قيادي بحركة انفصالية في مالي يتوقع تعثر مفاوضات السلام في الجزائر

عقب انشقاق في أهم فصيل أزوادي مفاوض

قيادي بحركة انفصالية في مالي يتوقع تعثر مفاوضات السلام في الجزائر
TT

قيادي بحركة انفصالية في مالي يتوقع تعثر مفاوضات السلام في الجزائر

قيادي بحركة انفصالية في مالي يتوقع تعثر مفاوضات السلام في الجزائر

قال قيادي في أهم حركة انفصالية بمالي إن مسار السلام بين المعارضة الطرقية المسلحة والحكومة المالية «يتجه إلى طريق مسدود». وتوقع إرجاء انعقاد الجولة الجديدة من المفاوضات بين الطرفين، المرتقبة في الجزائر مطلع الشهر المقبل، إلى تاريخ غير معلوم بسبب حدوث انشقاقات في صفوف وفد المعارضة الذي شارك في مفاوضات يوليو (تموز) الماضي بالجزائر.
وذكر حمة آغ سيد أحمد، مسؤول العلاقات الخارجية بـ«الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، لـ«الشرق الأوسط»، أن حدوث انشقاقات في تنظيم «الحركة العربية الأزوادية» مؤشر سلبي على «احتمال تعثَر مسار السلام الجاري برعاية جزائرية». وتوقع «تحرك المسؤولين الجزائريين بشكل سريع لاحتواء الوضع، لأنهم يدركون أن فشل مسار السلام سيكون فشلا لهم هم أيضا، خاصة أن الجزائر تولي أهمية قصوى لنجاح التسوية بين باماكو، ومختلف حركات التمرد في الشمال». وأعلن ثلاثة قياديين من «الحركة العربية الأزوادية» في بيان أمس خروجهم من التنظيم بحجة «الاقتتال الداخلي بين الأشقاء من أبناء شعبنا في أزواد»، في إشارة إلى صراع حاد يحتدم منذ أسابيع بين مجموعتين مسلحتين من «الحركة»، إحداهما تتبع للأمين العام السابق للحركة أحمد ولد سيدي محمد، والأخرى مرتبطة بالقيادي سيدي إبراهيم ولد سيداتي، المتحالف مع «الحركة الوطنية لتحرير أزواد».
ووقع على البيان أبو بكر ولد الطالب، الناطق باسم العركة العربية الأزوادية؛ والداه ولد البشير، الملحق العسكري لدى المكتب التنفيذي للحركة العربية الأزوادية، ومحمد العمراني، الأمين السياسي للحركة العربية الأزوادية.
وجاء في الوثيقة أن الثلاثة مستاؤون من «الاقتتال الداخلي (في التنظيم) الذي أودى بحياة العديد من أبنائنا ظلما وعدوانا، والذي يخدم العدو المستعمر الذي يقف متفرجا مسرورا بتحقيق أهدافه»، في إشارة إلى الحكومة المالية التي تسعى إلى تفكيك «المشكلة الأزوادية» في الشمال المضطرب، بالحيلولة دون تحقيق مطلب الانفصال.
وطالب القياديون الثلاثة «كل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة ببذل كل الجهود لوقف النزيف قبل فوات الأوان»، وأضاف أصحاب البيان «تأكيدا على نبذنا للعنف بين كل مكونات أزواد، واستجابة لمطالب شعبنا الرافضة للاقتتال الداخلي، نعلن انشقاقنا عن العركة العربية الأزوادية، تعبيرا عن إرادتنا في السلم والاستقرار، وتلبية لتطلعات شعبنا». وتعهد الثلاثة باحترام الاتفاقات التي وقعت عليها التنظيمات الطرقية المسيطرة على شمال مالي مع باماكو، بواغادوغو في 18 يونيو (حزيران) 2013، واتفاق وقف إطلاق النار بكيدال يوم 23 مايو (أيار) الماضي، الذي أشرف عليه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، ثم التوقيع على خارطة الطريق المتعلقة بالسلام بالجزائر في 24 من الشهر الماضي. وعبّر القياديون الثلاثة عن أملهم في عودة «أهلنا النازحين واللاجئين في مختلف بقاع الأرض، لتأسيس أزواد مزدهرة تسودها الأخوة والتسامح».
وأعلنت الخارجية الجزائرية، الثلاثاء الماضي، عن انطلاق ما سمته «المفاوضات الجوهرية»، بين الأطراف المالية في الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل. وأوضحت أن قرار استئناف المفاوضات بعد توقفها «يراعي حرص توفير كل الظروف الكفيلة بتشجيع المفاوضات المقبلة، بين الحكومة المالية والحركات السياسية العسكرية في شمال مالي، في جو هادئ وبناء.
وقد تم اتخاذه بطلب من الأطراف المالية التي عبرت عن رغبتها في أخذ الوقت الكافي، من أجل تعزيز واستكمال مشاوراتها وتحضيراتها». وأضافت الخارجية أن «كل الأطراف المالية المعنية ومختلف تشكيلات فريق الوساطة، على دراية تامة بالتاريخ الذي تم تحديده على أساس اعتبارات تقنية محضة، وبهدف إنجاح مسار السلام».



