معمل التبغ في السليمانية يتحول إلى مجمع فني كبير

مبانيه القديمة تحكي قصصاً حية عن تاريخ المدينة وتراثها

فنانون ومثقفون في السليمانية يحولون معمل التبغ إلى مجمع فني (الشرق الأوسط)
فنانون ومثقفون في السليمانية يحولون معمل التبغ إلى مجمع فني (الشرق الأوسط)
TT

معمل التبغ في السليمانية يتحول إلى مجمع فني كبير

فنانون ومثقفون في السليمانية يحولون معمل التبغ إلى مجمع فني (الشرق الأوسط)
فنانون ومثقفون في السليمانية يحولون معمل التبغ إلى مجمع فني (الشرق الأوسط)

بعد صراع مرير مع الجهات المعنية وجهود مضنية استمرت ست سنوات، نجحت نخبة من أساتذة أكاديمية الفنون الجميلة وجمع من الفنانين والمثقفين في مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق، في تحويل مباني وملحقات معمل التبغ وإنتاج السجائر، المعطل منذ خمسة عشر عاماً، القائم على أرض مساحتها مائة ألف متر مربع، إلى أكبر مجمع فني وثقافي وتربوي على مستوى العراق.
وكان المعمل الكائن في قلب السليمانية، قد تعطّل عن العمل، جرّاء عزوف الفلاحين عن زراعة منتج التبغ في الإقليم، وعدم توافر قطع الغيار اللازمة لخطوط الإنتاج، ناهيك عن رخص أسعار السجائر المستوردة. مما دعا السلطات إلى التخطيط لإزالة مباني المعمل.
ويقول دارا رسول، الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة بالسليمانية، وخبات معروف، الحاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة فيينا بالنمسا، وهما من عرّابي فكرة تحوير المعمل القديم، إنّهما درسا معاً اختصاصين منفصلين في إحدى الجامعات النمساوية، ومارسا تخصصيهما هناك، على مدى ربع قرن، واقتبسا الفكرة من تجارب مماثلة في النمسا، والكثير من الدول الأوروبية.
ويضيف رسول لـ«الشرق الأوسط»: إن غايتنا الأساسية من المشروع، هي المحافظة على هذه المباني القديمة التي تحكي قصصاً حية عن تاريخ وتراث وعراقة السليمانية، التي تعتبر عاصمة الثقافة والفنون الكردية، فضلاً عن حاجة المدينة إلى مثل هكذا مجمع فني وثقافي شامل ومتكامل، وحاجتها إلى مزيد من المسارح، ودور العرض السينمائية، وقاعات عرض اللوحات الفنية والعزف الموسيقي، وغيرها من الأنشطة.
ويوضح رسول، أنه وزميله معروف أسّسا مع نخبة من الفنانين والمثقفين، منظمة تدعى «منظمة المعمل للثقافة والتطور الدائم» لتتولى رعاية المشروع والإشراف عليه إدارياً وفنياً، في حين تتولى وزارة الثقافة التي تحولت إليها ملكية المباني، بعد نقلها من وزارة الصّناعة في الإقليم، تنفيذ عمليات إعادة تأهيل قاعات ومخازن المعمل الكبيرة وتحويرها بما ينسجم والغايات الفنية والثقافية التي تقترحها المنظمة المذكورة، عبر شركة مقاولات عربية متخصصة في هذا المجال.
في حين يؤكد معروف، أن المشروع خدمي وغير ربحي، وجميع العاملين فيه والقائمين عليه، هم من المتطوعين الشباب الطموحين، وسيُطوّر تباعاً وفقاً لخطط وبرامج مدروسة، ليغدو مصنعاً فاعلاً لإنتاج جيل جديد من الفنانين والمثقفين القادرين على بلورة أفكارهم، وتحقيق طموحاتهم بسهولة ويسر بالاستفادة المثلى من المساحات والفضاءات الملائمة التي يوفرها المشروع الذي يتبع القطاع العام.
ويذهب معروف في طموحه بعيداً، بالإعراب عن أمله في أن يمسي المجمع، صرحاً وملتقى للشباب والنخب من بني الشعوب والقوميات المتجاورة في المنطقة، ويسهم في إزالة ترسبات الماضي السياسية والاجتماعية عن أذهانهم، عبر إنجاز مشروعات فنية وثقافية مشتركة، تخدم شعوب المنطقة كافة.
ويقول شيرو بهردار، المشرف الفني على مشروعات الشباب في المجمّع: إن المشروع يوفر مناخات ملائمة للهواة والطلبة والفنانين الناشئين لبلورة وتنفيذ أفكارهم، وصقل وتطوير مهاراتهم وقدراتهم في مختلف المجالات، بما فيها تربية الحيوانات الأليفة. ويوضح أن الأفكار التي ينفذها الشباب في قاعات الطابق الرابع من المجمع، تعتمد على التمويل الذاتي أو على إعادة استخدام أو تدوير اللوازم والمواد التي يتبرّع بها الآخرون.
بينما تؤكد زيرو رستم، الطالبة في المرحلة الثالثة في قسم الإخراج في أكاديمية الفنون الجميلة، أن المجتمع الكردي لا يزال بأمس الحاجة إلى المسرح الهادف؛ لنشر أفكار التعايش والانسجام الاجتماعي، ولا سيما بين الشباب من كلا الجنسين، ونبذ الأفكار البالية التي تقيّد حرية الإنسان، والأهم من المسرح - حسب رأيها - هو إحداث تغيير جذري في المعتقدات والتقاليد السائدة في المجتمع، ليكون المسرح فاعلاً ومؤثراً في رسالته، وتلك هي مهمة الجيل الجديد من الفنانين والمثقفين.



موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.