«مهزلة» كيبا شتتت تركيز زملائه وأهانت اللعبة بأكملها

منذ أسبوعين فقط كنا ننعى وفاة أعظم حراس المرمى في تاريخ إنجلترا، رجل اضطلع بعمله على أكمل وجه في كل هدوء. ولا يسعنا سوى محاولة تخيل ما كان سيشعر به جوردون بانكس لو أنه كان لا يزال حياً بيننا، تجاه سلوك كيبا أريزابالاغا في مباراة النهائي بكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة الأحد، لكن من الصعب تخيل أن أحداً من اللاعبين من أبناء جيله لم يشعر بصدمة هائلة تجاه التمرد والعصيان الذي أظهره حارس المرمى الشاب القادم من إقليم الباسك.
في الحقيقة، توجه أرض استاد ويمبلي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب ليس الأمر الوحيد الذي جرى تعديله على نحو راديكالي منذ أن قدم بانكس أروع لحظاته على الإطلاق على أرض هذا الملعب، الذي جاء أريزابالاغا بكل صلف ليدنسه برفضه قرار استبداله. وبكل تأكيد ينتمي حارس مرمى تشيلسي البالغ 24 عاماً الذي ضمه النادي مقابل 71.6 مليون جنيه إسترليني، والراتب الذي من المقرر أن يتقاضاه على امتداد سنوات تعاقده السبع والبالغ في الإجمالي 70 مليون جنيه إسترليني، إلى كوكب آخر تماماً غير ذلك الذي عاش عليه رجل بدأ مسيرته الكروية في حقبة كان الحد الأقصى لأجر اللاعب خلالها 20 جنيهاً إسترلينياً.
ومن الممكن أن يشعر المرء ببعض التعاطف تجاه الضغط النفسي المفروض على اللاعبين الشباب نتيجة الهبوط المفاجئ للثروة عليهم، لكن يظل هذا التعاطف عاجزاً عن طرح مبرر لرد فعل أريزابالاغا عندما رأى رقم قميصه على الشاشة الإلكترونية داخل الاستاد خلال اللحظات الأخيرة من الوقت الإضافي أمام مانشستر سيتي.
ويمكنك ربط هذا السلوك بالمشكلات القائمة خلف الكواليس داخل ستامفورد بريدج، وتنامي التساؤلات حول مدى ثقة اللاعبين في مدربهم، وحينئذ تتضح أمامك ملامح مشهد أصبح بمقدور أريزابالاغا في إطاره الاعتقاد بأن بإمكانه تحدي سلطة المدرب علانية والإفلات من عقوبة ذلك. في الواقع، لا أحد ينجو من مثل هذا الموقف سالماً سوى الحكم الذي لا تشمل سلطاته فرض رغبات مدرب أحد الفريقين داخل أرض الملعب. وقد سمح الحكم جون موس للحريق المفاجئ الذي اشتعل بالملعب بأن يخفت من تلقاء نفسه، ومضى بهدوء نحو تبادل الركلات الترجيحية التي شكلت نقطة ذروة أخرى مقابلة خلال المباراة.
ويمكنك القول بأنه إذا كان أريزابالاغا قد شعر بأن إصابته ليست سيئة للغاية بدرجة تمنعه من المشاركة في ركلات الترجيح، فإنه ربما يكون له كل الحق إذن في الإصرار على الاستمرار في المهمة التي اختير من أجلها (بعد ذلك، فاقم أريزابالاغا الجرم الذي اقترفه بادعائه أنه بالغ في التظاهر بالإصابة كي يحصل فريقه على فترة استراحة من اللعب).
إلا أن الحقيقة أنه ليس كل قرار استبدال لاعب ولا حتى غالبية هذه القرارات، في الوقت الحالي يصدر بسبب الإصابة. في الواقع، جرى إقرار نظام استبدال اللاعبين بهدف الحيلولة دون تكرار حادث مثل تعرض ساق روي دوايت للكسر أثناء مباراة نهائي كأس إنجلترا عام 1959 ليتقلص عدد لاعبي نوتنغهام فورست إلى 10 فقط في وقت مبكر من المباراة. إلا أنه بمرور الوقت تحولت هذه الأداة إلى سلاح معقد في إعادة الترتيب التكتيكي داخل الملعب. والسؤال: ما الذي يجعل الأمر الذي ينطبق على صانع الألعاب مختلفاً عن حارس المرمى؟
ولو أن ماوريسيو ساري كان يخطط منذ اللحظة الأولى للاستعانة بالحارس الآخر ويلي كاباييروفي ركلات الترجيح، فإن هذا يبدو قراراً منطقياً تماماً، فقد نجح حارس المرمى الأرجنتيني في صد ثلاثة ركلات جزاء في صفوف مانشستر سيتي أمام ليفربول في مباراة نهائي البطولة ذاتها منذ ثلاثة سنوات. وبعد انتقاله إلى تشيلسي، أنقذ الركلة الأولى في مجموعة ناجحة من ركلات الترجيح أمام نوريتش سيتي في الدور الثالث من بطولة كأس إنجلترا الموسم الماضي. وخلال مشاركته في صفوف مانشستر سيتي، ألف كاباليرو التصدي لركلات الجزاء من جانب الكثير من لاعبي تشيلسي.
ويعتبر هذا وحده سبباً مشروعاً للغاية للدفع به في نهاية الوقت الإضافي، حتى وإن كان أريزابالاغا قد ساعد تشيلسي على الاحتفاظ بشباك نظيفة على مدار 120 دقيقة إن كرة القدم، خاصة بالصورة التي يعرفها ساري ومدرب سيتي جوسيب غوارديولا، اللذان تابعا الأحداث داخل الملعب بمزيج من الذهول والصدمة، تدور حول فكرة الاعتماد على مهارات متخصصة. ونظراً لأن حارس المرمى الشاب طلب العلاج مرتين، من الواضح بسبب إصابته بشد عضلي، خلال اللحظات الأخيرة من الوقت الإضافي، بدا أنه ما من خيار آخر أمام المدرب.
منذ سنوات كثيرة مضت، كان «حراس المرمى مجانين» عنوان مجموعة من القصص القصيرة التي ألفها بريان غلانفيل حول كرة القدم. ربما يكون حراس المرمى مجانين بالفعل، لكنهم نادراً ما هبطوا لمستوى الخبل الذي أظهره أريزابالاغا. الحقيقة أن موجة الغضب التي دخل فيها أريزابالاغا خلقت مخاطرة أمام تشيلسي على صعيدين: أولهما أنه بذلك زاد الضغوط على نفسه في وقت كان التركيز الهادئ يمثل أهمية محورية بالنسبة له. ثانياً والأهم أن الدراما التي افتعلها شتتت تركيز زملاءه في لحظة كان خمسة منهم على الأقل في حاجة ماسة لكل ثانية ممكنة من الهدوء ورباطة الجأش. وقد رأينا كيف كانت نهاية هذا الوضع.
وجاء رد فعل ساري القوي ليفاقم الشعور بالملهاة، فقد أخذ يصرخ ويقطب جبينه وأطلق إيماءات وإشارات وتظاهر بأنه سيخرج من الملعب ثم تراجع بعد فتح الأبواب أمامه. وفي النهاية عاد لمقعده، وأمسك بمذكرة وقلم وشرع في الكتابة، ربما كان يضع مسودة خطاب لرومان أبراموفيتش أو إلى مسؤولي نابولي، يطلب العودة لوظيفته القديمة.
يمكنك أن تلوم ساري لفقدانه السيطرة على فريقه وعدم وجود قائد داخل أرض الملعب قادر على فرض هذه السيطرة، لكن لا يمكنك لومه على الشعور بالغضب. بعد شوط أول رتيب جرى خلاله تحييد خطر مهاجمي تشيلسي، نجح لاعبوه في التألق خلال الشوط الثاني قبل أن يقطع الوقت الإضافي الزخم الذي كانوا يشعرون به. إلا أنه يمكنك أيضاً لومه لوجود جورجينيو الذي منحت ركلة جزائه الرديئة الأولى المبادرة للخصم.
جدير بالذكر أنه ذات يوم كان أريزابالاغا يلعب في صفوف الفريق الثاني لأتليتيك بلباو في إسبانيا عندما أثار ليونيل ميسي غضب لويس إنريكي، مدرب برشلونة في ذلك الوقت برفضه الخروج من الملعب في وقت متأخر من مباراة أمام إيبار عام 2014 في وقت كان الفريق متقدم بنتيجة 3 - 0. في تلك اللحظة، كان اللاعب الأعظم في العالم يقر نموذجاً أمام لاعب شاب سيصبح لاحقاً حارس المرمى الأغلى في العالم. ومن رحم هذا الموقف وعدد من العوامل الأخرى، ظهرت الملهاة التي شاهدناها الأحد ولحظة تعرضت خلالها كرة القدم بأكملها للامتهان.
آخر حلقات هذه الملهاة كانت قرار تشيلسي معاقبة الحارس أريزابالاغا بخصم راتبه لمدة أسبوع واحد. وبدا أن أريزابالاغا يعاني من إصابة بعدما منع سيرجيو أغويرو من التسجيل في الدقائق الأخيرة من الوقت الإضافي وطلب منه المدرب ماوريتسيو ساري الخروج قبل أن يخسر تشيلسي 4 - 3 في ركلات الترجيح.
لكن بعدما توقف اللعب وطلب الحكم الرابع من أريزابالاغا الخروج ومشاركة الحارس البديل كاباييرو أصر الحارس الإسباني على أنه جاهز للعب ورفض الخروج وسط غضب واضح من ساري. وقال المدرب الإيطالي بعد اللقاء الذي انتهى دون أهداف إنه حدث «سوء فهم كبير»، لأنه اعتقد أن أريزابالاغا يعاني من شد عضلي، بينما أكد الحارس أنه سليم واستمر في الملعب لمحاولة التصدي لركلات الترجيح.
الاثنين قال أريزابالاغا إنه تقدم بالاعتذار إلى ساري وزملائه والجماهير بينما قرر تشيلسي تغريمه بسبب هذا التصرف.
وقال تشيلسي في بيان بموقعه على الإنترنت: «اتخذ النادي قرارا بتغريم كيبا راتبه لمدة أسبوع واحد والتبرع به لمؤسسة تشيلسي».
وأصدر كيبا وساري بيانين لتوضيح الموقف بعدما أثار هذا الأمر جدلا كبيرا في الأوساط الرياضية. وقال كيبا: «فكرت بشكل أكبر فيما حدث. رغم أنه حدث سوء فهم في الأمر، فإني ارتكبت خطأ كبيرا في طريقة التعامل مع الموقف. أريد أن أستغل الفرصة وأتقدم بالاعتذار بشكل كامل وشخصي إلى المدرب وويلي وزملائي والنادي. لقد فعلت ذلك الأمر وأريد التقدم بنفس الاعتذار إلى المشجعين. سأتعلم من هذه الواقعة وسأتقبل أي عقوبة أو قرار انضباطي يراه النادي مناسبا».