قال الفنان سامي كلارك إنه يفتقد أيام الحقبة الذهبية للغناء في لبنان عندما كان الفنان يتم تقديره. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت حقبة الفن الحقيقي إذ كنّا نتعب ونجاهد ونكافأ في الوقت ذاته لأن القيمين على الساحة الفنية كانوا يقدّروننا. وكنا وقتها نتنبه بدقة للكلام الذي سنغنيه واللحن الذي نختاره فلا نستخف بالمستمع بتاتا. أما اليوم فبات بعض الفنانين يستسهلون العمل الغنائي فيلهثون وراء الربح المادي ليس أكثر بغض النظر عن الرسالة الفنية المقدسة التي يحملونها».
فسامي كلارك الذي ساهم في تلميع وجه لبنان الفني في السبعينات والثمانينات وصولاً إلى الألفية الثانية، يعدّ رمزاً من رموز الفنّ اللبناني الأصيل رغم اتخاذه هوية غنائية مغايرة تماماً عن زملائه في تلك الفترة. فهو إضافة إلى خامة صوته المميزة التي تستطيع أن تتعرّف عليها بين آلاف من المغنين، استطاع استحداث خط غنائي حديث، جمع فيه النغمتين الشرقية والغربية، دون أن يهمّش دور أي منهما. فحفرت أغانيه مثل «موري موري» و«قومي تنرقص» و«آه على هالأيام» و«تايك مي وز يو» وغيرها في ذاكرة اللبنانيين على مدى أجيال.
«طبعاً أشعر بالفخر والامتنان كون أغانيّ لا تزال مطلوبة ومسموعة من قبل أجيال متتالية. ورغم الكبوة الفنية التي مررت بها لفترة صغيرة بسبب الحروب التي دمّرت قيمنا الفنية والاجتماعية والضياع الذي ساد الساحة ككل، فإن عودتي اليوم على الساحة وبقوة، تؤكّد أنه لا يصح إلا الصحيح. فالفرص عادت تلوح أمامي وأمام زملائي من جيلي ولو بقينا إلى حين في الظل».
ويرى سامي كلارك أنه حارب للبقاء على الساحة فأسس مع زميليه من جيله عبدو منذر والأمير الصغير فرقة «غولدن أيدج» للحفاظ على الأغنية الأصيلة وتعريف الجيل الجديد عليها. كما شارك في إحياء حفلات غنائية وفي إطلالات إعلامية كثيرة طيلة تلك الفترة لأنه كان يعلم أن الفن الحقيقي لا يمكن أن يموت. وعن أسباب عودة البحث عن الفنانين الأصيلين في هذا الوقت يردّ: «إن القيمين على الساحة لم ينسونا يوماً لأن أعمالنا تفرض نفسها على الساحة دون شك فبقينا موجودين. لكن الإعلام بشكل عام كان متلهياً في تغطية مآسي الحروب المحيطة بنا، كما كان التركيز بشكل أكبر على فقاقيع الفن، أي على مواهب غير حقيقية يهمها الشهرة ولو جاءت على حساب الكفاءة والتقدير. حتى شركات الإنتاج الفنية وقعت في فخّ هؤلاء كما ساهمت أيضاً في إعطائهم حيزاً لا يناسب حجمهم الحقيقي. فالقيم الاجتماعية انقرضت وكذلك احترام الوقت. فتحوّل الفنان إلى سلعة يتاجر بها، وتتحكّم بها تلك الشركات، ما أدّى إلى فوضى فنية عارمة».
وما رأيك بالساحة اليوم؟ يرد: «هي برأيي طبق سلطة تم تحضيره باستخفاف، إذ يتألف من مكونات مضرة وأخرى مفيدة. ففيه ألوان غنائية هابطة، وأخرى تهمّش الرومانسية والكلاسيكية، مقابل ثالثة حلوة، وهي أقلية تجذب السمع. حتى كلام الأغاني تبدّل وأخذ منحى غير لائق مرات، ما دمّر مفاهيم الحب والعاطفة بشكل عام. فسيلزمنا وقت طويل لغربلة الساحة وإعادتها إلى الخط الملائم، كوننا نعيش في عصر يحكمه الفضاء الرقمي، ولا نعرف إلى أين سنصل معه». ويضيف: «حتى برامج المواهب الفنية التلفزيونية لم تعد تتحلّى بنكهة الأمس الدسمة، وجمهورها يصوّت فيها بشكل عشوائي وعشائري في آنٍ، لأنه يفتقد الثقافة الفنية. ففي الماضي كانت هناك لجان حكم متخصصة، تقدّر الصوت والموهبة وتشتم رائحتهما من بعيد، عكس ما نراه اليوم في بعض هذه البرامج».
وسامي كلارك الذي أطلّ مؤخراً في برامج تلفزيونية كثيرة سلّطت الضوء على مسيرته الغنائية الرائدة، ولا سيما الدور الذي لعبه في أداء أغاني أفلام رسوم متحركة، اشتهرت بفضله، فرددها الكبار والصغار من أجيال مختلفة كـ«غريندايزر» و«جزيرة الكنز» وغيرها، ساهمت في تجديد نجوميته كواحد من رموزها، يعلّق: «بالفعل هناك هجمة إعلامية عليّ اليوم بحيث حللت ضيفاً على عدة قنوات محلية وفضائية عربية كـ(لهون وبس) على شاشة (إل بي سي آي) مع الإعلامي هشام حداد وفي برنامج (صاحبة السعادة) على شاشة (دي أم سي) مع النجمة المصرية إسعاد يونس. كما أطللت في مهرجانات عربية في (ماس ماش) في أبوظبي وفي الدمام في السعودية، من ضمن فعاليات مهرجان (مانغاكون). كل ذلك ساهم في عودتي الثابتة على الساحة، وهو أمر يفرحني دون شك». ويشير الفنان اللبناني إلى أنه تفاجأ برد فعل الجمهور السعودي وحفظه أغانيه بشكل لافت، ويقول: «في الحقيقة هذا الأمر فاجأني جداً عندما أحييت حفلة غنائية في منطقة الدمام منذ نحو 8 أشهر. فهم يتابعوني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فغنوا معي (قومي تا نرقص) و(غريندايزر) وغيرها فشعرت كأني في بلدي لبنان. حتى إن استقبالهم لي كان رائعاً وأثر بي كثيراً. وأنا متحمس جداً للعودة إلى السعودية في 13 مارس (آذار) لتقديم حفل غنائي هناك في مهرجان الأفلام المتحركة، كون صوتي يشكل أحد رموزها في العالم العربي».
وعما إذا كان يتوقع النجاح الساحق لأغنية «غريندايزر» التي رافقت عروض مسلسل الرسوم المتحركة الذي يحمل الاسم نفسه، يجيب: «لم أكن أتوقع هذا الأمر بتاتاً في ذلك الحين واكتشفت فيما بعد أن اسمي غير مذكور على الجينيريك الخاص به، وكذلك اسم كاتب كلمات الأغنية موفق شيخ الأرض، وهو أمر أحزنني. فكيف لشركة إنتاج محترمة أن تنسى ذكر هذه الأسماء التي ساهمت في شهرة رسوم الكرتون تلك؟». لكن الجميع يعرف بفضل نبرة صوتك الأوبرالية أنك مؤدي هذه الأغنية؟ «هذا صحيح، ولكني كنت أفضل أن يتم ذكر اسمي توثيقاً لمشاركتي في هذا العمل».
وعن رأيه بطبيعة صوته التي لا تشبه أحداً غيره على الساحة، يقول: «إنه من الطبيعي أن يتمتع الفنان بهويته الخاصة، إن بأدائه أو بصوته. ولا أفاخر إذا قلت إن لصوتي وثقافته الموسيقية ما يميّزه عن غيري. فأنا جمعت النغمة الشرقية مع تلك الغربية، ونجحت في ذلك، وأحضّر ابني سام جونيور ليمشي في الطريق نفسه».
ويؤلّف سامي كلارك حالياً مع ابنته ساندرا وابنه سام جونيور «ثلاثياً غنائياً»، تشرف على إدارة أعماله وتنسيقها زوجته. «إنني بصدد إحياء حفلات معهما، إضافة إلى تشجيعي لهما لتسجيل أغانٍ وكليبات مصورة خاصة بهما. فقريباً سنشاهد لساندرا كليب أغنية بعنوان (نفنف يا ثلج) وهي أغنية قديمة لي أعيد توزيعها الموسيقي لتنشدها بصوتها. أما سام فهو بصدد طرح أغنية خاصة به قريبا بعنوان (أنت عمري أنت)، كما أركّز معها على تقديم الأغاني القديمة من نوع (أولديز)؛ لأن هناك شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين يحبونها».
وعما إذا هو عاتب على شركات الإنتاج بشكل عام، إذ لا تفكر في ضمّه إليها. يرد: «لم أتكل يوماً على شركة إنتاج طيلة مشواري الفني إذ كنت أتولى شخصيا إنتاج أعمالي على أن توزعها شركات أمثال (شاهين) و(في أو إل) و(صوت بيروت) و(الخوري) وغيرها. ولذلك لا يهمني هذا الموضوع ولا عتب عندي تجاه أحد».
وعن عملية انتقاده في إطلالة تلفزيونية له مؤخراً تحدّث فيها عن أغانٍ ساهمت في شهرته دون أن يذكر أحد ملحنيها إلياس الرحباني، يقول: «لقد تم حذف مقاطع كثيرة من لقائي هذا بفعل عملية المونتاج لاختصار الحلقة مع الوقت المخصص لها. ومن بينها مقطع ذكرت فيه الموسيقار إلياس الرحباني. فأنا أكن له كل احترام وعلاقتي به وطيدة وتعاونت معه مؤخرا في لحن جديد».
ويستعد سامي كلارك لإنزال ألبوم غنائي جديد بالغربية، وأغنيتين بالعربية، لحنها له الموسيقي الراحل زكي ناصيف قبل وفاته بسنين قليلة، وهي «يا هلا بغيّابنا» و«يا دنيي شتي ألحان». ويقول: «أما أقرب هذه الأعمال التي سترى النور فهي (حبّ الأيام) لإلياس الرحباني التي أنوي تصويرها وطرحها في الأسواق مع بداية فصل الربيع».
سامي كلارك: أحنّ إلى تلك الحقبة الذهبية عندما كان الفنان يتم تقديره
اعتبر عودته إلى الساحة تأكيداً أنه {لا يصحّ إلا الصحيح»
سامي كلارك: أحنّ إلى تلك الحقبة الذهبية عندما كان الفنان يتم تقديره
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة