«التكتم» يلف قضية العسكريين المختطفين.. وسلام يؤكد بذل كل الجهود للإفراج عنهم

معلومات عن عملية عسكرية للنظام في «الطفيل» اللبنانية.. والجيش السوري يطلب من العائلات القليلة الباقية المغادرة

تمام سلام (أ.ب)
تمام سلام (أ.ب)
TT

«التكتم» يلف قضية العسكريين المختطفين.. وسلام يؤكد بذل كل الجهود للإفراج عنهم

تمام سلام (أ.ب)
تمام سلام (أ.ب)

بين «سياسة التكتم» أو «تعثر المفاوضات» التي تقوم بها «هيئة العلماء المسلمين» للإفراج عن العسكريين المخطوفين لدى المسلحين المتشددين خلال معركة عرسال الأخيرة، يؤكد أهالي هؤلاء أن كل المعلومات التي تصل إليهم من المصادر التي تعنى بالملف تعدهم بـ«الخير»، «لكن أكثر من هذه الوعود لم نحصل على أي شيء ملموس لغاية الآن أو معلومات تطمئننا إلى إمكانية الإفراج عن أبنائنا في المدى القريب»، وفق ما يقول شقيق أحد العسكريين لـ«الشرق الأوسط»، في حين قال رئيس الحكومة تمام سلام أمس: «إن الجهود التي تبذل للإفراج عن الموقوفين يجب أن تحاط بكثير من الدقة والعناية والتكتم لعدم تعريضها للخطر».
وبينما أشارت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الموضوع ليس سهلا ويتطلب معالجته بهدوء»، أكد سلام «بذل كل الجهود الممكنة لتأمين الإفراج عن الأسرى والمخطوفين من أفراد الجيش وقوى الأمن الداخلي»، وأن «الدولة لا تفرط في مصير أبنائها ولن تتخلى عنهم».
وتحدث رئيس الحكومة أمام لجنة أهالي الأسرى والمخطوفين من الجيش وقوى الأمن التي زارته أمس للاستفهام عن المساعي المبذولة للإفراج عن العسكريين المفقودين والمطالبة بعدم توفير أي جهد لتحريرهم.
وقال: «ما حصل في عرسال كاد يهدد الوطن برمته لأنه جاء في ظرف عصيب تمر به المنطقة، وفي وضع داخلي غير مستقر لم تفلح القوى السياسية حتى الآن في إيجاد حل له. ما جرى في عرسال لم يكن ابن ساعته، ونحن كنا نتوجس من الوضع في البلدة منذ فترة بسبب انتشار أعداد هائلة من النازحين السوريين فيها، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يقوم المسلحون من (داعش) وغيرها بما قاموا به بهذه السرعة وبهذه الوحشية التي مارسوها على عرسال وأهلها وعلى الجيش وقوى الأمن».
وأكد أن «الأمور لم تكن لتنتهي بالطريقة التي انتهت إليها لولا القرار السياسي بالمواجهة»، منوها بدور الجيش. وأكد أهالي المفقودين أن قضية أبنائهم «لن تنام أو تتوقف»، داعيا إياهم إلى «الصبر والتحمل والتنبه من محاولات استغلال مأساتهم واستثمار عواطفهم».
وهجوم المقاتلين على عرسال في الثاني من أغسطس (آب) الحالي، كان أخطر امتداد للحرب الأهلية السورية، المستمرة منذ ثلاث سنوات، إلى لبنان والمرة الأولى التي يستولي فيها أجانب على أراض لبنانية منذ توغل إسرائيل في الجنوب أثناء حربها مع «حزب الله» عام 2006.
ولا يزال مصير 14 عنصرا من قوى الأمن الداخلي مجهولا، فيما يبلغ عدد المفقودين من الجيش 20 وفق ما أعلن أخيرا قائد الجيش جان قهوجي، مشيرا إلى «احتمال أن يكون بعضهم قد استشهد».
وكانت آخر المعلومات التي أعلنتها «هيئة العلماء المسلمين» قبل أيام التي تتولى التفاوض بشكل غير مباشر مع الخاطفين، تمثلت بتسليم شريط فيديو للحكومة اللبنانية يظهر فيه 7 عسكريين، يتكلم كل منهم 15 ثانية، ناقلة أيضا مطالب تنظيم «داعش» للإفراج عن المحتجزين لديها، بانتظار مطالب «جبهة النصرة».