انحسار نفوذ فرنسا السياسي في أفريقيا مع إغلاق قواعدها العسكرية

الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

انحسار نفوذ فرنسا السياسي في أفريقيا مع إغلاق قواعدها العسكرية

الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)

يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في زيارة رسمية إلى تشاد. وما كاد يصعد لطائرته في طريق العودة إلى باريس حتى أعلنت السلطات التشادية، رسمياً، وضع حد لاتفاقيات الدفاع التي تربطها بفرنسا منذ عقود. جاء القرار التشادي مفاجئاً لباريس التي تربطها علاقات وثيقة بنجامينا، لا، بل إن الرئيس إيمانويل ماكرون كان الوحيد من الزعماء الغربيين الذي حضر مأتم الرئيس التشادي إدريس ديبي، ربيع عام 2021. وكان الأخير قد لقي حتفه أثناء المعارك مع متمردين شمال البلاد.

كذلك، فإن فرنسا قد غضَّت الطرف عن الطريقة التي ورث فيها محمد أدريس ديبي أنتو، ابن الرئيس المتوفَّى، السلطة عن أبيه، التي كانت بعيدة كل البعد عن الأصول الديمقراطية التي تُروّج لها باريس في أفريقيا. وخلال السنوات الثلاث المنقضية، واصلت فرنسا توفير دعمها لديبي؛ حيث استقبله ماكرون في قصر الإليزيه، في شهر يوليو (تموز) من العام نفسه، بوصفه رئيس «المجلس العسكري الانتقالي».

صور نشرها الجيش الفرنسي خلال مناورات في تشاد مطلع 2024

وفي العام الماضي وحده، قام الرئيس ديبي الابن بثلاث زيارات لفرنسا، وكانت آخر زيارة له لباريس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبالنظر لهذه العلاقات الوثيقة، فإن قرار نجامينا المفاجئ بوضع حد لتعاونها العسكري مع باريس جاء بمثابة الصدمة لفرنسا. ولاكتمالها، فإن السلطات التشادية أبلغت باريس رسمياً، في العشرين من الشهر الحالي، أنها تريد أن يتم رحيل القوات الفرنسية المرابطة على أراضيها قبل 31 يناير (كانون الثاني)، بحيث أمهلتها أقل من ستة أسابيع يتعين خلالها على باريس أن تسحب كامل قواتها مع أسلحتها وعتادها. ويبلغ عدد القوة الفرنسية المرابطة في تشاد 1500 رجل، يُضاف إليهم القاعدة العسكرية الجوية التي تضم طائرات «ميراج 2000» القائمة بجانب المطار الدولي المدني في نجامينا.

خسارة تشاد

الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لدى وصوله إلى مطار بكين الدولي بداية سبتمبر قبيل «منتدى التعاون الصيني الأفريقي» (أ.ف.ب)

المزعج بالنسبة لفرنسا أن خسارة التشاد تعني أن باريس فقدت آخر موطئ قدم عسكري لها في منطقة الساحل الأفريقي. فمن عام 2021 وحتى 2023، تتابعت الانقلابات العسكرية في بلدان الساحل؛ في مالي أولاً، ثم تبعتها بوركينا فاسو، وأخيراً النيجر. وكانت النتيجة أن باريس اضطرّت إلى سحب قواتها تباعاً من البلدان الثلاثة، وإلى وضع حد لعملية «برخان» التي انطلقت في عام 2014 لمحاربة المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل، بحيث تحولت تشاد إلى «ملجأ» أخير للقوات الفرنسية.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد؛ إذ انهارت العلاقات السياسية والدبلوماسية الفرنسية مع باماكو وواغادوغو ونيامي، وهي عواصم بلدان كانت مستعمرات فرنسية سابقة، وكان نفوذ باريس فيها عاملاً حاسماً.

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية (الجيش الفرنسي)

من هذا المنظور، يمكن تقدير أهمية الخسارة التي تلحق بفرنسا بسبب قرار نجامينا خروج قواتها من البلاد. لكنّ ثمة فارقاً تنبغي الإشارة إليه، وهو أن السلطات التشادية لا تريد قطع العلاقات مع الدولة المستعمرة السابقة، بل تعديلها وترغب في تنويعها والانفتاح على شركاء جدد، مثل روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وفي أي حال، فإن ذلك يُعدّ خسارة للنفوذ الفرنسي المتراجع منذ سنوات في القارة السوداء، خصوصاً في الدول الفرنكفونية وسط وغرب أفريقيا.

السنغال تخرج من العباءة الفرنسية

في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استقبل الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي مجموعة من الصحافيين الفرنسيين في دكار، عاصمة البلاد. وكم كانت دهشة هؤلاء عندما أعلن أن بلاده «لن يكون فيها قريباً جداً أي جندي فرنسي»، مؤكداً أن السنغال «بلد مستقل، ودولة ذات سيادة، والسيادة لا تسمح بوجود قواعد عسكرية أجنبية».

رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو ينتظر لإلقاء خطابه أمام الجمعية الوطنية الجمعة (أ.ف.ب)

بيد أن ما قاله لم يكن، حقيقة، مفاجئاً؛ إذ إن الحزب اليساري الذي ينتمي إليه (حزب «الوطنيين من أجل العمل والأخوة»)، الذي حمله إلى السلطة في الانتخابات الأخيرة، دعا دوماً إلى خروج القوات الأجنبية من السنغال واستعادة السلطات لسيادتها على كامل الأراضي السنغالية. ومساء الجمعة، أفاد رئيس الوزراء عثمان سونكو بأن رئيس الجمهورية «قرَّر إغلاق جميع القواعد العسكرية الأجنبية في المستقبل القريب». جاء ذلك في إطار بيان حكومته حول السياسة العامة أمام الجمعية الوطنية، ولكن من غير إعطاء أي تفاصيل.

صورة أرشيفية لجنود في قاعدة جوية فرنسية بدكار في 2009 (أ.ب)

في أي حال، فإن وصول الثنائي بشيرو ديوماي فاي وعثمان سونكو إلى السلطة، بعد أن كانا سجينين في عهد الرئيس السابق ماكي سال، المقرب كثيراً من فرنسا، شكّل بحد ذاته قطيعة مع السياسة التقليدية السنغالية إزاء باريس التي تواصلت منذ استقلال البلاد.

واعتبر النائب الفرنسي أورليان سانتول، عن حزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتشدد، أن ما حصل مع السنغال يُعدّ بمثابة «عقاب لفرنسا بسبب سياستها المتلوّنة، التي لا تحترم المبادئ التي تدافع عنها». أما عضوة مجلس الشيوخ هيلين كونواي - موريه، فقد رأت أن رسالة السنغال للسلطات في باريس تقول: «نريد الاستمرار في التعامل معكم، ولكن ليس وفق الطرق القديمة الإملائية، حيث كان يقال لنا كيف يتعين أن نتصرف».

تقلص نفوذ باريس

مع خسارة تشاد والسنغال، ينحسر الوجود العسكري الفرنسي بشكل حاد في أفريقيا الغربية؛ إذ لن يبقى لباريس سوى حضور ضعيف في بلدين أفريقيين، هما ساحل العاج (600 عنصر) والغابون (350 عسكرياً). بالمقابل، فإن فرنسا ستحافظ على قاعدتها الرئيسية القائمة في جيبوتي، وهي جوية وبحرية في آن واحد، وتضمّ ما لا يقلّ عن 1500 رجل.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة 21 ديسمبر (أ.ف.ب)

وبالنظر لموقع جيبوتي الاستراتيجي على مدخل البحر الأحمر، المطلّة على المحيط الهندي، الواقعة في قلب شرق أفريقيا، فإن القاعدة التي تستأجرها فرنسا منذ سنوات تُعدّ المنطلق لأي عمل عسكري فرنسي في هذه المنطقة وأبعد منها. وتم تجديد الاتفاقية في شهر يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس جيبوتي، إسماعيل عمر جيلة، إلى باريس. وينظر إلى القاعدة الفرنسية على أنها «بوليصة تأمين على الحياة» لنظام الأخير، ولبقائه على رأس البلاد المتواصل، دون انقطاع، منذ 24 عاماً. إلا أن جيبوتي تحتضن أيضاً قواعد عسكرية أخرى: أميركية، وصينية، ويابانية، وإيطالية.

بدأ رحيل القوات الفرنسية عن تشاد فعلياً، فغادرتها طائرات «ميراج 2000» المقاتلة، كما عمدت القيادة الفرنسية إلى إغلاق قاعدة «فايا لارجو» القائمة شمال البلاد، وسلّمتها للسلطات التشادية.

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية (الجيش الفرنسي)

وتسعى فرنسا لإنجاز الانسحاب دون تأخير، ويبدو أنها حصلت على وقت إضافي من نجامينا. وبرحيلها تكون باريس قد فقدت محوراً أساسياً للانتشار الفرنسي في أفريقيا. وليس سرّاً أن الحضور العسكري كان يعكس نفوذ فرنسا في الدول المعنية، وأبعد منها، إلى درجة أنه كان ينظر إليها على أنها «شرطي أفريقيا» الفرنكفونية.

وبعكس بريطانيا التي خرجت من أفريقيا ولم تُبقِ لها حضوراً عسكرياً، فإن السلطات الفرنسية كانت حريصة على ديمومة حضورها العسكري والمادي. ومنذ وصوله إلى الرئاسة، حاول ماكرون تغيير فلسفة الانتشار العسكري في القارة السمراء. ورغم الوقت الطويل الذي حظي به (سبع سنوات حتى اليوم)، فإنه أخفق. ومصير القواعد التي تُغلَق الواحدة تلو الأخرى أبرز دليل على هذا الفشل. واليوم، استعرت المنافسة على أفريقيا مع الصين وروسيا وتركيا وإسرائيل، فضلاً عن الولايات المتحدة ودول أوروبية، بحيث تحولت أفريقيا إلى ميدان للتصارع على الأسواق والمواد الأولية والاقتصاد، ناهيك من النفوذ السياسي والعسكري.