طرحت ندوة عقدها «البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة»، بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة السورية، عن «الحكم المحلي»، في دمشق، قبل أيام، أسئلةً لدى دول غربية كبرى حول مدى انسجامها مع موقف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من النزاع السوري والوصول إلى «حل سياسي» بموجب القرار 2254.
وإذ رأى منتقدون للندوة أنها «تشرعن» التعامل بين «البرنامج الإنمائي» والحكومة السورية في أمور تتجاوز المساعدات الإنسانية، وتتعاطي مع موضوع «الحكم المحلي بطريقة تستبق الحل السياسي»، دافع آخرون عنها باعتبارها تقع ضمن سلسلة ورشات عقدها «البرنامج الإنمائي» في عمان وغازي عيناب لتناول الحكم المحلي ضمن برنامج «التخطيط لما بعد الاتفاق السياسي» الذي أطلقته دول غربية مانحة عبر الأمم المتحدة في عام 2015.
ندوة دمشق
في 20 و21 من الشهر الحالي، نظم «البرنامج الإنمائي» ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، «الورشة الوطنية حول الحكم المحلي»، انطلاقاً من القانون رقم 107 الذي «تأثر تنفيذه بالوضع في سوريا منذ عام 2011»، بحيث بحث المشاركون في «الحكم المحلي باعتباره أولوية».
وافتتح الورشة وزير الإدارة والبيئة حسين مخلوف ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، ومدير «البرنامج الإنمائي» ديفيد أكوبيان، بحضور ممثلي رؤساء مجالس محلية «انتخبوا» بموجب انتخابات العام الماضي، وشاركوا في اللقاء مع الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي.
وكان بينهم رؤساء مجالس محلية من منطقة استعادة قوات الحكومة السيطرة عليها مثل الزبداني وحمص وحلب. وتضمن أهداف القيمين على الورشة «تطوير فهم مشترك للهيكلية المحلية بمستويات مختلفة»، ومناقشة الإطار القانوني وخيارات للتنفيذ، و«مناقشة خيارات للعملية اللامركزية لتحقيق نتائج وخدمات أفضل للناس»، إضافة إلى «تحديد فرص وأولويات للأمم المتحدة لدعم الحكم المحلي».
استندت الورشة إلى «برنامج التخطيط لما بعد الاتفاق السياسي»، الذي أطلق في عام 2015، وتضمن إطلاق عملية عبر العمل على تسجيل الملكيات والسجل المدني والحكم المحلي.
بمجرد انعقاد الورشة، ظهر انتقاد من دول غربية كبرى باعتبار أنها «عقدت برعاية مشتركة مع النظام السوري»، وتناولت موضوعاً جوهرياً يتعلق بـ«ما بعد الحل السياسي بموجب اتفاق الأطراف»، وهو الحكم المحلي، خصوصاً أن موقف دمشق والمعارضة والأكراد مختلف إزاء ذلك.
وإذ تدعم دمشق تنفيذ القانون 107 الذي تحدث عن إدارات محلية، فإن المعارضة طالبت في مفاوضات جنيف بـ«اللامركزية»، فيما يطالب الأكراد بـ«إدارة ذاتية»، وتكرر ذلك خلال مفاوضات بين «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من واشنطن ودمشق. وقال دبلوماسيون غربيون: «الورشة تشرعن التعامل مع الحكومة في أمور أبعد من المساعدات الإنسانية، ليس فقط التنمية ولا الإعمار، بل في ملف سياسي يتعلق بشرعية النظام السوري».
في المقابل، قال مؤيدون للورشة إنها تقع في صلب برنامج «التخطيط لما بعد الأزمة» الذي تضمن العمل على ملفات عاجلة مثل «الحكم المحلي»، مشيرين إلى أنها سلسلة من ورشات سابقة، وأن المجالس المحلية «شريك أساسي» في الحوار. وقال أحدهم: «نعمل على خط رفيع: نلتزم معايير الأمم المتحدة، ونساعد السوريين، خصوصاً أن هناك 12.8 مليون سوري داخل البلاد بحاجة لمساعدة ماسة، وهم في حاجة لمدراس ومستشفيات وغذاء». ولاحظ أن بيان «وكالة الأنباء السورية الرسمية» (سانا) عن الورشة تحدث عن «زيارة التشاركية» في سوريا و«تعديل القوانين» لتتكيف مع الواقع.
مؤتمر بروكسل
وأشار دبلوماسيون غربيون إلى «تزامن مقصود» بعقد الورشة قبل المؤتمر الثالث للدول المانحة الذي يعقده الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في بروكسل بين 12 و14 مارس (آذار) المقبل، بهدف «الحصول على دعم لمشروعات مقترحة تخص الحكم المحلي».