وقد أفادت المعلومات بأن إحدى الجهات الخاطفة لديها جثة لأحد الجنود الذين كانوا قد عدوا في عداد المفقودين، مشيرة إلى أن 7 من العسكريين هم لدى «داعش» وتسعة اختطفتهم «جبهة النصرة».
مع العلم، أن مدير مؤسسة «لايف» الحقوقية الذي كان يعمل مع الهيئة على خط المفاوضات، كان قد كشف لـ«الشرق الأوسط» أنه تأكد وجود 8 عسكريين لدى «داعش» و«النصرة» من أصل 22 مفقودا من العسكريين.
وتضمنت مطالب الخاطفين، الإفراج عن أسرى موجودين لدى الأجهزة الأمنية من دون أي توضيح ما إذا كانوا من الموقوفين في عرسال أو الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية، وفك الحصار عن مخيمات النازحين وإيصال المساعدات إليها.
وقد ربطت بعض المعلومات بين ما نقل عن تهديد من قبل قوات النظام السوري لأهالي بلدة الطفيل الحدودية ليل أمس، «طالبين منهم المغادرة في أسرع وقت تمهيدا لتنظيف البلدة من المسلحين»، وفق ما نقلت بعض المعلومات الصحافية، وإمكانية أن يكون الخاطفون عمدوا إلى نقل العسكريين إليها. لكن في المقابل، أكد مختار الطفيل السابق رمضان دقو لـ«الشرق الأوسط» أن البلدة التي هجرها أبناؤها بعد دخول قوات النظام و«حزب الله» إليها قبل أكثر من شهر لا يمكن أن يوجد فيها مسلحون تابعون للمعارضة، ولا يتجاوز عدد أبنائها من كبار السن الذين فضلوا البقاء فيها أكثر من أصابع اليدين. وفي هذا الإطار، قال النائب في تكتل «التغيير والإصلاح» قاسم هاشم لـ«الشرق الأوسط» إنه وفق معلومات نقلت إلى إحدى القنوات التلفزيونية عبر أحد أهالي الطفيل أن الجيش السوري طلب من أبناء البلدة الذين لا يزالون موجودين فيها وهم نحو 15 عائلة، المغادرة لتطهير البلدة من المسلحين، مضيفا: «انطلاقا من هذه المعلومات، يبدو أن المسلحين هربوا من عرسال باتجاه الطفيل». من جهته، أكد دقو أنه ومنذ أكثر من شهر هجر كل أبناء الطفيل وعمد «حزب الله» وقوات النظام إلى احتلال بعض المنازل وتحويلها إلى مراكز عسكرية لهم، وذلك على أثر مواجهات وقعت بينهم وبين أبناء البلدة والسوريين الذي يعيشون فيها منذ عشرات السنين، وأدت إلى وقوع نحو 16 قتيلا من شباب الطفيل، بينهم ابنه الذي يبلغ 27 سنة من العمر.
وقد هرب أهالي الطفيل منذ دخول النظام و«حزب الله» إليها، إلى مناطق عدة في البقاع، ولا سيما في عرسال وقرية الأنصار، إضافة إلى الذين لجأوا إلى أقرباء لهم في بيروت وجبل لبنان، فيما هرب عدد آخر إلى بلدة عسال الورد في القلمون. أما النازحون السوريون إلى الطفيل الذين بلغ عددهم نحو 30 ألفا في الفترة الأخيرة، تدفقت معظمها إلى منطقة عرسال في البقاع.
وقبل ذلك، كانت أجهزة الدولة اللبنانية التي أهملت البلدة اللبنانية منذ الاستقلال، قد دخلت للمرة الأولى، في أبريل (نيسان) الماضي، وبعد شهر من الحصار المزدوج على الجهتين، من سوريا حيث سيطرة الجيش السوري، ومن البقاع حيث المناطق المحسوبة على «حزب الله»، ولا سيما بريتال التي كانت المنفذ الوحيد للطفيل إلى الأراضي اللبنانية عبر طريق ترابي، وذلك على خلفية اتهامها بأنها تأؤي إرهابيين.
وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق عمل على تأمين تنفيذ عملية الإغاثة وإيصال المساعدات وإخراج الجرحى والمرضى بالتعاون مع الصليب الأحمر والهيئة العليا للإغاثة ودار الفتوى، وذلك بعد التواصل المباشر مع «حزب الله».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم