال الستة إلى بلجيكا ولكن السلطات البلجيكية استأنفت ضد القرار».
وقالت محكمة الاستئناف يوم الأربعاء إن «الطلب الذي جرى تقديمة لإلزام الحكومة بالعمل على إعادة مثل هذه الحالات هي دعوى غير مقبولة وسبق أن أصدرت محكمة الاستئناف قرارا برفض طلب مشابه في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي». يذكر أنه في أواخر ديسمبر الماضي، قررت الحكومة البلجيكية الاستئناف ضد قرار قضائي، ينص على إلزام الحكومة بإعادة سيدتين وستة أطفال من معسكر للأكراد يضم أرامل وأطفال الدواعش، عقب مقتل رجالهن في عمليات قتالية ضمن صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق.
وقالت الحكومة، إن طلب الاستئناف ضد قرار محكمة بروكسل للأمور المستعجلة، جرى تقديمه، بحسب ما جاء على لسان وزيرة الهجرة في بلجيكا ماغي دي بلوك، في تصريحات لمحطة التلفزة البلجيكية «في تي إم» في تعليق على قرار قضائي صدر وقتها، وجاء فيه أن بلجيكا ملزمة بإعادة تاتيانا فيلاندت (26 عاما)، وبشرى أبو علال (25 عاما)، وأطفالهما من متشددين. وتحتجزان حاليا في مخيم الهول الواقع داخل منطقة خاضعة للأكراد في سوريا. وألزم القاضي في القرار، الحكومة بإعادتهما مع أطفالهما للبلاد في غضون 40 يوما من إخطارها بقرارها أو دفع غرامة يومية بقيمة 5000 يورو عن كل طفل وبحد أقصى مليون يورو. وقالت ماغي دي بلوك الوزيرة المسؤولة عن سياسة الهجرة لمحطة «في تي إم» إنه ينبغي التمييز بين الأمهات والأطفال. وقالت للمحطة: «الأطفال لم يختاروا أن يولدوا في مثل هذه الظروف، أربعة من الستة أطفال بلجيكيون، ولهم أجداد هنا... ويتردد أن أحد الأطفال يعاني من مرض شديد، علينا مسؤولية للقيام بشيء». ولم تحدد الوزيرة ما يمكن للحكومة البلجيكية القيام به تجاه الطفلين الآخرين.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».