وإذ يتوقع أن تنخفض تعهدات الدول المانحة عن المبلغ الذي أعلن في المؤتمر السابق، وقدره 4.4 مليار دولار أميركي، فإن الاهتمام مركز على الموقف السياسي الذي سيعلن في المؤتمر، وعلاقة دعم الإعمار بالعملية السياسية.
وصدرت إشارة أساسية في البيان الختامي للقمة الأوروبية - العربية في شرم الشيخ، أول من أمس، لدى تأكيده على أن «أي حل مستدام يتطلب عملية انتقال سياسي حقيقية، وفقاً لبيان جنيف عام 2012 وقرارات مجلس الأمن الدولي، لا سيما القرار رقم 2254».
كانت المسؤولة عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، أبلغت المبعوث الأممي غير بيدرسن، الجمعة، «دعم الاتحاد الأوروبي الكلي للأمم المتحدة وعملية جنيف أساساً لتطبيق القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي حول المرحلة الانتقالية في سوريا، باعتباره حلاً راسخاً وحيداً للنزاع».
وفرض الاتحاد الأوروبي في نهاية العام الماضي عقوبات على 11 شخصية ومؤسسة مقربة من دمشق منخرطة في مشروعات للإعمار في العاصمة السورية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن وزير الخارجية وليد المعلم، بعث رسالة خطية إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طالباً عدم مشاركة الأمم المتحدة في رعاية مؤتمر المانحين، مقابل دعوة الحكومة للمشاركة فيه.
معايير ومبادئ
في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، أقرت الأمم المتحدة نسخة معدلة لوثيقة «معايير ومبادئ مساعدات الأمم المتحدة في سوريا»، بهدف «ضبط» تعامل مؤسسات الأمم المتحدة مع الحكومة السورية في أمور المساعدات الإنسانية والتنمية والإعمار. وأثارت وقتذاك، غضب موسكو، لأنها تقيد المشاركة في الإعمار و«شرعنة الحكومة السورية».
وحسب الوثيقة المعدلة، التي نشرتها «الشرق الأوسط» سابقاً، فإن «المعايير» تشمل أن «الاحتياجات الطارئة في سوريا تبقى هائلة، ولا يزال تقديم المساعدة عبر الطرق المباشرة أمراً أكثر أهمية»، وضرورة أن «تنطبق المبادئ الإنسانية للحيادية والنزاهة والاستقلالية على المساعدات الإنسانية الطارئة، فضلاً عن أنشطة الإنعاش المبكر والمرونة ذات الأهداف الإنسانية».
عليه، أكدت أنه «يجب أن تظل خطة الاستجابة الإنسانية إغاثية لضمان قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ الأنشطة الإنسانية الأساسية لإنقاذ الأرواح، وضمان الاحتياجات الأساسية للمواطنين»، لكن «أنشطة التطوير أو إعادة الإعمار التي تأتي خارج هذا الإطار يجب أن ترد ضمن أطر أخرى تتسم في طبيعتها بمفاوضات أطول مع الحكومات، ذلك أن هذا أمر ضروري، نظراً للقضايا القانونية والسياسية المعقدة المعنية».
وأكدت الوثيقة على التزام مؤسسات الأمم المتحدة بـ«مبادئ الحياد والنزاهة والاستقلالية، وأن تكون متسقة مع المبادئ الأساسية لنهج البرمجة القائمة على حقوق الإنسان»، ووجوب «إعطاء الأولوية للمساعدة بناءً على احتياجات السكان (بدلاً من الحكومة)، مع التركيز بشكل خاص على احتياجات الفئات والأفراد المعرضين للخطر بطريقة تحمي حقوق الإنسان»، وأن «يتم ذلك بطريقة عادلة ومنصفة وغير تمييزية وغير مسيسة».
وقالت: «يجب ألا توجه مساعدات الأمم المتحدة لمساعدة الأطراف التي ارتكبت جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية» في سوريا، وأن «ﺗﺤدد اﻟﻤﺴﺎعدة اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﻬﺎ اﻷﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤدة ﺑﺼﻮرة واﻋﻴﺔ وﺑﻮﺿﻮح دون اﻟﻤﺴﺎس ﺑﺄهداف اﻟﻤﺴﺎءﻟﺔ ﻋﻦ اﻻﻧﺘﻬﺎكات اﻟﺨطيرة ﻟﺤﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن وأهداف اﻟﺘﺴﻮﻳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ واﻟﻤﻨﺼﻔﺔ واﻟﻤﺴتداﻣﺔ»، مع رفض أن تقوم الأمم المتحدة بـ«دعم الأنشطة التي قد تعيق قدرة جميع السوريين، بما في ذلك النازحين واللاجئين، على الحصول على حقوقهم بشكل كامل».